مدينة الخليل.. ومخططات الاحتلال لالتهام الاراضي الفلسطينية

مدينة الخليل.. ومخططات الاحتلال لالتهام الاراضي الفلسطينية
الأحد ١٤ أكتوبر ٢٠١٨ - ٠٧:٥٦ بتوقيت غرينتش

تواصل سلطات الاحتلال الاسرائيلي مخططاتها التهويدية والاستيطانية في الضفة الغربية المحتلة، ضاربة عرض الحائط جميع القرارات الدولية المطالبة بوقف مشاريعها الاستيطانية. ويستحوذ مشروع الاستيطان الإسرائيلي على 60% من مساحة الضفة الغربية ويهدف الى عزل الفلسطينيين وقضم المزيد من اراضيهم ونهبها من سكانها.

العالم - تقارير

في خطة استيطانية جديدة تقدم بها وزير الحرب الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، وافقت حكومة الاحتلال وبالإجماع على تمويل وبناء مستعمرات جديدة في قلب مدينة الخليل، هي الاولى منذ العام 2002 في هذه المدينة التي تعد من أقدم المدن الفلسطينية.

وتقضي الخطة الاسرائيلية ببناء تجمع استيطاني يضم 31 وحدة لمستوطنين صهاينة، من ضمنها مدراس ورياض أطفال في وسط الخليل في الضفة الغربية المحتلة التي يعيش فيها مئات المستوطنين وسط مئات الآلاف من الفلسطينيين. 

وكانت السلطات الاسرائيلية أعلنت في تشرين الاول/أكتوبر الماضي عزمها على اتخاذ هذا القرار، وكانت تنتظر موافقة الحكومة عليه، حسب ما أعلنت المنظمة غير الحكومية الاسرائيلية المناهضة للاستيطان "حركة السلام الان".

مرحلة مهمة 

وفي بيان نشر في ختام الجلسة الاسبوعية للحكومة الاسرائيلية وصف ليبرمان الخطة الاستيطانية بانها "مرحلة مهمة" في قرارات الحكومة "لتعزيز المستوطنات في يهودا والسامرة".

وستبنى المساكن الجديدة في شارع الشهداء الذي كان في السابق يعج بالحركة والمحلات التجارية ويوصل الى الحرم الابراهيمي، قبل ان يتحول الى مساحة مقفرة بسبب التوتر الناتج عن استيطان صهاينة في قلب المدينة الفلسطينية.

وكانت محطة الحافلات الرئيسية في الخليل تقع في هذا الشارع، قبل ان تقوم السلطات الاسرائيلية بوضع اليد على هذه المنطقة وإقامة قاعدة عسكرية فيها لحماية المستوطنين.

وتعيش مدينة الخليل في اجواء توتر شبه دائم بسبب زرع نحو 800 مستوطن صهيوني في وسطها بين نحو 200 ألف فلسطيني.

رسالة من مجلس الأمن

وعبر ثلثا أعضاء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، في 15 مايو 2018، عن "قلقهم الشديد" من عدم تطبيق قرار صدر عام 2016، يطالب بوقف البناء الاستيطاني الإسرائيلي على أراض يريد الفلسطينيون إقامة دولتهم عليها.

وقالت كل من بوليفيا والصين وكوت ديفوار وغينيا الاستوائية وفرنسا وكازاخستان والكويت وهولندا وبيرو والسويد في الرسالة: "يجب أن يقف مجلس الأمن وراء قراراته، ويضمن أن تكون ذات مغزى، وإلا فإننا نجازف بتقويض مصداقية النظام الدولي".

وقال الموقعون على الرسالة إنهم يكتبونها "للتعبير عن قلقنا الشديد إزاء عدم تنفيذ" القرار.

ودعا الأعضاء العشرة أمين عام الأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، أيضا إلى بدء تقديم تقاريره الفصلية بشأن تطبيق القرار كتابة وليس شفاهية.

وكان مجلس الأمن تبنى، قبل شهر، من تولي الرئيس الأميركي دونالد ترامب السلطة في يناير 2017، قرارا يطالب بإنهاء البناء الاستيطاني الإسرائيلي، حصل على موافقة 14 صوتا، مع امتناع إدارة الرئيس السابق باراك أوباما عن التصويت.

