من اتفاق ادلب الاستراتيجي الى طموحات تركيا شرق الفرات

من اتفاق ادلب الاستراتيجي الى طموحات تركيا شرق الفرات
الثلاثاء ٢٣ أكتوبر ٢٠١٨ - ١٠:٢٤ بتوقيت غرينتش

اكدت السلطات التركية مرارا على ضرورة التفرغ إلى "الإرهاب المتواجد شرق الفرات"، في إشارة منها إلى "قوات سوريا الديمقراطية" المدعومة من الولايات المتحدة في شمال سوريا.

العالم - تقارير

منذ أن تم الاتفاق بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان على إنشاء منطقة منزوعة السلاح بعمق 15-20 كم تفصل بين الجيش السوري والجماعات المسلحة الإرهابية في إدلب، إضافة إلى نزع الأسلحة الثقيلة من يد الجماعات الإرهابية في إدلب وريفها، بدأت بعض القنوات الإعلامية بالترويج إلى أن اتفاق سوتشي هو خسارة للدولة السورية وأن السلطات السورية لم تستشر فيما تم التوصل إليه بين الرئيسين التركي والروسي، لكن المسؤولون الروس وعلى أعلى المستويات يتحدثون عن التواصل مع القيادة السورية ويجري التشاور مع دمشق ساعة بساعة، وكل ما تم الاتفاق عليه جاء بعد موافقة القيادة السورية.

وما إن انتهت قمة بوتين-أردوغان حتى نفذت "إسرائيل" عدوانا على الأراضي السورية وتحديدا في محافظة اللاذقية، تسبب بإسقاط طائرة استطلاع روسية من نوع  ايل 20 في مياه البحر المتوسط قبالة السواحل السورية ومقتل 15 جنديا وضابطا روسيا، فهل هناك علاقة بين ما تم الاتفاق عليه بين بوتين وأردوغان والعدوان الاسرائيلي وتوقيته على الأراضي السورية، وما هو مستقبل إدلب وما هي الأهداف الاستراتيجية من اتفاق سوتشي، وكيف نفسر تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي أعلن أن الولايات المتحدة ستتخذ قرارا قريبا بشأن وجود قواتها في سوريا، بعد القضاء على تنظيم "داعش" الإرهابي؟

يقول "نضال قبلان" السفير السوري السابق لدى تركيا: أعتقد أن مصير إدلب هو عودة هذه المحافظة وريفها إلى السيادة السورية في نهاية الأمر، لكن على مراحل نظرا للكثافة السكانية الكبيرة الموجودة فيها، إضافة إلى تواجد مئة ألف مسلح تم ترحيلهم من مختلف المناطق والمحافظات السورية من خلال مصالحات سابقة، كما أن هناك 30 ألفا من الإرهابيين المتشددين من تنظيم "جبهة النصرة" الإرهابي ومن الجيش التركستاني والأوزبيك وغيرهم من الإرهابيين الذين قدموا من مختلف أصقاع الكون، لذلك كان لا بد من توليفة معينة تمهيدا لتسوية نهائية في إدلب، وكان الرئيس بشار الأسد أعلن أن خيار الدولة السورية هو استعادة أي منطقة في سوريا إذا أمكن ذلك من دون حرب ومن دون سفك مزيد من الدماء، فكيف إذا كان الأمر يتعلق بمحافظة مع أريافها مثل إدلب، وبالتالي فإنه من حيث الجوهر ورغم تحفظ الكثيرين من السوريين على اتفاق سوتشي، ورغم معارضة الشعب السوري لمبدأ المصالحة مع هذه التنظيمات الإرهابية، لكن وكلنا يعرف أن الجيش السوري والدولة السورية يحاربان منذ ما يقارب ثمان سنوات على امتداد آلاف الكيلومترات من الأراضي السورية في مئات الجبهات يوميا، لذلك إن أمكن للجيش والدولة استعادة أي جزء من الأراضي السورية بدون حرب ومن دون دم فأهلا وسهلا، فهذا قرار مبدئي اتخذته القيادة السورية وأعلنته جهارا نهارا، فالاتفاق في سوتشي من حيث المبدأ ليس كاملا وليس كما يشتهيه السوريون، لكن في الجوهر، الأهم في هذا الاتفاق هو ما لم يعلن عنه في قمة بوتين وأردوغان، وقد تم إعلان الخطوط الرئيسية في هذا الاتفاق، لكن أعتقد بأن جلسة الرئيسانين خلال أربع ساعات ونصف تطرقت إلى ما هو أعمق ما تم الإعلان عنه، فاليوم نقرأ تسريبات لم تتأكد بعد حول اتفاق بين الرئيسين الروسي والتركي فيما يخص ريف حلب، والاتفاق على انسحاب الجماعات الإرهابية من مناطق الشمال والشمال الشرقي في ريف حلب، كحي الزهراء والليرمون وكفر حمرا وضهرة عبد ربه وعدد من القرى الأخرى وانسحاب الجماعات المسلحة إلى بلدة حريتان، وهذه المناطق ستكون فيها نقطة مراقبة روسية، وأيضا ستكون هناك نقطة مراقبة تركية، وبالتالي هنالك اتفاق على منح هذه التنظيمات حتى منتصف الشهر العاشر الانسحاب إلى حريتان تمهيدا لتسوية شاملة وهذا هو الهدف الاستراتيجي لهذا الاتفاق، وليس كما تتحدث بعض وسائل الإعلام المعادية والغربية بأن هذا الاتفاق حصل بدون موافقة الرئيس الأسد، ولكن أجزم بأن التنسيق الروسي السوري هو في أعلى مستوياته ومستمر على مدار الساعة وعلى مختلف المستويات العسكرية والأمنية والسياسية والقيادية، وبالتالي فإن زيارة وزير الخارجية السورية وليد المعلم إلى موسكو، تأتي في سياق تبادل وجهات النظر والتنسيق بين القيادتين الروسية والسورية، وترحيب الخارجية الايرانية بهذا الاتفاق تؤكد أنه لا يجري شيء من فوق رأس أحد، بل بالعكس هناك انسجاما بين المساعي الروسية والأهداف الاستراتيجية السورية إضافة إلى التنسيق مع الحليف الأيراني لاستعادة كامل الأراضي السورية إلى كنف الدولة، وإدلب ليست استثناء لهذه القاعدة.

