كيف نتعامل مع مشكلة زيادة وزن الاطفال؟

كيف نتعامل مع مشكلة زيادة وزن الاطفال؟
الجمعة ١٢ أكتوبر ٢٠١٨ - ٠٤:٥٦ بتوقيت غرينتش

لاشك أن السمنة لدى الأطفال هي مرض يشكل تهديدا صحيا ونفسيا لحياة الطفل، ويحاول كثير من الآباء مساعدة أطفالهم للحصول على وزن مثالي، ومنهم من يأمل أن يصبح طفلهم البدين رشيقا في المستقبل، فهل هذا أمر ممكن علميا؟

العالم - تقارير

إن الزيادة الهائلة في السمنة لدى الأطفال تفوق جميع التوقعات العلمية السابقة وأصبحت تشكل تهديدا كبيرا لصحة الأطفال في جميع أنحاء العالم. "فقد أصبح للوزن الزائد والبدانة بعد وبائي ويجب مكافحتهما من قبل المجتمع والسياسيين" حسب بيان لمؤسسة صحة الطفل الألمانية. يقول الدكتور برتولد كوليتسكو الخبير المتخصص في عملية الأيض الغذائي في مستشفى الأطفال الجامعي في ميونخ ورئيس مؤسسة صحة الطفل:" لقد زاد معدل زيادة الوزن والسمنة لدى الأطفال والمراهقين أكثر من ثمانية أضعاف في السنوات الأربعين الماضية، وهو الأمر الذي له عواقب وخيمة على صحة الأطفال المتضررين".

ويأتي هذا الرقم المذهل بعد تحليل حوالي 416 دراسة شملت أكثر من 160 مليون طفل ومراهق من مئتي بلد، إذ ارتفعت نسبة البدناء من 0.7 في المائة في عام 1975 إلى 5.6 في المائة في عام 2016 في صفوف الفتيات ومن 0.9 في المائة إلى 7.8 في المائة في صفوف الفتيان.

ووفقا لمؤسسة صحة الطفل الألمانية فإن للسمنة أسباب متعددة مثل: الإعلانات المغرية للأطعمة غير الصحية، وسهولة الوصول إلى الأطعمة والمشروبات الحلوة، والاستخدام الهائل لوسائل التواصل الحديث كالهواتف الذكية والهواتف المحمولة وما يرتبط بها من عدم ممارسة الرياضة وبالتالي تعزيز زيادة الوزن، حسبما كتبت المؤسسة على موقعها

وقد أصبح من الواضح أن المشروبات المحتوية على السكر هي عامل خطير في زيادة الوزن، حسب مؤسسة صحة الطفل التي توصي بأن يتعود الأطفال على شرب الماء ابتداء من سن مبكرة. كما يجب أن تكون المشروبات السكرية  استثناءً وليس القاعدة مثل المشروبات الغازية ومشروبات الكولا والشاي المحلى أو الشاي المثلج وعصائر الفاكهة أو نكتار الفواكه...

ويأمل بعض الآباء في أن يتخلص أبناؤهم من السمنة مع مرور الوقت، لكن المشكلة تكمن في أن"الطفل أوالمراهق الذي يعاني من السمنة، لا يعود وزنه إلى طبيعته في وقت لاحق. "الطفل البدين لا يصبح رشيقا في المستقبل." كما يقول الدكتور برتولد كوليتسكو.

لكن هناك كثير من التدابير التي قد تساهم في تراجع السمنة لدى الأطفال مثل: تعزيز الرضاعة الطبيعية، الحد من الاستهلاك العالي للسكر من خلال التثقيف الغذائي والتدابير التشريعية، بالإضافة إلى تعزيز استهلاك المياه عن طريق فرض الضرائب على المشروبات عالية السكر، وكذا الحد من الإعلانات الموجهة للأطفال في وسائل الإعلام وفي وسائط التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت، ووضع علامات بسيطة وسهلة لفهم أفضل للمكونات التي تحتوي عليها المواد الغذائية بحيث يمكن للمستهلكين التعرف بسرعة على أفضل المنتجات.

