وعد بلفور المشؤوم.. سرقة الوطن لا تسقط بالتقادم

وعد بلفور المشؤوم.. سرقة الوطن لا تسقط بالتقادم
السبت ٠٣ نوفمبر ٢٠١٨ - ١١:٣٣ بتوقيت غرينتش

"معظم النار من مستصغر الشرر".. قد ينطبق هذا المثل على مرور اكثر من مئة عام على مجرد رسالة بعثها وزير الخارجية البريطاني الأسبق آرثر جيمس "بلفو"ر، في 2 نوفمبر/تشرين الثاني 1917 إلى اللورد اليهودي ليونيل وولتر دي "روتشيلد"، يشير فيها إلى أن حكومته ستبذل غاية جهدها لإنشاء "وطن قومي لليهود في فلسطين".

العالم- فلسطين

نص وعد بلفور

ومنذ ارسال بلفور لرسالته لاتزال منطقة الشرق الاوسط تحترق في نيران الحروب والمكائد التي لم تنطفئ وكان نصها كالاتي: "عزيزي اللورد روتشيلد: يسرني جداً أن أبلغكم بالنيابة عن حكومة صاحب الجلالة التصريح التالي الذي ينطوي على العطف على أماني اليهود والصهيونية، وقد عرض على الوزارة وأقرته إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية".

على اثر الرسالة البلفورية أعطى الحق مسبقا لأقلية يهودية لم تكن تشكل أقل من 8% (55142) من عدد الفلسطينيين آنذاك الذين فاقوا 630 ألفا قبل عام 1914، وفق بيان نشره المركز الفلسطيني للإحصاء.

ووجد اليهود "كأقليات دينية" بأربع مدن داخل الدولة العربية "فلسطين" هي القدس وصفد وطبريا والخليل. وبلغت هذه الأقليات ذورتها عام 1948، وشكلت أقل من نصف الفلسطينيين "1.5 مليون نسمة".

اليهود قبل وعد بلفور

ولم يكن اليهود قبل الوعد المشؤوم يملكون إلا 5.5% من الأرض (1.5 مليون دونم من أكثر 26 مليون دونم للفلسطينيين)، غالبها سربته بريطانيا لهم بطرق غير قانونية مثل "أملاك الغائبين"، لتنعكس الصورة الآن ويسيطروا على أكثر من 85% من مساحة فلسطين التاريخية ويشكلون غالب سكانها.
لكن أخطر ترجمة لتصريح بلفور، هو الاعتراف باليهود شعبا له قومية، وبالتالي له الحق بأن تكون له دولة، وتجريد الفلسطينيين من حقهم القومي وفي الأرض وجعلهم "طوائف" وليس شعبا.

وفي هذا السياق قال المؤرخ  الفلسطيني جوني منصور "إن اليهود سعوا قبل بلفور لتأسيس حركة قومية بدافع ودعم من بريطانيا، وأنشؤوا مؤسسات تمكنهم من شراء الأرض، أبرزها الصندوق القومي والشركة اليهودية والصندوق التأسيسي الذي اهتم بجمع المال من يهود العالم".

ويرى خبير الخرائط والاستيطان في بيت الشرق بالقدس خليل التفكجي ان اليهود أسسوا "وطنهم القومي" قبل وعد بلفور بـ"التدرّج"، فأنشؤوا إبان الحكم العثماني أول مستعمرة (منتفيوري) بالقدس عام 1860، ثم بدؤوا بترسيم حدود دولتهم عبر المستعمرات، ولذلك دمروا مستعمرات داخل المدن العربية وجعلوها خارجها للسيطرة على مزيد من الأرض.

