صورة ذابت مع جثة خاشقجي!

صورة ذابت مع جثة خاشقجي!
الخميس ٠٨ نوفمبر ٢٠١٨ - ٠٧:٣٢ بتوقيت غرينتش

مضى اكثر من شهر ولا يزال الغموض هو سيد الموقف في بعض جوانب جريمة قتل الصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي الذي تمت تصفيته على يد فريق اغتيال سعودي داخل قنصلية بلاده باسطنبول التركية في الثاني من اكتوبر الفائت.

العالم - تقارير

وفي تطور ملفت على صعيد الأزمة القائمة، أكد مصدر في النيابة العامة التركية أن جثة خاشقجي تمت إذابتها بالكامل بواسطة أحماض كيميائية فور مقتله قبل اكثر من شهر.

وأضاف المصدر التركي عن العثور على بقايا مواد كيميائية خاصة في بئر ببيت القنصل السعودي ومن قنوات الصرف الصحي في المنطقة.

وحول كيفية هذه العملية قال المصدر بأن الأشخاص الذين قاموا بقتل خاشقجي داخل القنصلية السعودية أذابوا الجثة بالأحماض داخل إحدى غرف منزل القنصل السعودي الشهر الماضي.

تطورات قتل خاشقجي.. من النفي الى الاعتراف ثم التذويب

هذه التصريحات تأتي ضمن حرب إعلامية شرسة وقعت بين تركيا والسعودية منذ الاعلان عن إختفاء الصحفي السعودي جمال خاشقجي في أسطنبول إذ أكدت السلطات التركية عقب الحادث بأنهم سيتابعون ملف إختفاء خاشقجي لمعرفة مصيره الغامض بعد ان دخل الى القنصلية السعودية من دون ان يسجل اي خروج له.

في سياق متصل رد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، "الملك الحقيقي" في السعودية على سؤال لوكالة بلومبيرغ حول مصير خاشقجي قائلاً بأنه غادر القنصلية بعد دقائق من دخولها ليأتي بعد كلامه بيان سعودي يتبنى رسمياً مقتل خاشقجي إثر "شجار" مع "من قابلهم" في القنصلية من دون الادلاء بأي توضيح آخر.

البيان السعودي أكد اعتقال 18 شخصاً من الذين شاركوا في جريمة قتل الصحفي جمال خاشقجي بينهم سعود القحطاني مستشار الديوان الملكي ومن أقرب الشخصيات الى بن سلمان حيث سبق أن اعلن بأنه "موظف" لأوامر الملك وولي العهد إضافة الى تقرير واشنطن بوست الذي أشار الى إستدراج خاشقجي الى تركيا بأمر من محمد بن سلمان.

الوضع اصبح اكثر صعوبة لمحمد بن سلمان عندما نشرت وسائل الإعلام التركية صور 15 سعودياً دخلوا الى القنصلية السعودية قبل مجيئ خاشقجي بساعات لتنشر صورة ماهر مطرب احد أعضاء فريق محمد بن سلمان الأمني الذي كان يرافقه في معظم زياراته الخارجية وكان يتولى مسؤولية أمن ولي العهد في تلك الزيارات.

هذه التسريبات التي بدأت وسائل الإعلام الغربية بنشرها نسفت صورة بن سلمان حيث لم يعد لرجل مكانة حتى بين أصدقائه الأوروبيين والأمريكيين الذين الغوا رحلاتهم الى مؤتمر الإستثمار السعودي (دافوس الصحراء) عقب مقتل خاشقجي.. لكن ما هي طبيعة صورة بن سلمان في الغرب وكيف نسفتها جريمة مقتل خاشقجي؟!

وفي أحدث تصريحات لمسؤولين اتراك حول مكان جثة خاشقجي طالبت النيابة العامة التركية بفتح التحقيق حول "التخلص من جثة خاشقجي عببر تذوبيها" بعد أن كشف مسؤول تركي رفيع المستوى عن إرسال السعودية خبراء في مجال السموم والكيمياء لإخفاء أدلة مقتل خاشقجي قبل تفتيش القنصلية السعودية من قبل السلطات التركية.

والقضية لم تنته عند هذا الحد بل وجه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أصابع الإتهام الى القيادة السعودية من أعلى مستويات حيث قال في مقال له في صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية: "نعلم أن الأمر بقتل خاشقجي جاء من أعلى مستويات في الحكومة السعودية".

رجل الاصلاح.. من السماح للنساء بقيادة السيارة الى حفلات الغناء

منذ توليه منصب ولاية العهد قبل عام 2017 أي بعد إنقلاب خفي على ابن عمه محمد بن نايف ولي العهد السابق، بذل محمد بن سلمان اقصى جهوده لرسم صورة قوية لنفسه في الإعلام الغربي والاوساط السياسية الغربية ليوفر بذلك الارضية للتربع على العرش بعد التخلص من والده.

