مأساة الروهينغا.. ميانمار تحتضر بين الامر الواقع والمثوى الأخير!

مأساة الروهينغا.. ميانمار تحتضر بين الامر الواقع والمثوى الأخير!
الثلاثاء ١٣ نوفمبر ٢٠١٨ - ٠٦:٠٦ بتوقيت غرينتش

منذ سبيعنيات القرن الماضي وأقلية الروهينغا تهرب من سياسة الاضطهاد الطائفي التي تمارسها السلطة ضد المسلمين في ميانمار، لكن لم يأتِ بتاتاً عدد كبير بهذا القدر دفعة واحدة مثلما حدث العام 2017، ففي غضون أشهر قليلة، هرب أكثر من 700 ألف شخص بينهم النساء والاطفال من عمليات قمع همجية نفذها الجيش في أفظع إبادة جماعية شهدتها منطقة شبه القارة الهندية في تاريخها.

العالم - تقارير

سحبت منظمة العفو الدولية جائزتها المرموقة في مجال حقوق الإنسان من زعيمة ميانمار أونغ سان سوتشي، متهمة إياها بتكريس انتهاكات حقوق الإنسان من خلال التقاعس عن التحدث علنا عن العنف، ضد أقلية الروهينغا المسلمة.

هذا وبعد أن كان ينظر لها ذات يوم على أنها نصير في الكفاح من أجل الديمقراطية، جرى تجريد سوتشي من عدة أوسمة دولية فيما يتعلق بالنزوح الجماعي للروهينغا، الذي بدأ في أغسطس العام الماضي، ويتهم المحققون المفوضون من الأمم المتحدة جيش ميانمار بالانخراط في حملة قتل واغتصاب وحرق بنية الإبادة الجماعية.

فجردت منظمة العفو الدولية، يوم الاثنين، 12 نوفمبر 2018، الزعيمة البورمية أونغ سان سو تشي من جائزة كانت منحتها لها، وذلك بسبب "عدم اهتمامها" بالفظاعات التي ارتكبها جيش بلادها بحق المسلمين الروهينغا.

وقالت المنظمة الحقوقية العالمية ومقرها لندن أنها قررت تجريد سو تشي من جائزة "سفيرة الضمير" التي منحتها لها عام 2009 بينما كانت تخضع للإقامة الجبرية.

وقال رئيس منظمة العفو الدولية "كومى نيدو" في رسالة الى سو تشى "اليوم نحن نشعر بالصدمة العميقة لانك فقدت مكانتك كرمز للأمل والشجاعة والدفاع المستميت عن حقوق الإنسان".

وأضاف "لا يمكن لمنظمة العفو الدولية أن تبرر وضعك الحالي كحائزة على جائزة سفيرة الضمير. لذا، وبحزن كبير نحن نسحب منك هذه الجائزة".

وقالت المنظمة أنها أبلغت سو تشي بالقرار قبل يومين في يوم الاحد. ولم تعلق حتى الآن.

ووصلت سو تشى وحزبها "الرابطة الوطنية للديموقراطية" إلى السلطة عام 2015 في نصر كبير أنهى عقدا من الحكم العسكري في البلد الجنوب شرق اسيوي البالغ عدد سكانه نحو 50 مليون.

إلا أنها لم تدافع عن المسلمين الروهينغا الذي أجبرهم الجيش على الفرار من البلاد في عملية وصفتها الأمم المتحدة بأنها حملة تطهير عرقي.

وجردت سو تشي (73 عاما) من جنسيتها الكندية الفخرية الشهر الماضي بسبب مأساة الروهينغا، كما خسرت العديد من الجوائز من جامعات وحكومات.

وفر أكثر من 720 ألف من المسلمين الروهينغا من ولاية راخين التي تسكنها غالبية بوذية في حملة للجيش بدأت في آب/اغسطس الماضي.

حكاية مأساوية ترويها امراة روهينغية !! 

أقلية الروهينغا المسلمة المقموعة، تعرضت كثيرات من نسائها على أيدي جنود ميانمار لاغتصابات جماعية ممنهجة، أما الأزواج أو الإخوة -ممن لهم إنقاذهن- فقد ماتوا أو أجبروا على الهروب حفاظاً على حياتهم.

