العقوبات الترامبية.. داء بلا دواء لامريكا المدمنة على الحظر

العقوبات الترامبية.. داء بلا دواء لامريكا المدمنة على الحظر
السبت ٠٣ نوفمبر ٢٠١٨ - ٠٦:٢٣ بتوقيت غرينتش

أكد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف مرارا، أن أمريكا تعاني مرض الإدمان على فرض الحظر، والذي لم يقتصر على حكومة الرئيس الحالي دونالد ترامب، بل كان أيضًا في أيام ولاية سلفه باراك أوباما، الذي كان يؤكد دوما على الحظر بدل تأكيده على الحوافز. إذاً يطرح هذا السؤال: ما هو السبب وراء هذا التصريح؟

العالم-التقارير

امريكا اعلنت انها ستقوم باعادة فرض الحظر علی ايران اعتبارا من يوم الاثنين القادم. ويطال الحظر الامريكي بشكل معظم قطاع النفط الايراني والتبادل التجاري مع ايران علی صعيد الشركات والاشخاص.

الحظر الجديد ضد جمهورية الإسلامية الإيرانية يشكل جزءا متكاملا لنهج تتتبعه أمريكا منذ عقود طويلة تجاه الدول المختلفة حيث أصبح الحظر وفرض الحضار سياسة أمريكية معتادة تجاه البلدان التي لديها نظرة أخرى تعارض النظرة الامريكية في القضايا الدولية.

والحظر الامريكي لا يطال قطاع التجارة او الطاقة لكي يؤثر على الصناعة فقط، وانما يمتد لكي يشمل المجالات الاخرى ويؤثر على الأفراد ايضا، وأكد ظريف لعدة مرات على مرض إدمان الحظر عند أمريكا مشيرا "أعتقد أن هناك مرضا في الولايات المتحدة، وهذا المرض هو إدمان الحظر، حتى في عهد إدارة أوباما، شددت الولايات المتحدة الحظر الذي لم ترفعه بدلا من تنفيذ تعهداتها بالنسبة للحظر الذي رفعته".

وفي ما يلي نستعرض بعض العقوبات التي فرضتها أمريكا على الدول الاخرى بذرائع مختلفة بسبب معارضة الدول للسياسات الاحادية التي تحاول واشنطن إملاءها على هذه الدول.

روسيا

وكانت قضية العقوبات الأمريكية ضد روسيا قد عادت إلى الواجهة في عام 2012، عندما تبنى الكونغرس الأمريكي "قانون ماغنيتسكي" الذي ألغى "تعديل جاكسون-فينيك"  بصفته آخر عنصر من العقوبات الأمريكية القديمة ضد الاتحاد السوفيتي، وحلت محله عقوبات جديدة تماما ضد مسؤولين روس اتهمتهم واشنطن بالتورط في انتهاكات لحقوق الإنسان.

ومع اندلاع الأزمة الأوكرانية في عام 2014، انطلقت دوامة العقوبات الأمريكية بثقلها الكامل، إذ انتقلت واشنطن من استهداف مسؤولين منفردين إلى إجراءات اقتصادية واقعية، بل وأجبرت الاتحاد الأوروبي وبعض حلفائها الآخرين على حذو نهجها.

وكان أساس العقوبات هو المراسيم التنفيذية للرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، والقوانين التي تم تبنيها في العام نفسه "بشأن دعم السيادة والديمقراطية والاستقرار الاقتصادي في أوكرانيا" و"دعم حرية أوكرانيا". وفقا لهذا، تم اعتماد نظام متعدد المستويات من العقوبات ضد روسيا.

وشملت العقوبات الشخصية قيود على التأشيرة وحجب الممتلكات وإيقاف الحسابات البنكية للأفراد والشركات المدرجة على القائمة السوداء، ويحظر على المواطنين والشركات الأمريكية الاحتفاظ بعلاقات تجارية معهم.

وأثرت العقوبات الأمريكية على القطاعات الرئيسية في الاقتصاد الروسي مثل القطاعات المالية والطاقة والدفاع والتعدين

وتشمل هذه العقوبات، فرض القيود على تقديم القروض وخدمات الاستثمار، وفرض حظر على توريد الأسلحة والمعدات العسكرية والتقنيات ذات الاستخدام المزدوج، فضلا عن المعدات والتقنيات ذات التقنية العالية (على وجه الخصوص، لاستخدامها في مشاريع التنقيب وإنتاج النفط في أعماق البحار).

تحظر عقوبات القرم استيراد أو تصدير السلع أو الخدمات أو التكنولوجيا من وإلى شبه جزيرة القرم، بالإضافة إلى الاستثمارات في هذه المنطقة من قبل المواطنين الأمريكيين.

لكن الحزمة الأخيرة من العقوبات التي صادق عليها الكونغرس الأمريكي في أواخر الشهر يوليو الماضي، تخرج بعيدا عن الأطر المنسقة مع الاتحاد الأوروبي، وتتجه لاستهداف مشاريع مشتركة روسية أوروبية في مجال الطاقة، ولاسيما مشروع "السيل الشمالي 2"، إضافة إلى تشديد العقوبات ضد المؤسسات المالية المستهدفة، وإضفاء طابع القانون على عقوبات سبق للرئيس الأمريكي أن فرضها ضد موسكو بأوامر تنفيذية.