دور عصبة الامم في ترسيخ الاحتلال لفلسطين

في اعقاب نهاية الحرب العالمية الأولى وبموجب معاهدة فرساي التي 1919 نشات عصبة الامم لكن هذه العصبة فشلت في إقامة نظام دولي جديد يقوم على العدالة وضمان السلم والأمن الدوليين ولم تعمر طويلاً فانتهى أمرها بعد نهاية الحرب العالمية الثانية. على العموم كان اخطر قرار اتخذته عصبة الامم إنشاء "لجنة الانتداب الدائمة". هذا الانتداب فرض الاحتلال على الأراضي العربية التي كانت تحت الحكم العثماني وكان  يتناقض مع ما تم الاتفاق عليه في المراسلات التي جرت بين الحسين بن علي شريف مكة والسير هنري مكماهون الذي وعد بمنح العرب استقلالهم بعد نهاية الحرب العالمية. وعلى العموم كان الانتداب يستهدف فلسطين، دون بقية الأقطار العربية، حيث قامت الصهيونية بتنفيذ خطتها بتعزيز الهجرة والاستيطان تحت حماية ورعاية وقوة سلاح "الدولة المنتدبة".

وفي هذا السياق يقول المحلون ان الدعم الغربي ممثلا ببريطانيا -التي استغلت انتدابها على فلسطين لصالح اليهود-  لم يقتصر على المال، بل "في التفكير والتخطيط" لزيادة أعدادهم التي تنامت عبر هجرات عدة بين الحربين العالميتين الأولى والثانية.

1948 نقطة عطف في القضية الفلسطينية

وتتوالى الاحداث والتصرفات الصهيونية الى ان يصل يوم  الــ15 من مايو / أيار عام 1948 الذي يعد يوما استثنائيا بالنسبة للفلسطينيين والعرب عموما. فقد شهد ثلاثة أحداث كبرى هي: زوال اسم فلسطين عن الخارطة السياسية والجغرافية، قيام دولة إسرائيل، بدء الحرب العربية الإسرائيلية الأولى.
في هذا اليوم انسحبت قوات الاحتلال البريطاني من الاراضي الفلسطينية واعلنت قيام دولة ما يسمى بـ" اسرائيل"، ورغم أن التشريد والتهجير بدأ قبل إعلان قيام الكيان الاسرائيلي، فإن الحرب العربية -الإسرائيلية عام 1948، التي نشبت لاستعادة الاراضي المغتصبة أدت إلى نزوح داخلي وخارجي واسع النطاق حيث تم تهجير أكثر من 700 ألف فلسطيني، فضلاً عن تدمير مئات من القرى الفلسطينية.

ويتوزع الفلسطينيون، الذين يزيد عددهم حاليا على 12 مليون نسمة بين الأردن ولبنان وسوريا والأراضي الفلسطينية (الضفة الغربية وقطاع غزة)، فضلا عن الفلسطينيين الذين ظلوا داخل الخط الأخضر.

وفي نفس العام اصدرت الجمعية العامة التابعة للامم المتحدة قرارا رقم 194 طالب بعودة اللاجئين الفلسطينيين لاراضيهم ونص القرار الصادر بتاريخ 11/12/1948 على إنشاء لجنة توفيق تابعة للأمم المتحدة وتقرير وضع القدس في نظام دولي دائم وتقرير حق اللاجئين في العودة إلى ديارهم في سبيل تعديل الأوضاع بحيث تؤدي إلى تحقيق السلام في فلسطين في المستقبل، لكن لم يتحقق اي شيئ من هذا القرار الذي اطاح به الكيان الاسرائيلي بدهم غربي واميركي مرات عديدة.  

تداعيات نكبة 1948

وبعد النكبة عام 1948 وتهجير أكثر من 800 ألف فلسطيني من قراهم ومدنهم، ظل العامل الديمغرافي "أكثر ما يؤرق اليهود".وعمل الكيان الإسرائيلي عقب احتلالها للضفة الغربية عام 1967 على تشييد المستوطنات ثم الانسحاب من قطاع غزة عام 2005 ومحاصرته "لذات السبب الديمغرافي"، وبهذا تخلصت من مليوني فلسطيني.

ثم ما لبث أن قسمت ما تبقى من "فلسطين التاريخية" المقدرة مساحتها بـ22% (الضفة الغربية والقدس وغزة) لمناطق "أي" و"بي" و"سي" عبر اتفاق أوسلو، ووضعت يدها على كامل مناطق "سي" (62%) وأخضعت "بي" لسيطرتها الأمنية، بينما تُضيِّق الخناق على مناطق "أي".

