لبنان.. تشكيل الحكومة والواقع الذي جسدته الإنتخابات

لبنان.. تشكيل الحكومة والواقع الذي جسدته الإنتخابات
الأربعاء ٣١ أكتوبر ٢٠١٨ - ١٠:٥٣ بتوقيت غرينتش

إستمرار الإختلافات بين قادة التيارات السياسية اللبنانية حول تشكيل الحكومة القادمة، دفع بأصول التيارات وأساطينها للتحرك بإتجاه الأمر الواقع أو الإستسلام للديكتاتورية والعودة الى المربع الأول، أي الدخول في صراعات داخلية، لا ناقة للبنان فيها ولا جمل، بل من شأنها ان تعيد وتكرس التدخلات الأجنبية اكثر من ذي قبل.

العالم- تقاریر

فمنذ إتفاق قادة التيارات السياسية على الصيغة الجديدة في التسوية الرئاسية، بدأت الموافقات تأخذ طريقها لحلحلة الأزمة، وكانت اولى خطوات نجاحها، إعادة سعد الحريري لرئاسة الحكومة المقبلة. الأمر الذي جلب وراءه تضاؤل الحديث عن سلاح حزب الله والمقاومة اللبنانية، بل وإقتلاع مثل هذا النقد كليا من الساحة السياسية اللبنانية رغم وجود بعض الشوائب في الهوامش السياسية للساحة اللبنانية، وهذا ما لايتنافى مع أدنى اسس الحرية والديمقراطية المتجذرة في لبنان منذ ان عرف الاستقلال وحتى الساعة.

وبعيدا عن كل التفاصيل التي يخوضها زعماء التيارات السياسية في لبنان حول تشكيلة الحكومة المرتقبة، والشروط التي وضعوها للمشاركة في الحكومة، هناك قضية مفصلية لايمكن تجاهلها في قضية تشكيل الحكومة اللبنانية القادمة، وهي ان الجميع لايرغبون في التغاضي عن النتائج التي افرزتها الانتخابات النيابية الاخيرة، بل كل يحرص في المحافظة عليها ومن خلال الحلول التي يرتئيها.

بدءا من تغيير الوزارات كما وتوكيلا وتبادلها بين التيارات السياسية وصولا الى مساومات مرضية لإستبدالها بمناصب نيابية أو تنفيذية، ما يجعل الكل متفقين على ضرورة مواصلة المسيرة حتى تشكيل الحكومة المقبلة. ترى فما هي العقدة في تشكيل الحكومة ولماذا لا يتم الإعلان عنها حتى الآن؟

فمن الصعب التفوه بجواب شاف على السؤال الآنف، لآن قادة التيارات السياسية أجمعت اليوم على تشكيل الحكومة مهما كلف الأمر، بحيث ان بعضها تنازل عن مطالباته، كـ "القوات اللبنانية" وجاء طوعا للمشاركة في اجتماع «تكتل الجمهورية القوية» الذي عقد قبل يومين، حيث سبقه الاجتماع غير المعلن عنه بين رئيسي الجمهورية ميشال عون والحكومة سعد الحريري في قصر بعبدا، أعلن فيه الرئيسان القبول بمجمل الحل والمضي قدما في تشكيل الحكومة.

ترى من حق القارئ ان يتساءل مرة اخرى "إذا ما هي عقدة تشكيل الحكومة اللبنانية"؟ سؤال اجاب عليه رئيس "القوات" سمير جعجع قبل غيره، وبعد ما لمس جدية الحريري السير نحو تشكيل الحكومة، ليقول، أيّاً يكن موقف القوات اللبنانية منها، فأنّ «المصلحة» تقتضي السير بالقافلة". هذا التصريح لقائد "القوات" اكبر من ان يختزل في تحليل وإن كان شاملا، لأنه يختزل الكثير من الأمر الواقع الذي قبلت به قادة التيارات السياسية في لبنان، ومنها بل ومن أهم فصول هذا الامر الواقع، الواقع الجديد الذي افرزته نتائج الانتخابات النيابية الاخيرة في لبنان.

