في ظل تكديس وإخفاء الاسلحة الثقيلة في الأنفاق..

هل ستشعل الجماعات الارهابية فتيل الحرب ثانية في شمال سوريا؟

هل ستشعل الجماعات الارهابية فتيل الحرب ثانية في شمال سوريا؟
السبت ٠٣ نوفمبر ٢٠١٨ - ٠٩:٤٤ بتوقيت غرينتش

عدم رضوخ بعض الجماعات المسلحة لتطبيق اتفاق سوتشي في ادلب، كان ينذر بوجود نوايا مبيتة لا تقتصر على تهديد محافظة ادلب، بل انها تهدد الشمال السوري بأسره.

العالم- سوریا - تقاریر

واكتشاف القوات السورية، عدة شبكات أنفاق تحتوي على مستودعات للذخيرة والأسلحة والمعدات الثقيلة التي تشمل حتى الدبابات وراجمات الصواريخ وأجهزة الاتصال والطائرات المسيرة، تدخرها الجماعات الإرهابية، لساعة الصفر، يؤكد وجود تلك النوايا الشريرة.

فمما تم تأكيده لوسائل الإعلام ومنه وكالة اسبوتنيك الروسية، ان الجماعات الإرهابية استقدمت آليات ومعدات خاصة بحفر الأنفاق من تركيا وسخرت الكثير من المدنيين والمعتقلين لأعمال الحفر تحت رحمة السلاح، بحيث باتت الأنفاق موزعة تحت الكثير من المدن الشمالية لسوريا بما فيها بلدات كفر زيتا ولطمين الصياد والأربعين.

اما نوع الأنفاق حسب المصادر التي تمكنت من الحصول على معلوماتها فهي تقع على عمق يزيد على 25 مترا تحت الارض ويصل عرضها الى ثمانية أمتار، ما يُمكِّن الآليات الثقلية والمجنزرات بما فيها الدبابات والطائرات المسيرة من الحركة بكل حرية فيها.

هذه الاستحكامات التي تمتاز بها أنفاق الإرهابيين، تؤكد ان المعركة القادمة ستكون معركة أنفاق بإمتياز، خاصة وان تسريبات تؤكد إشراف خبراء اجانب يقومون بتدريب الجماعات الإرهابية لوضع هذه المخططات اولا وكيفية استخدامها ثانيا.

أضف الى ذلك أن الجماعات الإرهابية تمكنت في منتصف شهر ايلول الماضي من استلام خمس إسطوانات تحتوي على غاز الكلور المحظور من قياديي جماعة "النصرة الإرهابية" وبمساعدة عناصر من الخوذ البيضاء العميلة لها، ونقلتها إلى مقراتها عبر نفق بين بلدتي اللطامنة وكفر زيتا عسى ان تتمكن من فرض سيطرتها على واقع الميدان.

وفي مثل هذه الأجواء يبدو الكيان الإسرائيلي المحتل مغتاظا من وجود المستشارين الايرانيين في سوريا، ويعمل على تقليص خيارات هذا الوجود المحدود، رغم المكابرة العلنية، للقوات الاجنبية على الساحة السورية، ويحاول تهويل وعيده ومضاعفة الخطوط الحمر التي يريد فرضها قسريا على الساحة السورية بمباركة ودعم امريكي، لكن واقع الأمر يعكس شيئا آخر.

بحيث ان القاء نظرة عابرة على التطورات المتسارعة للساحة السورية تعكس مدى تخبط قادة الكيان الاسرائيلي المحتل، والهواجس التي تساورهم إزاء تنامي ظاهرة المقاومة والصمود خاصة على الساحة السورية، ما دفع رئيس قسم أبحاث الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية "درور شالوم" بالقول ان الساحة السورية، تشهد تطورين خطيرين متعاكسين، الاول جيد والثاني سيئ.