وقد جاء في صحيفة نيزافييسمايا غازيتا الروسية: أن اتفاق سوتشي ليس نهائياً، وستنطلق العملية العسكرية في إدلب للقضاء على الإرهابيين في المستقبل القريب، بعد تليين دفاعاتهم وانتظار انقلابهم على بعض، وتسليمهم للسلاح الثقيل.

اتفاق ادلب أسقط ورقة استخدام الكيماوي

ويتابع نضال قبلان: من إنجازات اتفاق سوتشي أنه أسقط ورقة كيماوي هذه المسرحية الممجوجة، حيث كانت الولايات المتحدة تخطط لاستخدامها كذريعة لتنفيذ عدوان كبير على سوريا، فلذلك لا بد للكيان الصهيوني أن يطل برأسه استنكارا لهذا الاتفاق الذي أسقط عمليا ورقة كبرى من أيدي أعداء سوريا، فكان لا بد من القيام بعمل عدواني استعراضي والاعتداء على الأراضي السورية في محافظة اللاذقية، لكن الكيان الاسرائيلي ارتكب حماقة كبرى بتوقيت وتنفيذ هذا العدوان، مما أدى إلى التسبب في إسقاط طائرة روسية ومقتل 15 ضابطا وجنديا روسيا، امتزجت دماؤهم بدماء شهداء سوريا من عسكريين ومدنيين، لا شك أن روسيا لن تسكت على هذه التصرفات الاستفزازية الاسرائيلية، كما سمعنا وزير الدفاع الروسي حين قال لوزير الدفاع الاسرائيلي: إن روسيا لن تبقى بدون رد على هذا العمل الاستفزازي، ومن المعروف أن الأصدقاء الروس يفكرون بعقل بارد، لكن ردهم يمكن أن يكون مزلزلا أو مدمرا بدون صخب إعلامي.

الجيش السوري سيتجه نحو شرق الفرات بعد تنفيذ اتفاقيات ادلب

ويتابع نضال قبلان: من المضحك أن يتحدث الرئيس ترامب عن القضاء على داعش من قبل أمريكا وحلفائها، فهم الذين صنعوا داعش، كما صنعوا سابقا الإرهابي ابن لادن والزرقاوي وتنظيم القاعدة، وكل ذلك موثق، والقوات الأمريكية في العراق وسوريا نقلت قيادات داعش الكبرى من منطقة إلى أخرى لحمايتهم عندما كانوا يتعرضون لضربات من قبل الجيش العراقي والجيش السوري، وبالتالي لا توجد صدقية لأي شيء يصرح به الرئيس ترامب الذي يصرح بالشيء ونقيضه في يوم واحد، وذلك مثير للسخرية، لذلك لا أحد يعول على ما يقوله ترامب، وكنا قد سمعنا أن مخيم الركبان في منطقة التنف سيفكك وأن المسلحين الذين دربتهم الولايات المتحدة سينقلون إلى إدلب وبعد ذلك الانسحاب من التنف، لكن كل الاعتقاد بأنه بعد الانتهاء من تنفيذ اتفاقات إدلب وإنهاء وجود الجماعات الإرهابية مثل "جبهة النصرة" وغيرها في محافظة إدلب، سيتجه الجيش السوري باتجاه شرق الفرات لإنهاء هذا الملف، وبالتالي ستكون كل القواعد والقوات الأمريكية وغير الأمريكية المتواجدة على الأراضي السورية بدون دعوة من الحكومة السورية، ستكون هدفا مشروعا لهجمات الجيش السوري، وعندما تبدأ معارك التحرير شرق الفرات سينسحب الأمريكي مرغما، لأن تجربته في العراق وقبل ذلك في أفغانستان وقبلها في لبنان، وعندما تبدأت جثث الجنود الأمريكيين تصل في الحقائب السوداء إلى أمريكا عندها لن يستطيع لا ترامب ولا غيره إقناع الشعب الأمريكي بالتواجد غير المشروع فوق الأراضي السورية، لذلك فإن بسط الدولة السورية سلطتها على كامل التراب السوري وتحرير محافظة إدلب وريفها وريف حلب وحماه ومنطقة التنف هي مسألة وقت لا أكثر.