كوريا الشمالية

تعد العقوبات الأمريكية ضد كوريا الشمالية الأقدم من القيود التجارية التي تمارسها واشنطن حتى الآن، تدهورت العلاقات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية نتيجة للحرب الباردة، وأيضاً بعد الحرب الكورية على شبه الجزيرة الكورية.

ففي عام 1950، فرضت الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية ضد كوريا الشمالية.

وتم تشديد العقوبات تدريجيا، لا سيما وأن البلاد كانت تطور أسلحة نووية، فضلا عن تهديدات ضد الولايات المتحدة والدول الصديقة لها.

في مارس 2016، أصدرت الولايات المتحدة عقوبات جديدة ضد كوريا الشمالية بعد اتهام البلاد بتنظيم هجمات سيبرانية على شركة " Sony Pictures".

كوبا

ظهرت العقوبات الأمريكية الأولى ضد كوبا في عام 1960 أثناء الحرب الباردة، وذلك بسبب دعمها للاتحاد السوفييتي.

هذه العقوبات كانت بسبب أن الدولة قامت بتأميم العديد من الشركات الخاصة التي تخص الأمريكيين. وعلى الرغم من أن الدولتان تحافظان على علاقات دبلوماسية، لا يزال هناك توتر بينهما.

حتى الآن، هناك قيود على ممارسة الأعمال التجارية بين الولايات المتحدة وكوبا. هذا وفي ظل حكم باراك أوباما، حدث انفراج في العلاقات بين البلدين، لكنه لا يزال بعيدًا عن التعافي الكامل.

حيث ذلك، في يونيو/حزيران الماضي، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن تشديد الموقف الأمريكي من كوبا مجددا، وذلك بعد أن بدأت إدارة أوباما بتطبيع العلاقات ورفض العقوبات الاقتصادية المفروضة منذ عام 1962. لكن حتى الآن، اقتصرت الخطوات الفعلية لإدارة ترامب على تقييد الحركة السياحية الأمريكية إلى الجزيرة.

سوريا

تعود العقوبات الأمريكية ضد سوريا إلى عام 1986، عندما اتهمت واشنطن دمشق بدعم الإرهاب. وجددت العقوبات في عام 2003 من قبل إدارة جورج بوش الابن، وطالبت دمشق بـ"وقف دعم الإرهاب، والكف عن احتلال لبنان، والتوقف عن تطوير أسلحة دمار شامل، وتهريب الأسلحة إلى العراق" على حد زعمها.

وبعد عام 2011، جاءت العقوبات الأمريكية بحلة جديدة، بذريعة انتهاكات حقوق الإنسان في سياق الازمة السورية. لكن هذه العقوبات، بالتنسيق مع العقوبات الأمريكية، تلحق ضررا كبيرا بالاقتصاد السوري وتحول دون تعافيه رغم تهدئة الوضع الميداني في البلاد بشكل كبير.

وتم فرض العديد من العقوبات ضد المواطنين السوريين، وكذلك ضد الشركات السورية، التي تتهمها أمريكا بالإرهاب والفساد.

لا يُسمح للمواطنين الأمريكيين بالمشاركة في تجارة الوقود مع سوريا، وكذلك الاستثمار في سوريا.

الصين

ويعود نهج العقوبات الأمريكية ضد بكين إلى عام 1989، إذ فرضت ردا على أحداث ميدان تيانانمن. وحاولت واشنطن عزل الصين بشكل شامل عن طريق التجميد الكامل للعلاقات وعقوبات اقتصادية ضارة. لكن في عام 1993 تراجعت الولايات المتحدة عن هذه السياسة وبدأت العمل على تطبيع العلاقات مع بكين.

لكن في سبتمبر/ أيلول 2018قررت الولايات المتحدة فرض عقوبات على الجيش الصيني إثر شرائه أسلحة من روسيا، وهو ما أثار ردود فعل غاضبة في بكين.

وجاءت العقوبات الأمريكية عقب شراء الصين مقاتلات سوخوي وصواريخ أرض جو (إس 400) من روسيا.

السودان

أصبحت العلاقات بين الولايات المتحدة والسودان متوترة بعد أن اتهمت الولايات المتحدة السودان بدعم ما اسمته المنظمات الإرهابية.

وفي عام 1993، أعلنت الولايات المتحدة أن السودان يدعم الإرهاب. بعد ذلك، وفرضت العقوبات على الخرطوم للمرة الأولى في عام 1997 عندما استضاف السودان هاربين، من بينهم زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن.

وفُرضت حزمة أخرى من العقوبات في عام 2006 ردا على العمليات العسكرية السودانية في منطقة دارفور.فرضت الولايات المتحدة عقوبات على البلاد في مجال التجارة والقطاع المالي، فضلا عن العقوبات الاقتصادية.

