الجزائر تحيي الذكرى الرابعة والستين لاندلاع ثورة التحرير

الجزائر تحيي الذكرى الرابعة والستين لاندلاع ثورة التحرير
الخميس ٠١ نوفمبر ٢٠١٨ - ٠٧:١٣ بتوقيت غرينتش

إحتفلت الجزائر الخميس بالذكرى الـ 64 لثورة أول نوفمبر 1954 التي اتاحت لكل كاتب ومؤرخ فرصة الوقوف والتأمل في الصفحات المشرقة التي سجلها الشعب الجزائري خلال سبع سنوات ونصف من الحرب لتحرير وطنها من سلطة الإستعمار الفرنسي. وأثمرت ثورة التحرير الجزائرية بعد سبع سنوات من اندلاعها استقلال البلاد في 5 تموز/يوليو 1962.

العالم - تقارير 

فإن ثورة أول نوفمبر 1954 الجزائرية، هي ثورة ضد سلطة استعمارية شرسة حكمت البلاد بصورة مباشرة طوال قرن وربع  القرن، وضد روح التشكيك التي زرعتها هذه السلطة الإستعمارية خلال هذه الفترة، والتى جعلت الشعب الجزائري يرى تاريخه الطويل الزاخر بالأمجاد والبطولات، شبحا وخيالاً  أو بمثابة سراب.

حيث عمل الجيش الفرنسي كل مايقدر عليه من أجل أن ينسى الشعب الجزائري أصله وتاريخه، ويشطب بجرة قلم على أمجاد الحضارية التي تمتد إلى غابر  الأزمان.

وقد عانى الشعب الجزائري الكثير من الظلم والجور والقسوة والحرمان.

وكان أخطر ما عاناه حالة التشكيك في أصله، وتاريخه، وفي شخصيته القومية لدرجة أن بعض الجزائريين تجرأوا على القول بأنه ليس هناك بلد أسمه الجزائر، ولا شعب أسمه الشعب الجزائري العربي المسلم، فدعوا الى دمج هذه البلاد وشعبها في المجتمع الفرنسي الأوروبي المسيحي.

فإن ثورة نوفمبر  هي التي أعادت الثقة للمجتمع الجزائري في نفسه، وأكدت له أصالته التاريخية التي تمتد إلى أعماق التاريخ القديم.

وعودة الثقة هذه هي الدعامة الأساسية للكفاح البطولي الذي خاضه شعب الجزائري طوال سبع سنوات ونصف.

وقد تبدو للبعض هذه الثقة العائدة بسيطة أو ساذجة، ولكن أهميتها كانت بالغة، ولولاها لما تحمل الشعب الجزائري تلك الأهوال التي تعجز الجبال عن تحملها، وهنا أمثلة حية اليوم لشعوب فقدت الثقة بنفسها ولم تستطيع أن تفعل شيئا.

ومن ضمنها شعب جنوب إفريقيا، والهنود الحمر بأمريكا، وسكان أستراليا الذين مسختهم مجتمعات أوروبا الغازية المستعمرة، وأذابتها ولم تبق على البعض منها إلا من أجل الاستغلال  السياحي والدراسات  البشرية كما  يجري الحال في أستراليا مثلا.

لقد كافح الشعب الجزائري، قبل ثورة 1954، سبعين عاما بالسلاح، ونصف قرن بالسياسة، فلم يحصل على طائل، بالرغم من الأصوات التي كانت تقول دائما بأن الجزائر قلب ميت وطائر مكسر الجناحين معاق عن الحركة والسير.

ولكن ثورة نوفمبر هي التي دفعت هذه الشبهة، ونزعت هذا التشكيك، وأثبتت أن الجزائر لم تكن قلبا ميتا ولا طائرا مكسر الجناحين، بل هي قلب شاب ينبض بالحياة والحيوية والنشاط، وصقر لاتناله السهام والنبال، ولاتفلت منه فريسته مهما كانت طاغية أو شرسة.

وقد فهمت ثورة نوفمبر جيدا أن ما أخذ بالقوة لايسترد إلا بها، وأن الحرية تؤذ وتنتزع، ولا تهدى ولا تعطي أبدا، كما أنها درست التجارب الماضية لها وهي حصيلة سبعين عاماً من الكفاح المسلح، وخمسين عامًا من الكفاح السياسي، وأصرت على أن لا تدخل المعركة إلا بجبهة قوية تمثل كل فئات وطوائف الشعب، تحميها من الإخفاق والمهالك، وبقيادة جماعية مخططة تجنبها المزالق الشخصية التي وقع فيها أجدادنا في القرن الماضي وتضمن لها النصر والنجاح.

وليس من السهل توحيد الشعب في جبهة واحدة في بلد عشّش فيه الإستعمار، وكبش بأنيابه ومخالفه عليه وعلى مقدراته طيلة قرن وربع القرن.

وأصبح الكثير من زعمائه السياسيين يدّعون النبوة والرسالة، وتباينت آراؤهم حول المطالب الوطنية الواضحة للشعب الجزائري تباينا خطيرا وعميقا.

فالبعض يدعون الى التجنيس والفرنسة والذوبان في المجتمع  الفرنسي الأوروبي المسيحي.

