اليمين المتطرف يعيد الجدل حول الحرب العالمية الأولى في ألمانيا

اليمين المتطرف يعيد الجدل حول الحرب العالمية الأولى في ألمانيا
الأحد ٢٨ أكتوبر ٢٠١٨ - ٠٧:٢١ بتوقيت غرينتش

يسعى اليمين القومي الألماني لرد الاعتبار للامبراطورية الألمانية ودورها في الحرب العالمية الأولى، ليثير من جديد جدلا يعود إلى عقود، مع اقتراب ذكرى مرور مئة عام على الهدنة.

العالم - أوروبا

ونشرت مجلة "كومباكت" القريبة من الحزب اليميني المتطرف "البديل من أجل ألمانيا" عددا خاصا كرس لمعاهدة فرساي الموقعة في 1919 والتي حملت الرايخ مسؤولية الحرب الكبرى وفرضت على البلاد دفع تعويضات هائلة.

ويحمل العنوان ""عار فرساي: كيف أخضعت الدول المنتصرة ألأمانيا" بحد ذاته مغزى كبيرا بتذكيره بالخطاب الانتقامي الذي استخدمه، في عشرينيات القرن الماضي، أولئك الذين يشعرون بالحنين إلى الامبراطورية والنازيين.

وتهدف المجلة، من خلال ذلك، الى تمجيد الامبراطورية الألمانية (19871-1918) التي تمثل لدى الوجدان الجماعي الألماني منذ عدة عقود أولى القوى المدمرة في القرن العشرين.

هذه الآراء المتضاربة حول الرايخ ليست جديدة ونجمت عن جدل هز الرأي العام منذ ستينات القرن الماضي وسمي "جدل فيشر".

ويسعى الأستاذ في جامعة هامبورغ فريتز فيشر في كتابه "أهداف حرب ألمانيا الامبراطورية 1914-1918"، إلى إثبات أن ألمانيا كانت في عهد غيليوم الثاني أول من دفع باتجاه حرب منذ تموز/يوليو 1914 لتروي تعطشها للسلطة على الصعيد العالمي.

وعزا المؤلف أصول صعود النازية لعدم تحقيق هذا الطموح.

وقال يورن ليونهارد الأستاذ في جامعة فريبورغ-ان-بريسغاو لوكالة فرانس برس إن "هذا التفسير لفيشر الذي يميل إلى تبنيه اليسار أكثر من اليمين، يستند إلى انتقادات حادة وجهت إلى الامبراطورية الألمانية بسبب نزعتها العسكرية والتوسعية، ويعتبر أن وحدها ديموقراطية قوية يمكن أن تعوض" عن الأذى الذي وقع قبل 1945.

أما حزب "البديل من أجل ألمانيا" فيرى أن هذا التفسير يعكس رأي المنتصرين في الحرب ويرى في الرايخ نموذجا إيجابيا.

ويقول المؤرخ كلاوس بيتر سيك أن الأمر من وجهة نظر "البديل من أجل ألمانيا" يتعلق "بإعادة الاعتبار للامبراطورية (...) لأنها (تمثل دولة) حديثة بقوتها الصناعية وفي الوقت نفسه، محافظة جدا".

ويشير إلى أن "قيم الرايخ الألماني" تتطابق مع قيم الحزب اليميني المتطرف وهي "الانضباط والنظام".

لذلك يدرج ممثلو اليمين القومي في خطبهم إشارات إلى المستشار السابق في عهد الامبراطورية أوتو فون بيسمارك (1815-1898) أو إلى "عصر القصور البروسية" التي تشكل "مصدر فخر" للألمان.

وذهب الأمر بزعيم "البديل من أجل ألمانيا" الكسندر غولاند إلى حد اعتبار النظام الهتلري بأنه لا يقارن مع "الف سنة من التاريخ الألماني المجيد".

ويهدف اليمين المتطرف الى جعل "الألمان فخورين بتاريخهم وبالأمة الألمانية وألا يروا في ذلك شبح النازية" وبخاصة أن الأجيال التي شهدت الحربين العالميتين بدأت بالزوال.

- جروح قديمة -

وعاد الجمهور العريض من جهته للاهتمام من جديد بالحرب العالمية الأولى مع صدور كتاب "صيف 1914 كيف سارت أوروبا إلى الحرب" للمؤرخ كريستوفر كلارك في 2013.

ويوضح المؤلف في كتابه أن ألمانيا وامبراطورية النمسا-المجر تتحملان بالتأكيد مسؤولية كبيرة في اندلاع النزاع، لكن قيصر روسيا وباريس ولندن لم تكن أفضل لانها لجأت إلى التصعيد ورغبت فيه.

وكتبت صحيفة "فرانكفورتر ألغمانيه تسايتونغ" حينذاك، أن هذا الكتاب الذي لقي نجاحا كبيرا "كشف عن حاجة متأصلة إلى التحرر من التأنيب والشعور بالذنب".

لكن السلطات العامة، تنظر الى أهوال النصف الأول من القرن العشرين على أنها قضية حساسة.

وتقام احتفالات الذكرى المئوية، هذا العام، بحدها الدنيا. وفي برلين أقيم مؤتمر بعنوان "كسب السلام" في منتصف تشرين الأول/اكتوبر، لكنه لم يفتح للجمهور.

كما لن تقام مراسم كبيرة في ألمانيا التي لا تضم إلا عددا ضئيلا من النصب المخصصة لقتلى الحرب العالمية الأولى.

ويرى ليونهارد أن "السياسات الألمانية تولي أهمية كبرى لعدم فتح الجروح القديمة"، مشيرا إلى أنها "رؤية (المستشارة) أنغيلا ميركل (...) وهذا جزء من شخصيتها المتحفظة جدا".

ولن تشارك ميركل سوى بمناسبة واحدة مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في العاشر من تشرين الثاني/نوفمبر في ريتوند حيث تم توقيع الهدنة التي أنهت الحرب على الجبهة الغربية في أوروبا.