جعجعة بلا طحين.. قصة خيارات أميركا للرد على السعودية

جعجعة بلا طحين.. قصة خيارات أميركا للرد على السعودية
الثلاثاء ٣٠ أكتوبر ٢٠١٨ - ٠٣:٤٨ بتوقيت غرينتش

في ظل استمرار تداعيات أزمة "خاشقجي" على الحكومة السعودية، كشف البيت الأبيض أن واشنطن تدرس عددا من الخيارات للرد على الرياض في ضوء تقرير مديرة المخابرات الأميركية (سي آي أي) جينا هاسبل التي التقت الرئيس دونالد ترامب الأسبوع الماضي.

العالم- تقارير

رد واشنطن على السعودية ؟!

وفي الوقت الذي تحمل فيه خديجة جنكيز خطيبة خاشقجي وجميع المستندات التركية الى جانب راي العالم العالمي، الرياض مسؤولية قتل خاشقجي بوحشية، قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض سارة ساندرز إن "الإدارة تدرس عددا من الخيارات وسيجري إعلان القرار المتخذ".

وكانت مديرة "سي آي أي"، أطلعت ترامب الأسبوع الماضي على المستجدات بخصوص التورط السعودي في قتل خاشقجي.

وبعد يوم من عودتها من تركيا، التقت هاسبل بترامب في البيت الأبيض، وقدمت له تقريرا استخباريا تضمن معلومات بشأن مقتل الصحفي السعودي على يد فريق سعودي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول.

ويفترض أن مديرة السي آي أي أطلعت الرئيس (الذي اتخذت الصمت منذ أيام بخصوص خاشقجي) على فحوى تسجيل صوتي استمعت له خلال زيارتها القصيرة لتركيا عن استجواب وقتل الصحفي السعودي بطريقة مروعة.

وكانت صحيفة واشنطن بوست نقلت عن مصدر قوله إن "التسجيل الصوتي دامغ، ومن شأنه أن يضاعف الضغط على الولايات المتحدة من أجل محاسبة السعودية على مقتل خاشقجي".

وكانت مصادر تركية أكدت قبل أيام وجود تسجيل صوتي لدى السلطات التركية يوثق بوضوح تعذيب خاشقجي وقتله بطريقة فظيعة.

لكن رغم هذه الضجات الإعلامية، لا يُعدّ تصريحات شديد اللهجة للكونغرس والمسؤولين الأميركيين أمرا جديدا أو غير مألوف بالنسبة لریاض، حيث دأب الأميركيون الهجوم على السعودية لأسباب مختلفة، إما لمقتضيات الحملات الانتخابية، وإما في جولات التلاسن الحزبي المعتادة حول السياسات الخارجية بين الديمقراطيين والجمهوريين، لكن الرياض تحظى بحلفاء ودودين في مراكز القرار الأميركي بسبب رشاويها و بسبب بترو دولاراتها.

تربع السعودية على هرم زبائن الأسلحة الأميركية

وبناءا على الإحصائيات الرسمية، في عام 2017، تربعت السعودية على هرم زبائن الأسلحة الأميركية بمشتريات فعلية بلغت قيمتها 3.5 مليار دولار، وبفارق ثلاثة أضعاف تقريبا عن أستراليا، أقرب منافسيها.

وعلى مدار العقود الأولى للصداقة السعودية الأميركية، كانت العلاقات بينهما تدور حول النفط في المقام الأول، حيث ظل الذهب الأسود مُهيمنا على الحكمة التقليدية لعلاقتهما وفق صفقة البترودولار الشهيرة، وهي صفقة عملت السعودية بموجبها كوكيل للمصالح الطاقوية الأميركية، وضامن لتدفق مصادر الطاقة لتشغيل الترسانة الصناعية والعسكرية الأميركية الضخمة في غرب الأطلسي. 

ومع نهاية الحرب العالمية الثانية وتربع أميركا على رأس القيادة العالمية، سارع الأميركيون في تعزيز ومأسسة تحالفهم مع آل سعود خلال لقاء عيد الحب التاريخي بين الرئيس الأميركي فرانكلين ديلانو روزفلت، وبين مؤسس المملكة العربية السعودية "عبد العزيز بن سعود"، على متن مدمرة أميركية قرب السويس عام 1945، وهو اللقاء الذي تحولت بموجبه المملكة إلى حجر زاوية سياسات واشنطن كاملة في الشرق الأوسط.

ومع هيمنة البترودولار على العلاقات بين واشنطن والرياض، فإن تدفق الأسلحة الأميركية للمملكة جزء رئيسي وغير قابل للمساءلة حتى زماننا هذا.

ومن هذه الناحية، نجد ترامب، تصريحاته متذبذبة ومتناقضة حول أزمة خاشقجي، والتي تتراوح بين محاولة حماية النظام السعودي وأحيانا تبرئته بشكل كامل، وبين التهديد بفرض عقوبات قاسية عليه، فهناك خط رئيسي واضح يحدد سياسة الرئيس الأميركي تجاه الأزمة، وهو تمسكه بصفقات الأسلحة المغرية لإدارته مع السعودية التي تعتبر أداة لتمرير سياسات أمريكا في الشرق الأاوسط.

ولتلك الأسباب نادرا ما أبدى الرؤساء الأميركيون أي رغبة جادة في تحجيم بيع الأسلحة للمشتري السعودي الثري، مهما كان حجم الضغوط التي يواجهونها.

اضافة الى ذلك، تتمكن واشنطن أن تستولي على سوق النفط عن طريق أدواتها الخليجية و لاسيما السعودية و أن تؤذي منافسها العملاق أي الصين.

أميركا غير صادقة في الدفاع عن "دم خاشقجي"

نعم! لو أن أميركا صادقة في الدفاع عن "دم خاشقجي" وحرية الصحافة وحقوق الإنسان بإمكانها استخدام قانون ماغنيتسكي الذي يمنح واشنطن الحق في فرض العقوبات على المسؤولين الأجانب المتورطين في انتهاكات لحقوق الإنسان. وقد تم إقرار قانون ماغنيتسكي للمرة الأولى في عام 2012 بهدف معاقبة الشخصيات الروسية المتورطة في مقتل المحاسب الروسي سيرغي ماغنيتسكي في أحد السجون الروسية، لكن القانون تم توسيعه عام 2016 ليشمل معاقبة كافة المسؤولين الأجانب المتورطين في انتهاكات حقوقية، ملزما الإدارة الأميركية بإجراء مراجعة خلال أربعة أشهر لتحديد موقف المسؤولين المتهمين بارتكاب انتهاكات.

لكن إدارة ترامب سوف تختار عدم فرض العقوبات في نهاية المطاف، بسبب ماذكر.

وحتى في حال فرض بعض العقوبات الأميركية ضد السعودية، حفظا لماء وجه أميركا، لا يمكن اعتبارها تحولا دراميا في العلاقات الأميركية السعودية ككل، ويمكن القول أنه على الرغم من الأصوات الصاخبة التي تتعالى منادية بمعاقبة الرياض، فإن مراكز القوى وصناع السياسية الحقيقيين في واشنطن هم من أنصار المصالح والبترودولارات ولا يتخذون مثل هكذا قرارات انسانية.

*محمد حسن القوجاني