والبعض يدعون إلى تحقيق إصلاحات اجتماعية بسيطة لا تتعدى الشؤون الدينية والإقتصاد.

والبعض رضوا، بنتيجة للتطور التاريخي، ببروز شخصية جزائرية ولكن في إطار  الكيان الفرنسي وتحت علمه.

ولم يكن هناك إلا تيار واحد استقلالي برز مع ظهور هيئة نجم شمال إفريقيا، في بداية العشرينات، وتدرج في إطار حزب الشعب الجزائري قبل الحرب العالمية الثانية، وبعدها حزب حركة الانتصار للحريات الديمقراطية. ولكن هذا التيار كان محاربًا من الجميع الاستعمار الفرنسي، وأذنابه من الجزائريين.

وقد وصلت الخصومة بين هذه التيارات السياسية الى درجة العفونة خاصة بعد الحرب العالمية الثانية وفي مطلع الخمسينات بصورة أخص.

وتسربت هذه العفونة حتى إلى داخل التيار الاستقلالي نفسه حزب حركة الانتصار للحريات الديمقراطية الذي إنشق على نفسه ودخل في دوامة من الصراع والسباب بين زعيمه الهرم، والأكثرية من شبابه المناضلين.

جعلت الإستعمار يطمئن لوضع، ويتفرج من بعيد على ساحة المعركة.

وكان فضل ثورة نوفمبر 1954 في توحيد هذا الشتات يعد مكسبا وطنيا هائلا، وفي منتهى القداسة، بحيث أذابت الجميع في جبهة التحرير الوطني الأغلبية عن إيمان واقتناع، و الأقلية بالموس والخنجر، والشاقور، وكان هذا إنجازا عظيما لثورة نوفمبر 1954.

وهكذا رفعت الجزائر رأسها عاليا، وأعطت درسا لاينسى للبلدان الإستعمارية بأن العرب قادرون  على تحقيق  انتصارات خارقة في التاريخ ضد حكامهم الطغاة وعمال الإستعمار في بلادهم.

وفي الوقت نفسه فإن هذه الثورة مفخرة لإفريقيا أيضا لأنها هي التي أعادت اليها الحياة والحيوية، وحفزتها على مسح غبار الغفلة والتخلف، ودفعتها العمل من أجل التحرر الوطني وطرد المستعمرين الدخلاء.

وشارك الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة الخميس في إحياء ذكرى شهداء حرب الاستقلال، بحسب مشاهد بثّها التلفزيون الحكومي.

وبمناسبة اندلاع ثورة الفاتح من نوفمبر قصد بوتفليقة مربع الشهداء بمقبرة العالية بالجزائر العاصمة حيث ترحّم على أرواح شهداء الثورة التحريرية.

ورفع بوتفليقة يده لدى وصوله محيّياً الحضور، واستعرض تشكيلة من الحرس الجمهوري ووضع إكليلاً من الزهر وقرأ الفاتحة. وشارك في إحياء الذكرى عدد من كبار المسؤولين بينهم رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح ورئيس المجلس الشعبي الوطني معاذ بوشارب والوزير الأول أحمد أويحيى.

وقدم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الاربعاء، بمناسبة الذكرى الـ 64 لاندلاع الثورة الجزائرية رسالة موجهة للشعب الجزائري، أثنى فيها على الإنجازات العديدة التي شهدتها الجزائر وتحدث بشكل خاص عن مشروع المصالحة الوطنية الذي قام بتمريره عبر استفتاء شعبي في 2005، منهيا بذلك سنوات من العنف والقتل بين الجزائريين. فيما سمح المشروع أيضا بتحقيق السلم واسترجاع الأمن عبر كامل ربوع الجزائر، وهما شرطان لأي تنمية أو بناء.

وأضاف الرئيس الجزائري، إن الجزائر وإذ كانت قد حققت تقدما يحق الاعتزاز به في مجال التنمية بمختلف أشكالها، إلا أنه يتعين علينا بذل المزيد من الجهود للتكفل بجميع الحاجات الاجتماعية الـمتبقية لشعبنا والتعجيل بالإصلاحات الاقتصادية وتنويع مكونات الإنتاج الوطني لكي نتحرر أكثر فأكثر من التبعية للـمحروقات وتقلبات سعرها في الأسواق العالمية.

كما اشاد بوتفليقة بمؤسسات الدولة التي قال انها تعمل وفق القوانين والشرعية المكتملة وبالاحتكام دوريا إلى صناديق الاقتراع، إضافة إلى الإصلاحات الأخرى التي مست قطاعات حساسة كإصلاح جهاز العدالة والتشريع لدولة الحق والقانون وتعزيز حقوق الـمواطنين وحقوق الـمرأة، بصفة خاصة، ومكونات الهوية الوطنية ولا سيما منها اللغة الأمازيغية الـمشتركة بين جميع الجزائريين والجزائريات.

وفي المجال العسكري، أثنى بوتفليقة على التقدم الذي حققه الجيش الجزائري وعلى قدراته العسكرية التي جعلته جيشا محترفا بأتم معنى الكلمة ودرعا قويا يحمي أمن البلاد والعباد.