بن سلمان وخبر كان

بن سلمان وخبر كان
الخميس ٠٨ نوفمبر ٢٠١٨ - ٠٥:٤٢ بتوقيت غرينتش

رفع الامير السعودي محمد بن سلمان سقف التوقعات بعد توليه ولاية العهد متقدما على اثنين من اعمامه المستحقين للولاية، وذلك بسبب ما تعهد به من اصلاحات سياسية واقتصادية وحتى دينية ووضع العام ٢٠٣٠ موعدا لتحقيق التزاماته لنقل مملكته من حال الى حال. ومع هذا السقف المرتفع، بكل تأكيد، ستكون اخفاقاته واخطاؤه مراقبة وملحوظة ومرصودة. الأمير الشاب كثرت نكساته، وتجاوزت ارتداداتها على شخصه، لتضع مصير مملكته على حافة المجهول.

وخلال أربعة اعوام من بعد توليه العهد، تم تصنيمه من قبل الاعلام السعودي على انه إله الإصلاح الذي سينتشل مملكته من التخلف السياسي والديني واقتصاد النفط ويضعها في مصاف دول إقليمية كبرى مثل إيران وتركية. لكن حسابات بن سلمان وضعف خبرته وغروره بفائض النفط والمال، وشرائه لذمة رجل العقارات في البيت الأبيض الأميركي، جعلته يتعثر بتهوره في التعامل مع أزمات المنطقة وكانت اول مغامرة هي شن حرب شاملة على اليمن والتي اصبحت فضيحة تحرج حلفاءه اشد الحرج بما سببته من كوارث إنسانية راح ويروح ضحيتها ملايين الأطفال والنساء والشيوخ.

ومع تراكم اخطاء الامير الشاب وصنم الاعلام السعودي في الإصلاح، كانت جريمة اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول، وما تحدثت عنه التقارير والتحقيقات من فظاعات ووحشية في قتل خاشقجي، ضربة موجعة للمملكة السعودية جعلتها في مهب الريح ووضعت المملكة بين خيار التضحية بوجودها او التضحية بولي عهدها الذي تشير أصابع الاتهام الى دوره  في اصدار قرار تصفية خاشقجي.

ورغم ان بن سلمان اقدم على اعفاء اقرب المقربين اليه من منصبيهما على خلفية تورطهما في قتل خاشقجي وهما احمد العسيري وسعود القحطاني، الا ان التحقيقات والتحليلات تكشف ان الرجلين لا يمكن ان يصدر عنهما قرار تصفية خاشقجي، بغض النظر عن الطريقة، دون الحصول على ضوء اخصر واضح وجلي من قبل سيدهما بن سلمان الذي يملك كل مفاتيح القرار، سياسيا واقتصاديا وامنيا واجتماعيا وحتى ثقافيا بل في كل مناحي الحياة حتى على مستوى اقامة الحفلات الغنائية ودور السينما.

بن سلمان لم ينف، على الاقل بشكل مباشر ولحد الآن، التهمة عن تورطه في قرار نصب الفخ لخاشقجي باستدراجه الى قنصلية إسطنبول لاعادته الى الرياض لعرض عودته على انها نصر له ولسياسته الإصلاحية. رغم أن ولي العهد الشاب أدان طريقة قتل خاشقجي واعتبرها مؤلمة وغير مقبولة أبدا لكن ذلك قد لا ينفي ان قرار الاستدراج والاعادة الى الرياض كان قراره وبالتالي عليه ان يعترف اعترافا كاملا غير منقوص وبخلاف ذلك ستبقى قضية خاشقجي مفتوحة وتنتظر اعترافا رسميا سعوديا بالمسؤولية عن القتل الشنيع لان كل الاعترافات الاخرى تبقى ناقصة.

ربما يستطيع بن سلمان شراء السكوت على الاعتراف الناقص وغلق القضية لكن عليه ان يقدم تنازلات مؤلمة لرجل العقارات في الأبيض وهو يواجه ضغوطا كبيرة لتأنيب السعودية على فعلها المدان، وكذلك تنازلات لصاحب القرار التركي الذي وقعت الجريمة على أرضه وهو يعاني من حرب سعودية ضد بيئته العربية المتمثلة بالإخوان المسلمين وينتظر مكاسب في الشمال السوري، وكذلك عليه ان يرضي قطر الذي اعتبرها في يوم من الأيام، صغيرة جدا جدا جدا لكنها كانت أكبر من كل اعلامه في تكبير قضية خاشقجي عربيا وعالميا.

كل هذه التنازلات في حال قدمها بن سلمان، فإنه يكون قد انقذ نفسه من اعتراف بالمسؤولية عن مقتل خاشقجي لكنه سيذعن ويقر بفشل، كل سياساته الخارجية والداخلية وسيكون مجبورا على قبول سيناريوهات سيده الأميركي للخروج من مستنقع اليمن والاعتذار لقطر، أو الخضوع للإرادة التركية او انه سيجعل مستقبله السياسي في خبر كان، او ان تدخل مملكته في قصص كان يا ما كان في قديم الايام والزمان، كان امير اسمه بن سلمان، اراد ان يقتل سرا إنسان، وسمعت بما فعل كل الآذان، وعلمت بذلك كل الأوطان، فهل يصبح في حكم المجهول ملك ابيه سلمان؟

احمد المقدادي