نظام آل سعود يفضح نفسه.. فأين جثة خاشقجي؟

نظام آل سعود يفضح نفسه.. فأين جثة خاشقجي؟
السبت ٢٠ أكتوبر ٢٠١٨ - ١٢:٥٧ بتوقيت غرينتش

واخیراً اعترف النظام السعودي بجريمة قتل الصحفي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في اسطنبول الذي طالما أنكر بضرس قاطع قيامه بالجريمة فيما شنّ مرتزقته حملة تضليل واسعة لحرف الرأي العام العالمي عن حقيقة ما حدث لخاشقجي دون أن تجدي نفعا. واضطرت السعودية امام الضغط العالمي لأصدار بيان لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من سمعتها التي ذهبت أدراج الرياح في حين بقيت الرواية السعودية ناقصة حول مصير جثة خاشقجي.

العالم- السعودية

اعلن النائب العام السعودي ان التحقيقات الأولية الرسمية في قضية اختفاء الصحفي أظهرت مقتله وأن التحقيقات مستمرة مع الموقوفين على ذمة القضية والبالغ عددهم حتى الآن 18 شخصا جميعهم من الجنسية السعودية.

وأوضح بحسب التلفزيون السعودي، ان "شجارا واشتباكا بالأيدي وقع بين خاشقجي وأشخاص قابلوه في قنصليتنا باسطنبول ما أدى لوفاته"، وان "التحقيقات مستمرة مع الموقوفين على ذمة القضية وعددهم حتى الأن 18شخصا جميعهم سعوديون".

هذا في وقت صدرت عدة اوامر ملكية اعفي بموجبها كل من "سعيد القحطاني المستشار في الديوان الملكي واحمد عسيري نائب رئيس الاستخبارات السعودية بالاضافة الی انهاء خدمة مدير الادارة العامة للامن والحماية برئاسة الاستخبارات العامة اللواء رشاد بن حامد المحمادي ومساعد رئيس الاستخبارات العامة لشؤون الاستخبارات اللواء الطيار محمد بن صالح الرميح ومساعد رئيس الاستخبارات العامة للموارد البشرية اللواء عبدالله بن خليفة الشايع".

الغريب والمثير للسخرية ان الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز أمر بتشكيل لجنة وزارية برئاسة من يتهمه العالم بارتكاب الجريمة وهو ابنه ولي العهد محمد بن سلمان لإعادة هيكلة رئاسة الاستخبارات العامة وتحديث نظامها ولوائحها وتحديد صلاحياتها بشكل دقيق.

تأتي الرياح بما لاتشتهي السفن

الكثير من النشطاء يعتبرون ان البيان السعودي الهادئ هو دليل دامغ على تورط النظام السعودي في اغتيال خاشقجي لما يحتويه من تناقضات عديدة من ابرزها ان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في مقابلته مع صحية بلومبيرغ اكد ان جمال خاشقجي قام بعمله الاداري و خرج من القنصلية بعد دخوله إليها في الثاني من الشهر الجاري. ثانيا: ان تركيا اعلنت ان 15 شخصا نفذوا اغتيال خاشقجي وارفقت ذلك بالصور والتسجيلات لكن البيان السعودي قال ان المتورطين في الجريمة 18 شخصا غير الـ 15 الذين تحدثت عنهم المصادر التركية كما ان السعودية لم تحدد هوية المجرمين. 

وقال الخبير التركي في الشؤون القانونية جواد غوك، ان احتجاز 18 شخصاً بتهمة قتل خاشقجي، محاولة سعودية لتبرئة ولي العهد محمد بن سلمان من مسؤولية قتل خاشقجي.

الآن وبقراءة البيان السعودي بدا واضحا ان جريمة تصفية خاشقجي سيتمّ حصرها بمسؤولين سعوديين لإنقاذ ولي العهد السعودي، بانت مؤشرات تجهيز "كبش الفداء" الذي ستعُلق عليه دماء مواطنهم واضحة بعد إنجاز قائمة "المُضحى بهم"، وغسل يدي بن سلمان من ايّ علاقة بمجموعة فريق القتل السعودي الذي اتى خصيصا الى انقرة لتنفيذ اوامر تصفية خاشقجي، بعد استدراجه من واشنطن الى لندن، وصولا الى قنصليّة بلاده في اسطنبول.. والأمير السعودي المتهور مستعد لدفع الفاتورة الباهظة التي ستُنقذه من جريمة قتل خاشقجي، سيما وسط الضغوط المتلاحقة لإزاحته عن العرش.

اين جثة خاشقجي؟

إن افترضنا صحة المزاعم السعودية بان خاشقجي قتل اثناء "شجار" في القنصلية السعودية بإسطنبول فالسؤال البديهي الذي يطرح نفسه هو: أين جثة الرجل؟ وماذا حدث له؟ 

واليوم قالت صحيفة "واشنطن بوست" إن مسؤولين في وكالة الاستخبارات المركزية استمعوا إلى تسجيل يثبت أن الصحفي السعودي جمال خاشقجي قُتل وقُطعت أوصاله من قبل عملاء سعوديين داخل قنصلية بلاده في إسطنبول.