والقرار يؤكد أيضا "أنه لن يعترف بأي تغييرات على حدود الرابع من يونيو 1967، بما في ذلك ما يتعلق بالقدس، بخلاف ما يتفق عليه الطرفان من خلال المفاوضات".

وأبلغ مبعوث الأمم المتحدة إلى الشرق الأوسط نيكولاي ملادينوف المجلس، العام الماضي، أن "إسرائيل" تضرب عرض الحائط بطلب وقف البناء الاستيطاني، وأن الطرفين يتجاهلان دعوة لوقف الاستفزاز والتحريض.

ترامب والاستيطان

شكّل وصول الرئيس الامريكي دونالد ترامب، الى رأس السلطة في البيت الابيض فرصة ذهبية لا تعوض لكيان الاحتلال الاسرائيلي لتسريع عملياته الاستيطانية في جميع الاراضي المحتلة مما رفع عدد المستوطنين خارج الخط الأخضر الى قرابة النصف مليون.

وكان الرئيس الأمريكي أعلن، يوم الـ6 ديسمبر/كانون الأول الماضي، اعتراف بلاده رسميا بالقدس عاصمة لـ"إسرائيل" وأوعز بنقل السفارة الأمريكية في "إسرائيل" من تل أبيب إلى المدينة المقدسة، في خطوة مخالفة لجميع قرارات الأمم المتحدة الخاصة بالصفة القانونية للقدس، وتسبب قرار الرئيس الأمريكي بشأن القدس بموجة غضب في العالمين العربي والإسلامي، كما رفضته معظم الدول الغربية.

التأثير الأمني والاستراتيجي

ويرى الكاتب والمحلل السياسي د.خليل التفكجي، أن أبرز الأهداف الاستيطانية هو منع التوصل إلى تسوية إقليمية فلسطينية إسرائيلية تسمح بإقامة كيان فلسطيني ذي ولاية جغرافية واحدة متواصلة. كما أن وجود هذه المستوطنات يهدد الكيان الفلسطيني الذي لا يبشر بالأمان ما دام الاستقرار مهددا بتوسيع الاستيطان وتقطيعه له، لأن السيطرة الإسرائيلية على الطرق والمعابر التي تربط بين المناطق الفلسطينية تجعلها تحت رحمة المستوطنين الذين باستطاعتهم إغلاقها متى شاؤوا.

بالإضافة إلى أن وجود هذه المستوطنات قرب المدن الفلسطينية يجعلها مدناً حدودية تستطيع "إسرائيل" متى شاءت إغلاقها أو ضربها كما حدث في انتفاضة الأقصى عندما ضربت نابلس ورام الله وبيت جالا والخليل، وهذا يعني تهديدا أمنيا على كيان الدولة الفلسطينية وبالتالي تهديد جوهر السيادة الفلسطينية. كما أن تمتع هذه المستوطنات بالحماية الأمنية يتطلب وجوداً عسكريا إسرائيليا لحمايتها، مما يعني وجود دولة داخل دولة وانعكاس ذلك على الأمن الوطني للدولة الفلسطينية. لذا فإن أحد أبرز أهداف المفاوضات الفلسطينية التركيز على تحييد هذا التهويد الاستيطاني برفض أي اقتراحات بضم المناطق المستوطنة لـ"إسرائيل" أو تحويلها لجيوب سيادية في وسط الدولة الفلسطينية.

الشوارع الالتفافية

في عام 1983 صدر الأمر العسكري رقم 50 يقضي بإقامة شبكة من الطرق الطولية والعرضية هدفها تمزيق أوصال الضفة الغربية بشكل طولي وعرضي بغية تحقيق مجموعة من الأهداف، منها:
- السيطرة الأمنية الشاملة على جميع التجمعات الفلسطينية في الضفة الغربية ومحاصرتها بهذه الشوارع.
- السيطرة على التوسع العمراني لهذه القرى والمدن لتحصر ضمن ما هو قائم، وبذلك يتم ضبط التكاثر السكاني.
- خلق فجوات اجتماعية بين التجمعات العربية وخاصة بعد أن يتم عزل هذه التجمعات بعضها عن بعض، وقد تم ذلك في الإغلاق عامي 1996 و2000، حيث منع الانتقال بين القرى والمدن وبالعكس.
- مصادرة المزيد من الأراضي وجعلها تحت السيطرة الإسرائيلية، خاصة إذا علمنا بأن ما مجموعه 60 ألف دونم من الأراضي صودرت لصالح هذه الشوارع.
- التأثيرات الجانبية على البيئة والمصادر الطبيعية وقطع الأشجار المستمر لفتح هذه الشوارع.

