زيارة السيسي لموسكو.. مرحلة جديدة في العلاقات مع روسيا

زيارة السيسي لموسكو.. مرحلة جديدة في العلاقات مع روسيا
الإثنين ١٥ أكتوبر ٢٠١٨ - ٠٥:٢٧ بتوقيت غرينتش

تعد الزيارة التي يقوم بها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى روسيا محطة أخرى ذات أهمية كبيرة في مسيرة العلاقات بين البلدين والتي شهدت على مدى السنوات الخمس الأخيرة تطورات ملموسة في مختلف المجالات.

العالم - مصر

فهذه هي الزيارة الرابعة للسيسي إلى روسيا منذ زيارته الأولى لها كوزير للدفاع في عام 2014، كما أن هذا هو اللقاء التاسع بين الرئيس السيسي وفلاديمير بوتين خلال هذه الفترة.

ويقول تقرير أعدته الهيئة العامة للاستعلامات عن زيارة السيسي لروسيا إن العديد من المؤشرات تؤكد أن القمة بين الرئيسين سوف تدشن لمرحلة جديدة على طريق تطوير العلاقات بين البلدين، والتفاهم السياسي بين القيادتين.

التعاون الثنائي

وعلى المستوى الثنائي، فإن القمة الروسية المصرية تُعقد وقد انقشع غبار حادث سقوط طائرة الركاب الروسية، خاصة بعد أن عادت رحلات الطيران الروسي إلى القاهرة، بل ان من المنتظر أن تغلق هذه الزيارة ما تبقى من تداعيات هذا الملف بالاتفاق على عودة رحلات الطيران السياحي الروسي إلى المنتجعات المصرية.

وعلى الصعيد الثنائي أيضاً، فقد اقترب مرور عام كامل على توقيع اتفاقية انشاء مشروع انتاج الطاقة النووية في مصر في منطقة الضبعة والذي تم التوقيع عليه في 11 ديسمبر 2017 في القاهرة، وهو أكبر مشروع مشترك بين القاهرة وموسكو منذ مشروع السد العالي، كما أن له أبعاداً اقتصادية ومالية واستثمارية فضلاً عن نقل التكنولوجيا المتقدمة في هذا المجال الذي تحتاجه مصر في إطار استراتيجية متكاملة في مجال الطاقة ستجعل من مصر مركزاً إقليمياً وعالمياً لإنتاج وتداول الطاقة بكل مكوناتها ومصادرها المتجددة وغير المتجددة.

وعلى الصعيد ذاته، فإن مصر تتعجل إنشاء المنطقة الصناعية الروسية في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس خاصة بعدما حقق الاقتصاد المصري خطوات كبيرة على طريق الاستقرار والنمو والانطلاق، وأصبحت مصر جاذبة للاستثمار بكل المعايير.

أما على الصعيد الاقليمي، فإن لقاء الرئيسين السيسي وبوتين يتضمن تباحث الطرفين بشأن القضايا الاقليمية خاصة في سوريا وليبيا واليمن ومن المؤكد أن أي توافق بين البلدين سيكون عنصراً مؤثراً بشأن قضايا منطقة الشرق الاوسط بعد ما أثبتت الأحداث في الفترة الأخيرة أهمية دور كل من مصر وروسيا الحيوي في معادلات المنطقة، كما أثبتت التقارب الكبير في وجهات النظر بين البلدين وموقفيهما إزاء معظم قضايا المنطقة.

لمحات ودية

في الوقت نفسه، يكشف تعامل الجانب الروسي مع الزيارة مدى الاهتمام بالعلاقات المصرية الروسية وبأهمية العلاقات بين رئيسي البلدين السيسي وبوتين حيث يعد التفاهم والاحترام المتبادل بينهما أحد أهم عناصر تطور هذه العلاقات في السنوات الأخيرة.