وأضافت الصحيفة الأمريكية أنه إذا ثبتت صحة التسجيل فسيكون من الصعب على البيت الأبيض قبول رواية السعودية بأن مقتل خاشقجي كان جراء شجار.

وتعددت الروايات بشأن إخفاء جثة خاشقي، حيث تقول الرواية الأولى إن الجثة أخفيت إما داخل منزل القنصل السعودي، أو داخل القنصلية نفسها.

وقد دخل المحققون الأتراك إلى القنصلية وإلى مقر القنصل نفسه، ويرجح أنهم حصلوا على أدلة قوية تؤكد واقعة القتل وأسلوبه، لكن لم تُعلن أي تفاصيل رسمية حتى الآن عن تلك التحقيقات وهل وجدوا آثارا للجثة.

وورد في تقارير إعلامية أن الشرطة تبحث عن آثار للجثة في منطقة أخرى غير القنصلية ومقر القنصل، وبالضبط في غابات بلغراد بضواحي إسطنبول، ومنطقة بندك القريبة منها، ومدينة يلوا المطلة على بحر مرمرة. 

واختار المحققون المناطق الثلاث للبحث بعدما تبين أن 16 سيارة تابعة للقنصلية السعودية توجهت إليها يوم اختفاء خاشقجي.

أما الرواية الثانية فتتحدث عن أن جثة خاشقجي وصلت إلى السعودية على متن الطائرة المستأجرة من طرف العناصر الـ 15 الذين وصلوا لتركيا يوم اختفاء الصحفي السعودي، وهو احتمال يستبعده متابعون على اعتبار أن المخابرات التركية وصلت بطريقة ما إلى الطائرة وتأكدت من أنه لا توجد آثار لخاشقجي داخلها.

وهناك رواية اخرى نقلتها وسائل اعلام عن مصادر امنية تركية بان خاشقجي قتل في أول 4 دقائق من دخوله القنصلية وان الطبيب الشرعي ماهر مطرب قام بنشر جسده بالمنشار، كما ان الجسد تم التخلص منه باستخدام المواد الكيميائية التي دخلت اكثر من مرة امام اعين الصحافة العالمية عندما كانت السعودية ترفض تفتيش القنصلية.

وادعت مصادر سعودية في محاولات لامتناهية لتمويه وتغطية ما حدث  أن سائق القنصلية في اسطنبول من بين من سلّموا جثة خاشقجي "لمتعاون محلي"، مؤكدا أنه لا يعرف ماذا حدث للجثة.. هنا السؤال يعود ويطرح نفسه من جديد، اين الجثة؟ خاصة ان المصادر الامنية التركية تشدد على عدم العثور عليها.

بالطبع الرواية السعودية المهترئة لم تقنع الراي العالمي فمثلا، وصفت كارين عطية المحررة في صحيفة واشنطن بوست وزميلة الصحفي جمال خاشقجي تفسير السعودية لمقتله بأنه "محض هراء" داعية الصحفيين والمبلغين عن المخالفات إلى التقدم واكتشاف حقيقة ما حدث للإعلامي السعودي.

وقالت عطية، محررة الآراء العالمية بالصحيفة على موقع تويتر إنها "غاضبة من جديد" إزاء التقارير التي نقلتها وكالة الأنباء السعودية بشأن مقتل خاشقجي خلال "شجار واشتباك بالأيدي" داخل القنصلية السعودية في إسطنبول.

وتابعت المحررة التي كانت تمر عليها مقالات خاشقجي قبل نشرها "ما أكرهه بشأن البيان هو استخدام المبني للمجهول للدلالة على أنه كان حادثا. خاشقجي لم يمت أثناء شجار. لقد قتل بأيدي رجال سعوديين وفي قنصلية، لقد أنهوا حياته".

وأضافت "خاشقجي كان عمره 60 عاما. ما هو نوع القتال المتكافئ الذي كان سيخوضه ضد 15 رجلا آخرين؟ ومن الذي يجلب منشار العظام إلى (نقاش)؟! إن غباء التفسير السعودي مثير للحيرة".

ووصفت المحررة التفسير السعودي بأنه مهين قبل أن تطرح سلسلة من الأسئلة "ماذا حدث للجثة، لماذا كذب المسؤولون وقالوا إنه غادر القنصلية، ما هي الأدلة التي لديهم لتدعم حقيقة وقوع اشتباك بالأيدي؟".
 
وقالت عطية "ومن المفترض أن نصدق أن محمد بن سلمان لم يكن على علم بذلك، على الرغم من تورط ساعده الأيمن، وسفر فريق مكون من 15 رجلا على متن طائرات خاصة ودخولهم قنصلية على أرض أجنبية لتنفيذ ذلك؟".

من هو جمال خاشقجي؟

ولد جمال أحمد حمزة خاشقجي في المدينة المنورة في العام 1958 ودرس الصحافة في جامعة إنديانا الأمريكية قبل أن يبدأ مسيرة مهنية امتدت على مدى أكثر من 30 عامًا.