والتطور الجيد حسب "شالوم" هو تضاؤل حضور المستشارين الايرانيين في دمشق بقرار من طهران، واما التطور السيئ هو ان الايرانيين مازالوا يعززون عمليات نقل السلاح لسوريا، من أجل مواجهة عسكرية مستقبلية مع اسرائيل -على حد زعمه-.

اما تصريحات هذا الضابط الاسرائيلي لم تأت من فراغ فهو عضو في الإجتماعات الوزارية المصغرة لحكومة الاحتلال، وعلى اطلاع دقيق عن مدى الهواجس التي تعيشها قيادات الاحتلال جراء تنامي ظاهرة المقاومة التي تقف وراءها ايران حتى لو لم تكن حاضرة في الساحة.

ولطالما عبَّر قادة الكيان المحتل بدءا من رئيس وزرائه بنيامين نتنياهو، وصولا الى أدنى مستويات حكومته بأنهم يخشون توسع نمط المقاومة الايراني في المنطقة وخاصة في سوريا ولبنان، ودعوا ساسة البيت الابيض وسمساره لفرض المزيد من الضغوط والمقاطعات على ايران عسى ان ينعموا بشيئ من الأمان الذي افترضوه في مخيلتهم من خلال احتلالهم لأرض الإسراء والمعراج.

لكن الأمر يبدو لم يكن لصالحهم هذه المرة كما في المرات السابقة حيث دخلت المقاطعات الأمريكية على ايران فترتها المنشودة، وبان السراب الذي كانت تلهث وراءه واشنطن، وبات الصهاينة مذعورون أمام حقيقة اندلاع حرب شمال سوريا قد لاينجون من أبسط شراراتها.

الملفت في كل هذه التطورات هو الموقف الروسي الذي جاء بأعصاب متجمدة من الاسكيمو، ليبدد كل المخططات التي تستهوي إشعال فتيل الأزمة في شمال سوريا.

فقد شارك الروس في اجتماع القمة الثلاثية بطهران، ثم عمدوا الى الحليف التركي المتردد، وشاركوه في توقيع اتفاق سوتشي بشأن تأسيس مناطق لتخفيض حدة التوتر، ومن ثم فتح ممرات لإيصال المساعدات الإنسانية للمعوزين.

فتركيا التي فتحت صدرها لهذه الخطوة لم تكن تصدق أن الجماعات المسلحة ستنقلب عليها، وتخرج من "بيت الطاعة المطلقة"، وتختار الإستمرار في الصدام، ما جعلها تخسر اكثر الاوراق التي كانت تراهن عليها.

في مثل هذه الاجواء بات الروس مصممين على عزمهم سحق الجماعات الارهابية، لكن بعد استنفاد كل السبل الدبلوماسية، كي لايبقى من يلومهم بـ "التسرع للجوء الى العمل العسكري".

هذا الخيار الروسي جعل الحليف التركي يضغط على الجماعات الارهابية بل ويدخل معها في صدام، وحتى ان يهدد الجماعات التي كانت تواكبه وكان يسميها بالوسطية، ويحذرها من عدم الإنحياز للجماعات الإرهابية، الامر الذي زاد من مخاوف الكيان الإسرائيلي المحتل، لأنه راح يخسر كل اوراق الرهان إذا ما قررت تركيا مقارعة الإرهاب والجماعات الإرهابية حقا في تركيا.

والسؤال الذي يمكن أن يطرح نفسه هنا، ما هو سر حفر كل تلك الأنفاق وتخزين كل تلك الأسلحة والمعدات الثقيلة فيها؟

وما هو الدور الذي تراهن عليه تركيا في هذا المجال؟ وهل بإمكانها إخماد أوار فتيل الحرب إن أشعلتها الجماعات المسلحة بذريعة الحذر من أن تنال المدنيين كما فعلت من قبل، عندما كان الجيش السوري مستعدا لحسم المعركة في إدلب؟ والأيام القادمة هي التي ستكشف حقائق الأمور أكثر مما هي علي الآن.

عبدالهادي الضيغمي