فقد تضمن الإعلان الرسمي عن الزيارة من الجانب الروسي التعبير عن الترحيب والاهتمام بها وبأهمية المباحثات التي ستتم خلالها.. كما تحدث أكثر من مسؤول روسي في هذا الشأن.

وقد استبق الرئيس الروسي الزيارة بالحديث عن حرصه على إهداء السيسي بعضاً مما يفخر به من انتاج روسيا الزراعي خاصة التفاح الروسي في مناسبة زيارة بوتين لاحد المشروعات المتطورة في هذا المجال، في لفتة ودية بالغة الدلالة.

في السياق نفسه، تضمن جدول الزيارة إلقاء السيسي كلمة أمام مجلس الفيدرالية الروسي وهو الغرفة الأعلى للبرلمان هناك، كأول رئيس لدولة أجنبية يمنح هذه الفرصة.. وهي إشارة أخرى للمناخ الإيجابي والودي من الجانب الروسي، وتعبير عن التقدير لمصر ورئيسها.

التبادل التجاري

وبلغ حجم التبادل التجارى بين مصر وروسيا خلال العام الماضي 6.5 مليار دولار معظمها صادرات روسية لمصر فيما تبلغ صادرات مصر إلى روسيا أكثر قليلاً من 500 مليون دولار.

وعلى صعيد الاستثمارات، تم الاتفاق بين الجانبين المصري والروسي بشأن إنشاء منطقة صناعية روسية في شرق بورسعيد التابعة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس ستقام هذه المنطقة الصناعية على مساحة 5 كيلومترات مربع باستثمارات تبلغ 7 مليارات دولار في شرق بورسعيد للصناعات اللوجستية، وستوفر ما يقرب من 35 الف فرصة عمل. ووفقاً لتصريحات وزير التجارة والصناعة الروسية فقد أبدت أكثر من 130 شركة روسية رغبتها في افتتاح خطوط إنتاج لها في هذه المنطقة، كما تعمل شركات روسية رائدة في مجال التنقيب عن النفط والغاز في مصر.

التعاون النووي

التعاون المصري الروسي في إنشاء محطة نووية لإنتاج الطاقة في منطقة الضبعة يعيد إلى الأذهان إلى حد كبير التعاون بين القاهرة وموسكو في بناء السد العالي.

فكل من المشروعين له طابع استراتيجي مهم، ويمثل نقله في استخدام التكنولوجيا الحديثة من أجل صالح ورخاء الشعب المصري.

وقد بدأت أولى خطوات هذا المشروع الكبير في عام 2015 حيث وقع الرئيسان السيسي وبوتين اتفاقية لإقامة محطة نووية في منطقة «الضبعة» في مصر، وهي الخطوة التي تدشن دخول مصر عصر تكنولوجيا الطاقة المتجددة من خلال الاستخدام السلمى للطاقة النووية على نطاق واسع.

وتستوعب محطة الضبعة إنشاء 8 محطات نووية تتم على 8 مراحل، المرحلة الأولي تستهدف إنشاء محطة تضم 4 مفاعلات نووية لتوليد الكهرباء، بقدرة إجمالية 4800 ميجاوات، ويتم تمويل مشروع المحطة النووية بالضبعة من خلال القرض الروسي والذي يقدر ب 25 مليار دولار على مدى 13 دفعة سنوية متتالية ومن المقرر أن يبدأ التشغيل التجريبي لأول مفاعل نووي في المشروع في عام 2022 ويكتمل الإنجاز في عام 2028.

وفي 11 ديسمبر 2017 تم التوقيع على اتفاق انشاء المحطة النووية في الضبعة في قصر الاتحادية بحضور الرئيسين السيسي وبوتين بعد جلسة مباحثات بينهما حيث أكد الرئيس السيسي في المؤتمر الصحفي مع الرئيس الروسي أن مصر وروسيا تهدفان إلى استعادة الاستقرار والأمن في الشرق الأوسط.