في عصر الوجبات السريعة والألعاب وتزايد معدلات استخدام الميديا، بات كثير من الأطفال يعانون من مشكلة البدانة بسبب اتباعهم لنظام غذائي غير صحي وقلة ممارستهم الأنشطة البدنية.

ورغم صعوبة سيطرة الآباء على هذه العوامل في خضم الحياة المعاصرة فإنه يتعين عليهم بذل مجهودات جادة لمواجهة بدانة أطفالهم بوقت مبكر، وإلا فستترتب عليها عواقب وخيمة في الطفولة وفي الكبر, حسبما يحذر الأطباء والخبراء.

وفي هذا السياق, جاء تحذير خبيرة التغذية زيلكه ريستماير من الجمعية الألمانية للتغذية (DGE) بمدينة بون، من خطورة بدانة الأطفال بقولها "الطفل البدين يمكن أن يصبح شخصاً بدينا أيضا عندما يكبر".

ونظراً لأنه من الصعب على الآباء تحديد مدى توافق وزن طفلهم مع طوله وإذا ما كان معدل زيادة وزنه طبيعياً من خلال النظر إليه، فقد أوصت ريستماير الآباء بضرورة استشارة طبيب أطفال مختص, حيث يمكن للأطباء التحقق مما إذا كان وزن الطفل طبيعياً أم لا من خلال القيم المرجعية التي يستندون إليها.

كما يمكنهم أيضاً إخضاع الطفل للفحص الطبي من أجل التحقق مما إذا كان سبب بدانته يعزى إلى اضطراب في عملية التمثيل الغذائي مثلاً أو اضطراب في الهرمونات.

وإذا تحقق الأطباء بالفعل من إصابة الطفل بمرض السمنة المفرطة، يُمكنهم حينئذٍ إجراء فحوصات طبية للكشف عمّا إذا كانت تتسبب هذه السمنة في إصابته ببعض الأمراض الخطيرة الناتجة عنها، كالسكري مثلاً أم لا.

كتلة الجسم
ولتقييم وزن الطفل بشكل صحيح ينصح راينهارد مان -رئيس قسم التغذية بالمركز الاتحادي للتوعية الصحية (BZgA) بمدينة كولونيا الألمانية- بقياس مؤشر كتلة الجسم (BMI) للطفل، وذلك من خلال قسمة وزن الطفل بالكيلوغرام على مربع طوله بالأمتار.

وعلى عكس ما يحدث عند حساب مؤشر كتلة الجسم لدى البالغين، أكد مان على ضرورة الالتفات إلى المرحلة العمرية للطفل وكذلك جنسه، عند حساب مؤشر كتلة الجسم لديه, لأنه لا يزال في طور النمو.

أما إذا تبين للآباء من خلال هذا القياس أن طفلهم يعاني من زيادة في الوزن بالنسبة لطوله ومرحلته العمرية, ينصحهم خبير التغذية الألماني حينئذ بالبدء في مراقبته للوصول إلى إجابات محددة للأسئلة التالية "ماذا يأكل طفلنا؟، كيف يتناول طعامه؟، هل يتناول وجبات موحدة في مواعيد منتظمة؟، وما معدل ممارسته للأنشطة البدنية؟". وأشار مان إلى أن اهتمام الآباء بطفلهم في هذا الوقت والبدء في القيام بأية أنشطة معه، يمكن أن يؤثر بالإيجاب على الطفل ويعمل على تحفيزه في تلبية رغباتهم.