لا شك لو أن القوات الأمريكية انسحبت من سوريا، سيعد ذلك تسليما من جانب الولايات المتحدة الأمريكية بأن سوريا انتصرت في حربها على الإرهاب، وأن الحرب هناك كانت بين دولة وحلفائها، وبين تنظيمات إرهابية تلقت دعما لتلعب دورا قذرا، وليست معركة ديمقراطية أو حريات كما وصفها الأمريكان في البداية".

وبالتالي سيحتفل الروس والسوريون والإيرانيون بالنصر على الجماعات الإرهابية التي دعمتها الولايات المتحدة وحلفاؤها منذ بداية الحرب على سوريا، وهذا لا يروق لصقور الحرب في البنتاغون وفي بريطانيا وبعض دول المنطقة.

ما الذي تريده تركيا شرق الفرات؟

كثر الحديث في الاونة الاخيرة حول مسألة منبج وشرق الفرات، إذ بدأ العناصر الإرهابيون المنتمون لوحدات الحماية الشعبية بحفر الخنادق حول منطقة منبج، وكان تأكيد الرئيس التركي أردوغان على سعي القوات التركية للدخول إلى المنطقة يحمل أهمية كبيرة في السياق ذاته. وإلى جانب ذلك هناك تيار دبلوماسي هام مُنطلق حول هذه المسألة، إذ اجتمع رئيس الأركان العامة التركي “ياشار غولير” بنظيره الأمريكي، وكان ممثل الرئيس الأمريكي ترامب المختص بالقضية السورية “جيفري” في أنقرة، هذا وقد اجتمع وزير الخارجية الأمريكي “بومبيو” بأردوغان ووزير الخارجية التركي جاويش أوغلو، وعلى الرغم من أن محور هذا الاجتماع يدور حول مقتل الصحفي السعودي “جمال خاشقجي” إلا أنه تم التصريح بتداول المسائل الأخرى أيضاً، وفي هذه النقطة بالتحديد يحب التذكير بأن القوات الأمريكية تبادر بعملية تدريب مشتركة مع القوات التركية من أجل التجهيز لعملية منبج.

ومن جهة أخرى صرّح رئيس الأركان الأمريكي “دونفورد” بأن بلاده ستبدأ عمليات تفتيش وتدقيق في هويات الأشخاص الموجودين في منبج، وهذا التصريح يُعتبر مرحلة من مراحل الخريطة المتأخرة للدخول إلى منبج، كذلك تتعلّق هذه المسألة بتشكيل القوات المحلية التي ستعمل على حماية منبج.

بطبيعة الحال هناك بعض الأسباب الواقعية لهذا التيار الدبلوماسي والتحرّكات في الحدود الجنوبية لتركيا، والأسباب كما يلي:

أعادت أنقرة تركيزها على المناطق التي تقع تحت سيطرة وحدات الحماية الشعبية بعد أن تم إيجاد حلول هامة لمسألة إدلب من خلال الاتفاق مع روسيا في اجتماع سوتشي.

وجّهت أنقرة لواشنطن رسالةً كان مضمونها: “لم نعد نستطيع تحمّل هذا التأخير وضياع الوقت” بسبب تأخر أمريكا في تنفيذ خطوات خريطة الطريق للدخول إلى منبج، وردّت أمريكا على هذه الرسالة بمشروع التدريب المشترك بين القوات التركية والأمريكية.

أدت عودة الراهب الأمريكي "برونسون" إلى بلاده بعد أن تم اعتقاله في تركيا إلى إزالة بعض المشاكل في إطار العلاقات التركية-الأمريكية، وبدأت الأخيرتان بالتجهيز لمرحلة جديدة في إطار العلاقات الثنائية، وبادرت أنقرة في التذكير بالخطوط الحمراء مع بداية هذه المرحلة الجديدة.

إذاً هل تشكّل مسألة منبج المشكلة الوحيدة في الوقت الحالي؟ أنقرة تقول إن جميع المناطق التابعة لسيطرة وحدات الحماية الشعبية تشكّل مصدر خطر بالنسبة إلى الأراضي التركية، وبذلك يمكن القول إن الأولوية في هذا السياق ستكون لمناطق العرب التي سيطرت عليها وحدات الحماية الشعبية أثناء انشغال تركيا بمكافحة تنظيم داعش الإرهابي بعد بداية الحرب الداخلية في سوريا، وبناء على ذلك ربّما تبدأ أنقرة بإجراء المفاوضات في خصوص منطقة تل أبيض أيضاً إلى جانب منبج على المدى القريب.