بينما يبلغ التراشق الكلامي لقادة التيارات ذروته..

الحريري يعلن إقتراب موعد تشكيل الحكومة اللبنانية خلال أيام

الحريري يعلن إقتراب موعد تشكيل الحكومة اللبنانية خلال أيام
الأربعاء ١٠ أكتوبر ٢٠١٨ - ٠٩:٥٩ بتوقيت غرينتش

بعدما طفح كيل التراشق الكلامي بين قادة التيارات والأحزاب اللبنانية حول تحديد الحصص وإقتناء الوزارات السيادية خلال الحكومة القادمة التي يترأسها رئيس الوزراء المكلف، سعد الحريري، أطل الأخير يوم امس على وسائل الإعلام اللبنانية ليؤكد لمناهضيه أنه سيشكل الحكومة خلال العشرة أيام القادمة، لكن لا حسب المعايير التي يريدها معارضوه.

العالم- لبنان- تقارير

هذا التصريح لرئيس الوزراء المكلف سعد الحريري يحمل في طياته اكثر من رسالة الى داخل لبنان ومحيطه والقوى الدولية المؤثرة في الساحة اللبنانية نحاول التطرق الى أهمها لاحقا.

فبالرغم من مرور أكثر من ثلاثة اشهر على إنتهاء الإنتخابات البرلمانية الأخيرة التي شهدت إنحسارا ملحوظا لشعبية تيار المستقبل وفقدانه لبضعة مقاعد برلمانية، إلا أن القوى والتيارات المؤثرة في الساحة اللبنانية إرتأت ان يتم تكليف السيد سعد الحريري بإعتباره يترأس اكبر كتلة ("سُنية") لمسلمي لبنان، ليقوم بتشكيل الحكومة المرتقبة.

إلا أن بعض القوى الإقليمية المؤثرة في الساحة اللبنانية، أبدت عدم ارتياحها لهذا القرار اللبناني، حيث راحت تدفع اصابعها لعرقلة مسيرة تشكيل الحكومة في لبنان. وبالرغم من كل مساعي المصالحات الوطنية والتنازلات السياسية التي ابدتها القوى السياسية الفاعلة في الساحة اللبنانية، إلا أن التراشق الكلامي بين رموز التيارات بات على اشده، وكاد يعود بالتيارات المتصالحة إلى المربع الأول. خاصة وان التراشق اصبح يشكل خلفية اشتباك سياسي – دستوري بين الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة سعد الحريري، ووزير الخارجية اللبناني جبران باسيل، الأمر الذي جسد جوهر الخلاف في التأخير لتشكيل الحكومة اللبنانية.

فبالرغم من كل الموافقات السابقة صرح وزير الخارجية جبران باسيل الجمعة الماضية وفي مؤتمر صحفي لقد تم تكليف الحريري بتشكيل الحكومة وفق شروط، وعليه ان يشكل الحكومة ويذهب بها الى البرلمان لكسب الثقة، لكنه اذا فشل في كسب ثقة البرلمان، سيكون امام شروط اخرى لتشكيل الحكومة، كي يكسب ثقة البرلمان، حسب ما أوردته صحيفة "الأخبار" اللبنانية.

هذه التصريحات حملت الرئيس المكلف سعد الحريري برد على باسيل، وصفه المراقبون بـ "الحاسم" حيث اعتبر خلال إجتماع مع المراسلين قبيل ترؤسه إجتماع كتلة المستبقل يوم أمس الثلاثاء، تصريحات وزير الخارجية بأنها "غير إيجابية".

الحريري الذي اراد تأكيد استمرار التشاور والاتفاق بين كافة الاطراف بما فيها المسيحية والمردة والدروز، قال للصحفيين "في اللحظة التي نضع فيها معايير، نكون نكبّل انفسنا بتشكيل أي حكومة في المستقبل، وهذا الأمر ليس له أصل، لا دستوري ولا عرفي ولا له لا تاريخ ولا جغرافيا".

هذا التصعيد الخطير الذي جاء على لسان الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة يكشف مدى فاعلية تأثير القوى الخارجية المؤثرة على الساحة اللبنانية، خاصة وانه اعلن ان ما يطالبه به مناهضوه "لا اصل له لادستوريا ولا عرفيا، بل لم يكن لهذه المطالبات لا تاريخ ولا تماشي مع الجغرافيا اللبنانية".

اي ان اللغة التي اعتمدها الحريري في الرد على مناهضيه تكشف ملامح العودة لسياسة الإقصاء التي رفضها الشعب اللبناني منذ اكثر من عقدين، خاصة وانها فُرضت على لبنان ومزقت شعبه الواحد الى كانتونات تحت مسميات دينية ومذهبية، في حين ان لبنان واللبنانيين عرفوا في العالم بأنهم أهل لخليقة السماح والتسامح والتعايش.

ولم تكن الشواهد التي سجلها الشعب اللبناني بمختلف فئاته وتياراته قليلة إزاء لبنان ووحدة لبنان وسيادته، ونبذ العنف والتشدد، والتطلع للعيش الهانئ والسلام. ومن باب التذكير يمكن الإشارة الى الصفوف المتراصة التي تشكلت إبان عدوان الكيان الصهيوني على لبنان في تموز عام 2006، وإحتفال كافة التيارات اللبنانية بالإنتصار بعد دحر العدوان، والى غير ذلك من وقفات جسدها ابناء لبنان، ضد العنف والتشدد، بدءا من معارضة مخيمات الاعتصام حاول إرساءها الداعشي الهارب "الشيخ احمد الأسير"، مرورا بدعم ابناء الشعب للجيش اللبناني في عملياته ضد المتطرفين والتطرف بكل أشكاله.

وختاما يرى المراقبون انه كلما تأخر تشكيل الحكومة اللبنانية، كلما إزدادت التدخلات الخارجية، التي لا تخدم لا الشعب ولا الوطن اللبناني، وإن من مصلحة الجميع القبول بالتوافقات التي توصلت اليها قيادات التيارات السياسية، وإجتياز اي قرارات فردية او متأثرة بأفراد يتأثرون بالقوى الاقليمية الخارجية.

وإن عشرة ايام لتشكيل حكومة توافق وطني يبدو انها كافية، وإذا لم يستثمر الحريري هذه الفرصة الذهبية، فإن اول الخلافات ستصدر من تياره (المستقبل) الذي اكد في اجتماعه يوم امس اذا فشل الحريري في كسب ثقة البرلمان للحكومة التي سيشكلها، فإن كتلة المستقبل لا توافق على حكومة غير حكومة الوفاق، كما لا توافق على حكومة الأكثرية، وقد لاتقبل الحريري نفسه على رأس الحكومة.

وهذا ما قد يشكل نذير شؤم لا يأتي على لبنان وحده، بل انه سيغرق المنطقة في نزاعات لايجني احد منها سوى الدمار الشامل، والسماح للكيان المحتل وحماته بتمرير مخططاتهم على المنطقة برمتها، خاصة والمنطقة جاثمة على بركان تُشعل حِمَمَه بين الحين والآخر بلدا من بلدانها كما أصابت العراق وسوريا واليمن حتى الآن.

*عبد الهادي الضيغمي