نظرة سريعة الى المصالحات والتفاهمات الجارية بين قيادات الكتل السياسية في لبنان تؤكد ان التركيبة المفترضة للحكومة المقبلة لاتختلف من ناحية الشكل والتركيب عما كانت عليه الحكومات السابقة خاصة الحكومة التي تشكلت عام 2005 اي بعد قبول "القوات" ضمن التشكيلة الوزارية لاول مرة بعد عودتها الى الصف اللبناني (بعد ان كانت تقاتل الى جانب الصهاينة ابان إحتلال لبنان وعلى مدى عقدين من الزمن)، ففي هذه الحكومة تمثيل لتيار الحريري والحزب التقدمي الاشتراكي و"القوات"، مع رجحان بسيط لكفة فريق الثامن من آذار وحلفائه.

لكن ما يبعث الدهشة ويلفت النظر ان المساومات اخذت مشوارا طويلا فاق الثلاثة أشهر، بل وفي احدى الإجتماعات الأخيرة قيل أن سعد الحريري قال فيها: "«فتِّشوا عن غيري»"، لكن قبول الآخرين وإصرارهم على المشاركة في «تكتل الجمهورية القوية»، جعله يتراجع عن قوله.

يبقى أمر واحد يمكن ان يوضح ويفسر اللغز والعقدة التي تحول دون تشكيل الحكومة اللبنانية وهو الذي جاء في إطار عبارة قبول الأمر الواقع الذي فرضته "نتائج الانتخابات النيابية الاخيرة"، وهذا هو البيت القصيد. فهذا الواقع يتجسد في صعود نواب سنة مستقلين لا ينتمون لتيار سعد الحريري، بل كانوا متحالفين مع قوى الثامن من آذار وطالبوا بإشراكهم في الحكومة من خلال تولي وزارة  أو اكثر.

هذا الأمر كاد ان يكون القشة التي تكاد تقصم ظهر "بعير" تيار الرابع عشر من آذار الذي عارض قبوله بإحتوائهم في التصنيف السني المصنف لتشكيلة الحكومة، وفي نفس الوقت رفض منحهم وزارة بإسم تكتل "السنة" المستقلين.

لكن حزب الله لبنان الذي تبلور تعامله قبل ان تجري الإنتخابات النيابية الاخيرة، في التعامل بالتساوي مع كل من يحالفه ويشاطره الرأي بات يحافظ على تمثيل "السنة" المستقلين ويحترم مطالبتهم بالوزارة، ما جعل كل الاطراف التي تنادي بالحرية والإستقلالية، ترضخ لطلباتهم.

خاصة وقد اصبح السنة المستقلين في الساحة اللبنانية اكثر مما كانوا عليه في السابق، بل ان تعامل التيارات الأخرى مع تيار الثامن من آذار أوصل لبنان إلى شاطئ الأمان، وأبعده بل وأنقذه من كل المطبات التي كات تودي به الى هاويات ومتاهات لا نهاية لها ولبنان وشعبه بأسره لايميلون اليها.

فالصيغة التي يعتمدها تيار الثامن من آذار في تثبيت المسار السلمي في البلاد، وتوسيع رقعة التحالف للنهوض بالبلاد وإزدهارها، اضافة الى دعم فكرة تشكيل حكومة قوية تنبثق عن اجتماع يؤمن بتشكيل «تكتل الجمهورية القوية»، هو الذي جعل التيارات الأخرى تواكب هذا التيار، وإن عارضته في الفكر والمصالح. كي تبقى مصلحة الوطن وتشكيل الحكومة فوق كل مصلحة، وهذا ما ستؤكده الأيام القادمة في تشكيل الحكومة التي سيكشف عنها الحريري بعد حسم المشاورات.

*عبد الهادي الضيغمي