سوريا ترسم ملامح النصر؛ في ظل الخروقات والتمدد التركي

سوريا ترسم ملامح النصر؛ في ظل الخروقات والتمدد التركي
الإثنين ١٢ نوفمبر ٢٠١٨ - ١٠:٤٩ بتوقيت غرينتش

بعد عشرة أيام من الهدنة الهشة التي كانت حصيلة اتفاق سوتشي التي لم تلتزم به بعض الجماعات الإرهابية في ادلب، إستأنفت قوات ما يسمى بـ"قوات سوريا الديموقراطية" عملياتها العسكرية ضد جماعة "داعش" في شرق الفرات، ردا على القصف التركي لمناطقها في الشمال السوري. وقد أكدت هذه القوات أن إستئناف المواجهات جاء نتيجة الأتصالات المكثفة بين قياداتها والتحالف -غير الشرعي- الذي تقوده امريكا ضد سوريا، وانها عزمت على الإستمرار بالمواجهة حتى “إلحاق الهزيمة النهائيّة بالجماعة الإرهابية”.

العالم- تقارير

ويأتي هذا التطور الخطير بعد بدء القوات التركية استهداف مناطق تسيطر عليها الجماعات الكردية المدعومة من قبل التحالف الأمريكي-غیر الشرعي، ما حمل القوات الكردية لمهاجمة جماعة داعش التي تدعمها القوات الأمريكية المتواجدة في المنطقة ذاتها (قرب الحدود السورية العراقية).

على صعيد آخر تؤكد الشواهد السائدة في إدلب ان الجماعات المسلحة، تواصل عدم اهتمامها بإتفاق سوتشي حول ادلب ما يجعل الإتفاق في مهب الريح، وعدم تحقق حلم جعل "المنطقة  منزوعة السلاح"، من خلال مهاجمة مواقع الجيش السوري فيها عدة مرات.

وأحبط الجيش السوري، محاولة تسلل لمسلحي تنظيم جبهة النصرة الإرهابي على نقاطه العسكرية في ريف حماة الشمالي وأردى العديد منهم قتلى، وذلك في إطار الخروقات المتواصلة للإرهابيين لاتفاق إدلب، في الوقت الذي دعت ميليشيا ما يسمى “حركة أحرار الشام الإسلامية” إلى الاستعداد لمعركة إدلب في مؤشر واضح على نيتها نسف الاتفاق. وإذا ما اضفنا الهجمات الجوية الأخيرة للطيران الأمريكي على منطقة "هجين" في أقصى دير الزور السورية، ستكتمل خارطة الوضع في سوريا ولم تتح أي مجال لتريث الجيش السوري في مقارعة الجماعات المسلحة بعد اليوم.

فأمريكا التي تضرب وتقتل المدنيين وتدمر البنى التحتية، مازالت تدعي أنها تطارد الإرهابيين وتقتلهم، والحال نفسها تتكرر مع تركيا التي تطارد معارضيها في الشمال السوري، وتواصل تمددها شرقي الفرات متذرعة بمطاردة الجماعات الارهابية، ولكنها في نفس الوقت تستضيف وتدعم الجماعات التي تضرب سوريا وشعبها ومؤسساتها.

لكن ما هي الأسباب التي حملت الجماعات الإرهابية للإعلان عن عدم التزامها بإتفاق سوتشي، وانها لن تلقي السلاح بعد أن ظلت في صمت وهدنة هشة استمرت لأكثر من عشرة ايام؟ ولماذا عاودت أمريكا هجماتها الجوية على سوريا؟وكيف سيكون الموقف السورية من كل هذه التحركات العسكرية؟

نظرة سريعة للأحداث التي شهدتها الساحة الإقليمية إزاء الأزمة السورية تكشف كل خفايا هذه التحركات المشؤومة. فبعد أن يئس التركي من فاعلية اتفاق سوتشي، حاول إستعطاف قادة الدول الغربية المتورطة في الحرب على سوريا في قمة اسطنبول الرباعية، عسى ان يتمكن من إغتنام فرصة للإستئثار ودعم قوات الناتو له في مخططاته العسكرية في الشمال السوري، لكنه عندما تلقى الرد من خلال إستنئاف الهجمات الامريكية على سوريا، إستوعب الرسالة كاملة، وراح يواصل تمدد قواته شرقي الفرات على الاراضي السورية.

وبدورها لم تقف سوريا مكتوفة الايدي أمام الإعتداءات الخارجية والعبث الداخلي من قبل الجماعات المسلحة المدعومة أجنبيا، فهي الأخرى إستنفرت كل قواها وفي مقدمتها الجيش السوري والقوات الشعبية، لمواجهة الجماعات الإرهابية الدخيلة على سوريا، أمثال تنظيم ما يسمى بـ “أجناد القوقاز” الذي حاول التسلل لنقاط عسكرية بريف ادلب الجنوبي الشرقي يوم أمس الأحد. ولم يتوقف تحرك الجيش السوري عند هذه الخطوة بل راح يقارع مواقع جماعة النصرة وأخواتها المتمركزات في المنطقة التي كانت من المقرر ان تكون "منزوعة السلاح" بالريف الجنوبي الشرقي لمدينة ادلب، حيث ما زالت الإشتباكات على اشدها، بعد أن إستنفرت جماعة النصرة فلولها لصد عمليات الجيش السوري.

ويرى المراقبون ان سوريا قررت إحترام اتفاق سوتشي في ايجاد منطقة منزوعة السلاح سيبقى قائما إذا ما احترمته الجماعات الإرهابية، واستمرت بالحوار والتفاهم، وفي غير ذلك لا يمكن لسوريا أن تبقى مكتوفة الأيدي والجماعات المسلحة تقصف قواتها والمناطق الآهلة بالسكان بأسلحتها الثقيلة والمتوسطة وتتمدد في باقي المناطق عبر الأنفاق والخنادق التي حفرتها تحت المدن والمناطق القريبة من مواقعها، الأمر الذي يجعل الدوريات التركية الروسية المقرر تسييرها على كف عفريت. خاصة وان الشواهد تؤكد أن جماعة داعش الإرهابية وخاصة بعد تلقيها ضربات موجعة في العراق وسوريا، قررت إعتمدت استراتيجية التضليل في المواجهة وذلك من خلال الإنسحابات التكتيكية من أجل التمدد والإنتشار في أماكن أخرى من خلال الإنخراط في كيانات إرهابية بديلة أمثال جماعات: “الرايات البيضاء”، و”أنصار البخاري”، و”أنصار الفرقان”، التي أسسها تنظيم ابو بكر البغدادي مؤخرا. ما يجعل سوريا لاتقف في موقف الدفاع ولابد لها من التقدم للأمام والقيام بعمليات عسكرية تمهد لاسترداد إدلب من الإرهابيين حسب الخبراء العسكريين.

وعلى الصعيد الإقليمي قامت سوريا بإعادة فتح بعض المعابر الحدودية ومنها معابرها مع العراق للتركيز على مقارعة الجماعات الإرهابية التي تحاول استغلال الفجوات الحدودية للحركة والتنقل في المتاهات الحدودية للبلدين. والنتيجة كما يراها المراقبون فإن مستقبل المنطقة لايقرره سوى أبناء المنطقة أنفسهم، خاصة وان سوريا وحلفاءها الإقليميين يعتمدون نفس النهج وقد بدأوا برسم عبارات النصر على جروح المنقطة، فكما يقال ان الصيحات الرعدية للسماء عابرة، والبقاء كان وسيبقى من نصيب الجبال الشامخات.

* عبدالهادي الضيغمي