هل حققت واشنطن الشرق الأوسط الذي تريد؟

هل حققت واشنطن الشرق الأوسط الذي تريد؟
الخميس ٠١ نوفمبر ٢٠١٨ - ٠٤:٥٢ بتوقيت غرينتش

مع كل مواجهة عسكرية مفتوحة كانت تحصل بين المقاومة الإسلامية، فلسطينية كانت او لبنانية، تسارع الارادات السياسية الاميركية الى التبشير تارة بشرق اوسط كبير واخرى جديد، مغرورة بالقوة التدميرية للآلة العسكرية للاحتلال دون الالتفات الى القوة المعنوية والتضحوية  للمقاومة... لكن كيف يمكن تفسير ما يحدث من اختراقات إسرائيلية جريئة للخنادق العربية، وبشكل سهل ورسمي؟

الظهور الرسمي لمسؤولين من كيان الاحتلال الإسرائيلي في اكثر من عاصمة او مدينة عربية بعد انتهاء مرحلة التسريبات المكثفة عن لقاءات سرية او تعاون امني بين مسؤولي الكيان المحتل لقبلة المسلمين الأولى والغاصب لأراضي الفلسطينيين، وبين مسؤولين عرب من بينهم سعوديون كانوا حتى الأمس القريب يكفر علماؤهم الوهابيون كل من يختلف معهم حتى من اتباع مذاهب المسلمين، ثم يعلنوا انفسهم بعد حين، اصدقاء او حلفاء لمن يختلفون معه في الدين، ويدنس مقدسات اسلامية، ويبتلع اراضي المسلمين ويفتك باهلها اعتقالا وتقتيلا!

ما فشلت عن تحقيقه قوات الاحتلال الإسرائيلي وحاميتها الولايات المتحدة على جبهات القتال ضد المقاومة الباسلة، يبدو انه يتحقق بفعل القوة الناعمة وسياسة اغراق البلدان العربية بالفوضى والشغب والعنف كسوريا والعراق واليمن وليبيا ونوعا ما مصر، وفعلا بدأ يعطي أكله عندما تعملقت قوى عربية، تصنف رجعية على المستوى السياسي، لكنها تتربع على فائض مبيعات النفط والغاز، استثمرتها اسوء إستثمار في اشعال نيران الفتن والعنف والارهاب في القوى التقدمية الكبرى، لتُشغلها بجراحها وتنصرف هي لتكون من اللاعبين في الشرق الاوسط.

وأصبحت دول صغرى بأنظمة قبلية وبميزانيات نفطية هائلة تتغول على حساب دول كبرى كانت تتزعم القرار العربي وتمتنع عن التطبيع او الانخداع بخطط السلام المزعوم. هذه الدول الصغرى هي اليوم تتصدر المشهد الشرق الاوسطي، فكان سهلا للولايات المتحدة في عهد دونالد ترامب ولكيان الإحتلال في عهد نتانياهو تطويع هذه الدول المتعملقة في ظل تغييب العمالقة  الحقيقيين لتتجسم تارة في هيئة بقرة حلوب، وأخرى في سجادة حمراء يدوس عليها ترامب ونتننياهو وحريمهما، وليعزف نشيد وطني خُطت كلماته بسفك دماء الفلسطينيين وكُتب لحنه بابتلاع القدس ومسجدها الاقصى.

اليوم هذه المشيخات المتخمة بوهم القوة الخادع، تنزلق لتطبيع مجاني مع كيان الاحتلال دون ادنى مكسب للقضية الفلسطينية وهي تراها تُنحر على مذبح صفقة ترامب التي تقترب ولادتها، بعد ان تبرع المشايخ والامراء بالتحضير، اعلاميا وسياسيا ورسميا لحضانة هذا المولود المشؤوم وهي مذعنة لكل كلمات اذلالها التي يقول فيها ترامب: لولانا لما كنتم ... نحميكم فادفعوا لنا.  واذا كانت  حماية هذه الدويلات الحلوبة تأتي من الخارج معلبة جاهزة، فلم كل هذا التكديس من الاسلحة؟ او أنها الاوامر بتشغيل مصانع الأسلحة في أميركا وبريطانيا وفرنسا وتحسين اقتصاداتها؟

هذا هو الجانب الذي تمطره وسائل اعلام المشيخات والامارات والمملكات، على مشاهديها العرب لعلها تدخل في نفوسهم اليأس والقنوط والهزيمة الداخلية، للقبول كأمر واقع  بمحتل الأرض والمقدسات والأموال والقرارات، والتعايش معه، ليكون مشهد المسؤولين الإسرائيليين في عواصم العرب مشهدا عاديا!. لكن في الجانب الآخر حيث تشرق الشمس ويقتل ضوؤها وحرارتها كل ديدان الخنوع والانهزامية فالمشهد يختلف كليا.

فالشعوب العربية كانت ولا زالت، ورغم كل محاولات التركيع والتأييس، ضمائرها حية لا تميتها عصا الحكام، ويبقى قلبها يرنو لتحرير فلسطين كل فلسطين، فهي لم تستلم للمستعمر وان طال عمر الاستعمار واحتلاله لأراضي المسلمين ما دامت هذه الشعوب على قناعة بان حقوقها لن تضيع وما دامت تطالب بها ولهذه الشعوب اسوة حسنة بالمقاومة الإسلامية بشقيها اللبناني والفلسطيني التي كسرت شوكة العدو والحقت به الهزيمة واذلته في اكثر من منازلة رغم عديده وعتاده. وكذلك هزمت ارادة المقاومة برصانة محورها ، وحكمة مراجعها، مخططات الاعداء في تمكين لتنظيمات الارهابية كداعش والقاعدة ومحاولات اشغال الفتنة بين المسلمين وتقسيم بلدانهم.

وكما فشلت مخططات الشرق الاوسط الكبير والجديد والمعتدل، سيفشل مخطط الشرق الاوسط المصادق لكيان الإحتلال عبر دويلات تصدرت المشهد السياسي في غفلة من الزمن وعندما انشغلت دول كبرى بجراحها بفعل ما سببته هذه الدويلات من فوضى وعنف وإرهاب. وأثبتت التجارب عبر الأزمان، انه لا يصح الا الصحيح واما الزبد فيذهب جفاء  واما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض.

احمد المقدادي