علاقات متجذرة

يشير تقرير هيئة الاستعلامات إلى أن العلاقات المصرية الروسية علاقات تاريخية، كانت فترة ازدهارها في الخمسينيات والستينيات، ولكن جذورها تمتد أبعد من ذلك بكثير.

ففي 26 أغسطس 1943 بدأت العلاقات الدبلوماسية بين الاتحاد السوفييتي ومصر وتمت الخطوة الأولى للتعاون بين الطرفين في أغسطس عام 1948، حين وقعت أول اتفاقية اقتصادية حول مقايضة القطن المصري بحبوب وأخشاب من الاتحاد السوفيتي‏.

وشهدت العلاقة تطورات بارزة بعد ثورة يوليو عام 1952، حيث ساند الاتحاد السوفيتى مصر بقوة في مواجهة العدوان الثلاثى عام 1956، ثم تقاربت سياسات الدولتين عالمياً في مساندة حركات التحرر في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية للتخلص من الاستعمار الغربي، وكذلك في دعم تجمعات العالم الثالث كحركة عدم الانحياز وغيرها.

وعلى الصعيد الثنائي كان الاتحاد السوفيتي أكبر مساند لمصر عالمياً وأمدها بالأسلحة والمعدات العسكرية والدعم السياسي المطلق، الأمر الذي مكن الشعب المصري من خوض حرب أكتوبر عام 1973 التي خاضتها مصر بسلاح روسي في المقام الأول.

وعلى صعيد التنمية، دعم الاتحاد السوفيتي جهود مصر التنموية في فترة الخمسينيات – الستينيات من القرن العشرين، وقدم لمصر المساعدة في تشييد السد العالي الذي كان أكبر رمز للتعاون المصري السوفيتي، خاصة وأن معركة بنائة كانت ذات أبعاد سياسية تتعلق بالكرامة الوطنية بعد رفض الغرب تمويل السد من المؤسسات الدولية، فضلا عن حاجة مصر إلى مساعدات فنية وهندسية في عملية البناء.

كما ساعد آلاف الخبراء السوفيت مصر في إنشاء المؤسسات الإنتاجية الكبرى مثل مصانع الحديد والصلب، ومجمع الألومنيوم، وتحويل خطوط الكهرباء من أسوان إلى الإسكندرية، وعمل نواة لمفاعلات نووية سلمية في انشاص، وتعاون في مجال صناعة السيارات ومحطة كهرباء أسوان، وتم في مصر إنجاز 97 مشروعاً صناعياً بمساهمة الاتحاد السوفيتي.

وفي بداية التسعينيات كانت مصر في طليعة الدول التي أقامت العلاقات الدبلوماسية مع روسيا الاتحادية بعد تفكك الاتحاد السوفيتي ‏عام 1991.‏ وتطورت العلاقات السياسية على مستوى رئيسي الدولتين والمستويين الحكومي والبرلماني، وتم تبادل الزيارات الرئاسية خاصة في عهد الرئيس بوتين حيث تم توقيع اتفاق تعاون مصري روسي مشترك وسبع اتفاقيات تعاون عام 1997، ثم اتفاقيات أخرى مهمة خلال الأعوام التالية.

وشهدت العلاقات السياسية بين البلدين تطوراً إيجابياً عقب ثورة الثلاثين من يونيو عام 2013، بدأت بزيارة وزيري الخارجية والدفاع الروسيين إلى مصر في 14 نوفمبر 2013، وزيارة وزيري الخارجية والدفاع المصريين إلى روسيا يومي 12 و13 فبراير 2014، وتوالت هذه الاجتماعات بانتظام بصيغة «2+2»، بما يجعل مصر هي الدولة العربية الوحيدة التي تبنت موسكو معها هذه الصيغة التي تتبناها روسيا مع خمس دول أخرى هي الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وإيطاليا والمملكة المتحدة واليابان.