وسائل الإعلام
وأشار الخبير الألماني إلى أن علماء النفس لا يرجعون سبب بدانة الأطفال إلى الأطعمة التي يتناولونها فحسب، بل إلى الوقت الذي يقضونه أمام الوسائل الإعلامية أيضا، موضحاً "على الرغم من أن الكثير من الناس يتوقعون أن زيادة وزن الأطفال ترتبط بالضرورة بما يتناولونه من طعام، إلا أن ارتباط الأطفال بوسائل الإعلام يمثل العامل الأهم في زيادة أوزانهم, حيث يوجد ارتباط وثيق بين الوقت الذي يقضيه الأطفال أمام الكمبيوتر أو كونسولات الألعاب أو التلفزيون وبين أوزانهم".

لذا أكد مان على ضرورة ألا تزداد المدة، التي يقضيها الأطفال الأقل من عمر التعليم المدرسي، أمام وسائل الميديا هذه عن نصف ساعة يومياً، بينما يجب ألا تزيد المدة التي يقضيها الآخرون في مرحلة التعليم الأساسي عن ساعة يومياً.

وتشير هنا الطبيبة الألمانية أندريا بيلشتاين, من المركز الاستشاري لأمراض السمنة التابع لمستشفى الأطفال الكاثوليكي "فيلهلمشتفت" بمدينة هامبورغ الألمانية، إلى أن  بعض الأسباب الأخرى لإصابة الأطفال بالبدانة، أن الكثير من الآباء لا يعرفون ما هو حجم الوجبة التي تتناسب مع طفلهم.

حجم الوجبة
وأكدت بيلشتاين على ذلك بقولها "تتشابه وجبات الأطفال في وقتنا الحالي مع وجبات البالغين, فالكثير منهم يحصل على نفس الكمية التي يحصل عليها آباؤهم من الطعام". ولا يعني ذلك أن يتجه الآباء لحل مشكلة البدانة التي يواجهها طفلهم عن طريق إخضاعه لحمية غذائية قاسية يحرمون فيها من أطعمة أساسية مهمة لنموهم الجسدي.

ويؤكد خبير التغذية الألماني راينهارد مان على ذلك، بقوله "إذا أصيب الطفل بنقص غذائي خلال مرحلة نموه، سيأكل بعد ذلك أي شيء يُمكنه الحصول عليه، ولن يُمكنه التحكم في نفسه عند تناول الطعام بعد ذلك على الإطلاق".

أما خبيرة التغذية ريستماير فتؤكد على ذلك، بقولها "بالطبع يحتاج الطفل، الذي يعاني من البدانة، إلى كل ما يحتاجه الأطفال الآخرون في نفس مرحلته العمرية، حيث يحتاج إلى كمية محددة من المواد الغذائية والطاقة اللازمين لنموه على نحو جيد".

لكنها أشارت أيضاً إلى أنه يمكن للآباء التحكم في النظام الغذائي للطفل، دون الإضرار به أو التقليل من المواد الأساسية التي يحتاجها، وذلك من خلال تناول الحليب قليل الدسم مثلاً بدلا من الحليب كامل الدسم, واستبدال اللحم الغني بالدهون.

برامج متكاملة
ولمواجهة بدانة الأطفال ينصح الخبراء الألمان بإتباع برامج علاجية متكاملة تتألف من العلاج الغذائي والعلاج الحركي والعلاج السلوكي، مع الإشارة إلى أن اتباع أي إجراء منهم على حدة لن يؤتي ثماره على الإطلاق.

وأكد خبير التغذية الألماني مان على أهمية الناحية التربوية في علاج بدانة الأطفال، قائلاً إن اتباع الآباء لسلوك فظ مع أطفالهم من خلال زيادة الموانع وإلزام الطفل بإتباع نظام غذائي مقيد وإمطارهم دائماً بعبارات من قبيل (أنت بدين للغاية)، غالباً ما يؤدي إلى نتائج عكسية".

وعن كيفية تعامل الآباء بشكل سليم مع أطفالهم البدن، يقول مان "ينبغي أن يشمل الآباء أطفالهم بالعطف والرعاية وتشجيعهم على تعلم كيفية التحكم في أنفسهم عند تناول الطعام، كما أنهم بحاجة إلى أن يُمثل والداهم قدوة لهم في هذا الشأن".