ويلفت التفكجي إلى أن سياسة إسرائيل الاستيطانية قامت على "التطويق والاختراق والتفتيت"، في محاولة لتهجير الفلسطينيين وعزلهم بأماكن وجودهم بالضفة والقدس بتشييدها 160 مستوطنة و116 بؤرة استيطانية يقطنها ما يزيد على 700 ألف يهودي.

هذا وقال خبير الخرائط والاستيطان في بيت الشرق بالقدس خليل التفكجي: لم يتبخر حلم الفلسطينيين بإقامة دولة لهم فحسب، بل "تبخروا" هم أنفسهم بفعل وعد بلفور، الذي اعتبر أيضا أن أعدادهم تراجعت لستة ملايين نسمة يوزعون على أربع مناطق هي الضفة الغربية وغزة والقدس والداخل الفلسطيني وبالكاد يسيطرون على "8%" من أرضهم، بينما ينعم أكثر من ثمانية ملايين يهودي بما تبقى من الأرض.

وتمر السنوات وتدخل قوات الاحتلال الاسرائيلي القدس وتحتلها عام 1967 ويتوالى الصراع العربي الاسرائيلي الذي يمر بالانتفاضات الثلاث وبينهما اتفاقية اوسلو التي اعطت للكيان الاسرائيلي صبغة شرعية لااساس لها، كما لاننسى العدوان الاسرائيلي المستمر على غزة و الاراضي الفلسطينة و ينتهي بالقضية المطاف انه في عهد الرئيس الاميركي الصهيوني الهوى يقر بالقدس عاصمة للكيان المغتصب وينقل سفارته من تل ابيب الى القدس تحت مسمع ومراى العالم وخاصة الدول العربية. ثم الان يقر الكيان الإسرائيلي بمبدا "يهودية الدولة" لتاكيد أن ذاك "الوطن القومي" الذي أراده بلفور قبل 101 عام صار أمرا واقعا.

وبالرغم من كل هذا المشهد السوداوي الا ان الشعب الفلسطيني يواصل نضاله امام المحتل الاسرائيلي، ففي المسيرات التي يقيمها هذا الشعب كل جمعة كانت مسيرات الامس لها طابع خاص والرسالة التي اكد عليها الفلسطينيون هو انه في الذكرى الاولى بعد المئة من وعد بلفور المشؤوم لايزالون يطالبون بحقهم رغم ما يعانوه من حصار واحتلال ورغم الممارسات الاحتلالية التهويدية والاستيطانية على اراضيهم. وعلى اثر مسيرات الامس اندلعت اشتباكات بين الفلسطينيين وجنود الاحتلال اسفر عن جرح العشرات من الفلسطينيين.

وفي هذا السياق صرح الامين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية مصطفى البرغوثي، لمراسلة العالم: "ان المقاومة الشعبية سواء كانت في المزرعة الغربية او في الخان الاحمر او كفر قدوم او قطاع غزة، مقاومة واحدة موحدة من اجل شعبنا وارضنا، وفي يوم وعد بلفور نحن نؤكد اننا سنفشل نتائج هذا الوعد بنضالنا ومقاومتنا الشعبية".

الغريب وبعد هذه العقود التي مرت تحت وطاة الحرب والنيران يسعى بعض القادة العرب الى التطبيع مع كيان الاحتلال متناسين التاريخ النضالي للشعب الفلسطيني ودعم الشعوب العربية لهم التي ترفض هذا التطبيع. هؤلاء القادة يظنون ان بامكانهم الحفاظ على عروشهم عبر تطبيعهم وتمرير هم لأجندات الاحتلال، لكنهم يبدو يصارعون طواحين الهواء فكلما ازداد الجرح في العمر وتعمق كلما زاد اصرار الجريح في اخذ الثار من ظالميه.. هذا هو مصير كل قضية عادلة وهذه هي سنة الحياة. فلا يضيع حق ورائه مطالب ابدا مهما طال الزمان.