كما تم اتباع العقوبات بدعوى دعم السودان لغزو العراق للكويت، والمشاركة في المؤتمر الإسلامي العربي، ومنح اللجوء للإرهابيين الدوليين ولجأت الولايات المتحدة إلى أنواع عديدة من العقوبات كحل من أجل الضغط على حكومة السودان، وقد تنوعت العقوبات بين الدبلوماسية. فقد حرم السودان من الاستفادة من المعونات وتمويلات الصناديق الدولية والتعامل مع الشركات الصناعية العالمية مما أثر سلبًا على كثير من الصناعات السودانية المحلية.

رفعت الولايات المتحدة غالبية العقوبات الاقتصادية والتجارية المفروضة على السودان منذ أكثر من 20 عاما في أكتوبر 2017.

بيلاروسيا (روسيا البيضاء)

تبنت الولايات المتحدة في عام 2004  "قانون الديمقراطية في بيلاروسيا" الذي طالب فيه المشرعون بإبلاغهم عن توريد الأسلحة والتكنولوجيا إلى بيلاروسيا.

واشتد العقوبات بشكل مستمر، حيث في عام 2011، تم تقييد عدد من الرحلات، وتم تجميد الأصول. ومن بين الأشخاص المستهدفين رئيس بيلاروسيا، ألكسندر لوكاشينكو، وأبنائه فيكتور ودميتري، بالإضافة إلى صحفيين ومسؤولين ومدعين عامين وقضاة.

بورما

فرضت الولايات المتحدة عقوبات ضد بورما في عام 1997، حيث منعت الشركات الأمريكية من الاستثمار في هذا البلد، ومنع أعضاء المجلس العسكري من دخول الولايات المتحدة.

وتم تشديد العقوبات في عام 2003. فقد تم حظر الاستيراد من بورما بشكل كامل، وتم تجميد أصول الحكومة في الولايات المتحدة.

كوت ديفوار

فرضت الولايات المتحدة في عام 2011  عقوبات على رئيس كوت ديفوار، لوران غباغبو، وزوجته وأنصاره، لأن السلطات الأمريكية لم يعجبها إلغاء الانتخابات في بعض مدن البلاد. نتيجة لذلك، تم اختيار غباغبو لفترة رئاسية ثانية.

وتم تجميد أصول الأشخاص الذين وجهت إليهم العقوبات كما تم فرض حظر على دخولهم للولايات المتحدة.

جمهورية الكونغو الديمقراطية

تم فرض العقوبات ضد جمهورية الكونغو الديمقراطية في عام 2006، ثم تم تمديدها عدة مرات.

وقال مارجو فالستروم، مبعوث الأمم المتحدة الخاص، في عام 2010 إن القوات الحكومية لجمهورية الكونغو الديمقراطية ربما تكون مذنبة بالاغتصاب والقتل.

ليبيا

فرضت الولايات المتحدة في عام 2011 عقوبات تجارية ومالية ضد ليبيا. حيث تم حظر العديد من البنوك والشركات من ممارسة الأعمال التجارية في الولايات المتحدة.

وقد تم فرض العقوبات لمواجهة نظام معمر القذافي، ولكن بناء على طلب الحكومة الجديدة تم رفعها.

كما وقعت الولايات المتحدة اتفاقية تجارة واستثمار مع ليبيا كجزء من استئناف العلاقات الاقتصادية بعد فترة انقطاع طويلة.

تركيا

فرضت الولايات المتحدة عقوبات على وزيري العدل والأمن الداخلي التركيين، في اوت 2018 ، ردًا على رفض أنقرة إطلاق سراح القس الأمريكي أندرو برونسون، الذي كان يخضع للإقامة الجبرية في منزله بتركيا و تم إطلاق سراحه لاحقا.

في النهاية...

وفي العودة إلى قضية فرض الحظر الامريكي على إيران، فإن المحللين يرون بان الحظر الذي يفرض اليوم يختلف عن عام 2012، حيث تحاول إدارة ترامب هذه المرة فرض سياسة على العالم أجمع لا تريدها غالبية الدوّل، وخير دليل على ذلك البيان الاخير للاتحاد الاوروبي والذي اعرب فيه عن اسفه لعودة الحظر الاميركي على ايران فضلا عن اطلاقه في مايو الماضي عملية معروفة بـ"قانون التعطيل"، من أجل الحد من تأثير الحظر الأميركي على الشركات الأوروبية التي تريد الاستثمار في إيران، بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي. ولو اضفنا الموقفين الروسي والصيني ورفضهما الامتثال للحظر الاحادي الاميركي منذ البداية جملة وتفصيلا، فان الامر سيصبح اكثر وضوحا.

ويرى المحللون ان آمال سمسار الادارة الاميركية الذي يطمح مجددا الى جني ثمار شجرة الحظر على ايران ستبوء بالفشل هذه المرة ايضا. ايران التي تتعرض منذ 40 عاما لاجراءات حظر وصفت بعضها بالمشلة، عصية على الحظر وستخرج منه مرفوعة الراس كما في سابقاته بفضل حكمة قيادتها واعتمادها على قدراتها الذاتية.