وقد تم التركيز على هذه الطرق بالجولة التي قام بها شارون ونتنياهو في 22/7/1997 في منطقتي نابلس ورام الله، والتي عرض فيها شارون خطته للتسوية الدائمة التي تتضمن الاحتفاظ بخمسة ممرات عرضية من الشرق إلى الغرب تصل بين الممرات الطولية، وهذه الممرات من الشمال إلى الجنوب هي:
- ممر في منطقة شمال جنين إلى غور الأردن.
- ممر جنوب قلقيلية إلى نابلس وغور الأردن (شارع رقم 55).
- شارع عابر السامرة الحالي وبعد توسيعه (شارع رقم 5) الذي يصل بين منطقة كفر قاسم إلى غور الأردن.
- شارع رقم 45، منطقة تل أبيب شمال القدس/ غور الأردن.
- شارع رقم 35 يصل بين مستوطنات غوش عتصيون وغور الأردن.

استراتيجية العزلة

ويضيف الكاتب ان الفكرة الاستراتيجية التي تكمن في الخطة هي إبقاء مناطق الحكم الذاتي الفلسطينية معزولة داخل الممرات الإسرائيلية التي تحافظ على تواصل إقليمي بين "إسرائيل" والكتل الاستيطانية الإسرائيلية داخل المناطق الفلسطينية، وقد طبقت هذه الخطة في الإغلاق العسكري الذي تم يوم 28/9/2000.

وهكذا يمكننا إيجاز مفهوم الاستيطان في الأراضي الفلسطينية بأنه "عملية استراتيجية لاستمرار إنجاز رؤية إحياء قومي وديني وجغرافي للشعب اليهودي في فلسطين كإقليم يدعي اليهود أن لهم حقا تاريخيا موثوقا فيه. ومن أجل تأمين استمرار هذا الاستيطان وتطوره لا بد من توفير الأمن له، ولابد من استعماله آلية للأمن وللسيطرة على الموارد وللتأثير الأيدولوجي والاقتصادي والاجتماعي في الموقع المحيط به".

مدينة الخليل

وتعُد مدينة الخليل من أقدم المدن العريقة التي ما زالت مأهولة فى العالم، ويمتد تاريخها إلى أكثر من 6000 عام، وهى مدينة مقدسة للديانات السماوية، وأصبحت رابع أقدس مدينة إسلاميَّة بعد مكة والمدينة المنورة والقدس، ويعتبر الحرم الإبراهيمي الشريف من أهم المعالم الحضارية المميزة للمدينة، والذى منحها مكانتها المميزة، وجعلها مقصداً دينياً للمسلمين.

وأعلنت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونيسكو) إدراج المدينة القديمة والمسجد الإبراهيمي في الخليل الفلسطينية بالضفة الغربية المحتلة ضمن قائمة مواقع التراث العالمي رغم الاعتراض على القرار من قبل سلطات الاحتلال.

ورزحت الخليل تحت الاحتلال الإسرائيلي في 5 يونيو 1967، ومنذ ذلك التاريخ شرع المستوطنون الصهاينة بالاستيطان في محيط المدينة ثم في داخلها، ويوجد داخل المدينة حاليا خمسة مواقع استيطانية يهودية وهي مستوطنة تل الرميده، والدبويا، ومدرسة أسامة بن المنقذ وسوق الخضار والاستراحة السياحية قرب المسجد الإبراهيمي الشريف، بالإضافة إلى التجمع الاستيطاني اليهودي على حدود المدينة الشرقية (كريات أربعة وخارسينا).

وصادقت حكومة الاحتلال الإسرائيلي، منذ بداية العام الجاري 2018م، على بناء مئات الوحدات الاستيطانية، فيما صادق حزب الليكود الحاكم مطلع العام، على مشروع قرار يقضي بضم الضفة الغربية لكيان الاحتلال، وسريان القوانين الإسرائيلية كاملة عليها.