وقد زار بن سلمان عواصم أوروبية عدة إضافة الى الولايات المتحدة حيث التقى بشركات عالمية في مجال التقنية والإعلام ناهيك عن البدء بمشاريع علمية وإقتصادية تشبه بـ"أحلام صبيانبة" مثل رؤية السعودية 2030 اضافة الى مشروع مدينة "نيوم" حيث اراد بن سلمان ان يوصل نفسه الى أعلى مستويات في العالم خلال سنوات قليلة! الأمر الذي لم ولن يتحقق في ظل الاوضاع التي تعيشها السعودية حاليا.

أما الوجه الآخر لمحمد بن سلمان يعود الى المجتمع السعودي الذي يعيش سنوات طويلة تحت سياسة قاسية تقيد حرية الأشخاص خاصة النساء اللاتي يشكلن جزءً كبيراً من المجتمع. دخل محمد بن سلمان في الساحة الاجتماعية من منطلق الإصلاح والإنفتاح مخدعا أبناء الشعب حيث سمح بقيادة السيارة للنساء فضلاً عن إدخال حفلات الغناء وعرض الأفلام الهوليودية في صالونات السينما في أنحاء السعودية ليقدم نفسه بأنه رجل "الإصلاح و الإنفتاح" ويعشق "العلم و التقدم" في الوقت الذي قام بحملة إعتقالات واسعة ادت الى سجن عشرات من معارضي نهجه الذي وصفه بـ"الاصلاحي".

رسم هذه الصورة "الليبرالية" من ولي العهد السعودي لم يكن مجاناً للرجل الذي حاول التربع على العرش من خلال دحس الآخرين حيث عمد الى سجن عشرات الناشطين والناشطات بتهم أمنية والتخابر مع جهاز أمنية خارجية ثم الإطاحة بمعارضيه في العائلة الحاكمة التي اشتهرت بقضية فندق "الريتز كارلتون" الى سجن كبار رجال الدين السعودي الذين كانت لديهم ملاحظات على طريق "الإنفتاح" الذي كان بصدد تطبيقه للتربع على عرش السلطة فضلا عن شن العدوان على اليمن جار السعودية الفقير بأقسى حرب عرفها عصرنا.

الإعتقالات في السعودية والمجازر التي كانت ترتكب في اليمن بإشراف محمد بن سلمان الشخصي شوهت صورته في الإعلام الغربي الا انه تمكن من دفع مخططاته الى الامام في ظل الدعم الذي كان يحظى به من قبل صقور البيت الابيض وعلى راسهم صهر الرئيس الأمريكي "جارد كوشنر" حيث كان ومازال يعتبر بن سلمان الرجل "المناسب" لدفع المنطقة الى بر الامان الا ان الغرب وأمريكا ومن خلال هذا الدعم يحاولون عقد صفقات مع النظام السعودي ليجلبوا من خلالها مالا وفيرا لهم.

الصورة التي تذوب مع جثة الصحفي المعارض جمال خاشقجي!

التصریحات الترکیة التي صدرت هذه الايام رمت بن سلمان بكل جبروته وحولت صورته المصطنعة بالدولارات النفطية الى برميل من الاحماض ذابت فيه جثة جمال خاشقجي! وهي بمثابة سيل عظيم قد يجرف على طريقه بن سلمان وأحلامه لاعتلاء العرش حيث لا يمكن لأحد اليوم ان ينقذ بن سلمان ويعيده ما خسره في أزمة خاشقجي. فلا يمكن للرجل "المعتوه" بعد الان التفكير بالعرش في ظل الفضيحة العالمية الكبرى التي قلت نظيرها في العالم من جهة فظيعة المخطط وملابساته!

ربما يستطيع بن سلمان ان يغلق عيون العالم امام مجازره اليومية البشعة في اليمن، او قد يتمكن من الهروب من قبضة أردوغان بعد الاتهامات بتمويله للانقلاب الفاشل في تركيا عام 2016، او ربما يفلت من الاتهامات التي تلاحقه بشأن وقوفه وراء قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران وجارتها قطر تحت غطاء عربي وغربي "أخرس" قبل أن يدخل العراك السياسي مع كندا على خلفية أزمة الحقوق الإنسان في السعودية، لكن على ما يبدو فان هذه المرة قد أوقع نفسه داخل حفرة عميقة لا يستطيع الخروج منها حتى بفضل الدولارات التي دفعها ولا يزال لترامب التاجر!