بدأ خاشقجي حياته المهنية كمراسل صحفي، وعمل في البداية مراسلًا للصحيفة السعودية الناطقة بالإنكليزية “سعودي جازيت”، وفي الفترة من 1987 إلى 1990 عمل مراسلًا لصحيفة “الشرق الأوسط” وصحيفة “أراب نيوز” السعودية الصادرة بالإنكليزية، وعمل لمدة ثماني سنوات مع صحيفة “الحياة”.

وأُرسل لتغطية أخبار النزاع في أفغانستان، وظهر في صورة وهو يحمل سلاحاً رشاشاً ومرتدياً زيّاً أفغانياً. لم يقاتل خاشقجي في النزاع، لكنه أظهر تعاطفاً مع قضية ماسموا وقتها بـ"المجاهدين"ضد الاتحاد السوفياتي والتي موّلها السعوديون ووكالة الاستخبارات المركزية الأميركية "سي آي إيه".

وأجرى مقابلات مع زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن في أفغانستان والسودان، ما تسبّب له على الأرجح بوصفه "صديق إبن لادن" في بعض وسائل الإعلام السعودية والعربية والغربية. لكنّه ما لبث أن ابتعد عن إبن لادن في التسعينات بعد دعوات الأخير الى أعمال عنف في الغرب.

في العام 2010، تم اختياره ليكون مؤسس ورئيس تحرير قناة  "العرب" الإخبارية المملوكة للأمير ورجل الأعمال السعودي المعروف، الوليد بن طلال، لكن تم إيقافها عقب بث أول نشرة أخبار أغضبت النظام البحريني فيما يبدو، قبل أن يقرر مالكها بداية العام 2017، إغلاقها نهائيًا بعد فشل إعادة بثها من عواصم مختلفة.

كما عمل خاشقجي مستشارًا إعلاميًا للأمير تركي الفيصل، سفير المملكة في لندن قبل أن يعاد تعيينه في رئاسة تحرير صحيفة “الوطن” في 2007، حتى إقالته في العام 2010.

ولخاشقجي ثلاثة كتب تلخص تاريخه المهني ونظرته للأحداث والقضايا المختلفة في المنطقة، وهي كتاب عن علاقات بلاده مع واشنطن بعد أحداث سبتمبر/أيلول بعنوان “علاقات حرجة – السعودية بعد 11 سبتمبر” و كتاب عن موجة ثورات ما يسمى الربيع العربي بعنوان “ربيع العرب زمن الإخوان المسلمين” و كتاب عن العمالة الأجنبية في السعودية بعنوان “احتلال السوق السعودي”.

تأزمت علاقته ببلاده في نهاية العام 2017 بالتزامن مع اعتقالات طالت عشرات الكتاب ونشطاء حقوق الانسان والمدونين ورجال الدين الذين كانوا مقربين من الملك السابق، إذ انتقد تلك الاعتقالات، قبل أن تتوقف صحيفة “الحياة” عن نشر مقالاته ليقيم في واشنطن، ويبدأ بنشر المقالات في صحيفة “واشنطن بوست” متبنيًا خطابًا ناقدًا لسياسة بلاده في الداخل والخارج.

وطالب خاشقجي في مقالاته إعادة النظر في التوجهات الأخيرة التي سيكون لها تبعات سلبية على السعوديين في الحاضر والمستقبل، وهو ما عرضه أكثر من مرة للتنكيل والتوبيخ، حتى قبل مغادرته المملكة تم منعه من استخدام موقع "تويتر"، وذلك عندما حذر من المبالغة في الحماس للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عند انتخابه.

وفي مقال كتبه بالصحيفة الأمريكية في سبتمبر/أيلول من العام الماضي، قال خاشقجي: "عندما أتحدث عن الخوف والترهيب والاعتقالات وتشويه صورة المثقفين ورجال الدين الذين يتجرأون على قول ما يفكرون به، ثم أقول لك أنا من السعودية، فهل تُفاجأ؟". وانتقد خاشقجي ايضا العدوان السعودي على اليمن بمساعدة اميركية.

وكتب الصحافي السعودي في صحيفة "غارديان" البريطانية في آذار/مارس الماضي "يستحق ولي العهد الثناء على برنامجه الاصلاحي في الداخل. لكن في الوقت ذاته، لم يسمح بأي نقاش في السعودية حول طبيعة التغييرات التي يجريها". وتابع "يبدو أنه ينقل البلاد من التطرّف الديني التاريخي، الى تطرّفه القائل (عليكم أن تقبلوا بإصلاحاتي)".

وفيما ظل البيان السعودي بشأن مقتل خاشقجي مبهما لأنه لم يقدم شيئا من التفاصيل عن مكان إخفاء جثته، ولكن الحقيقة المؤلمة ان حادثة تصفية خاشقجي لم تكن الأولى في استهداف المعارضين في تاريخ السعودية، كما أنها لن تكون الأخيرة. وسبق أن تعرض كل من الأمير سلطان بن تركي بن عبد العزيز والأمير تركي بن بندر والأمير سعود بن سيف النصر، لعمليات اختطاف من عواصم أوروبية.