قبل أن تتمكن فاطمة من الهروب من ميانمار تعرضت المرأة الروهينغية، الأم لطفلين، عشرات المرات للاغتصاب وكادت أن تموت، والآن تعيش في مخيم للاجئين في بنغلاديش دون أمل في العودة إلى حياتها القديمة أو أمل في مستقبل تقرره بنفسها.

هناك كثير من الروهينغيا يتخلون عن زوجاتهن المغتصبات، ويتركونهن لوحدهن مع الأطفال والآلام، لأن رجلا آخر سلبها شرفها، بحسب العديد من الرجال. ولا تغادر النساء الأكواخ حتى أثناء الحرارة الشديدة للصيف البنغالي. ففي ثقافة الروهنغيا لا تغادر النساء البيت إلا إذا كانت هناك حاجة قصوى.

بغض النظر عن صوت التساقط المنتظم للمطر فوق الغطاء البلاستيكي الأبيض لا يمكن سماع شيء آخر، لا تلفزة ولا ضحك أطفال. وهذا الهدوء يتم شقه فقط بصوت المؤذن. مكبرات صوت رمادية معلقة في الأشجار ترسل النداء إلى الصلاة فوق الهضبات والسهول المليئة بالوحل.

فاطمة تبلغ من العمر 20 عاما ولها طفلان وقبل أن تهرب من ميانمار، تعرضت للاغتصاب مرات عديدة، في ليلة واحدة. لا يمكن لها الجزم كم مرة وكم كان عدد المغتصبين وتقول وهي تتحدث بصوت خافت: "لقد تركت جسدي هناك".

عيونها تنظر في الفراغ فوق الأرض المبتلة. وحتى عند التواصل بالأعين لا يوجد لقاء، وكأنّ باباً داخليا انغلق وسط العيون السوداء.

في شمال شرق كوتوبالون، أكبر مكان للاجئين في العالم، يقع المخيم رقم 7، هنا يعيش حوالي 40 ألف شخص في مساحة كيلومتر مربع واحد فقط. ولا أحد يعرف بدقة العدد الحقيقي للروهينغيا، الذين وصلوا إلى هنا في الغابة السابقة على الحدود بين بنغلاديش وميانمار. ويبلغ عدد سكان كافة المخيمات في كوتوبالون نحو مليون شخص، وربما يصل عددهم إلى 1.2 مليون أو أكثر.

نحن نجلس فوق سجاد في الحجرة الأمامية للكوخ. ويوجد كرسي صغير من البلاستيك. زوجها علي، الذي يكبرها بعامين، يجلس بجانبها عندما كانت تحكي قصتها. وكان مجبرا مثل العديد من الآخرين على مغادرة قريته عندما جاءت الميليشيات ليفر من الموت. وترك زوجته وابنهما الرضيع وابنهما الآخر الذي كان عمره 14 شهرا لدى والديه، وكان ذلك قبل سنة. ولم تمر ليالٍ كثيرة حتى جاؤوا واقتادوا فاطمة إلى الغابة. 

في السقيفة كانت تجلس نساء أخريات، وغيرهن جئن من القرى المجاورة. واعتدى الدهماء عليهن مرارا وتكرارا، ولا أحد سمع أنينهن وصراخهن. فالأزواج أو الإخوة، مثل زوج فاطمة، والذين بإمكانهم إنقاذهن ماتوا أو أجبروا على الهروب للحفاظ على حياتهم.

بطريقة ما، نجحت فاطمة في العودة إلى القرية. وتمكنت أيدٍ خبيرة من تضميد جروحها في الطريق، وإلا لكانت ستنزف حتى الموت. ومن المحتمل ألا تنجب فاطمة أطفالا بعد ذلك. ومع والدي زوجها تمكنت من الهروب عبر النهر الحدودي إلى بنغلاديش المجاورة، وساعدتها منظمات دولية في البحث عن زوجها. "ليس لدي مشكلة في البقاء معها"، يقول زوجها الذي يؤكد أن ما وقع لفاطمة جاء رغما عنها. ويعني بذلك الاغتصاب الجماعي.

الروهينغا...المسلمون من أكثر إثنيات العالم تعرضا للاضطهاد!

حاول آلاف اللاجئين الوصول من بنغلادش إلى ماليزيا وأندونيسيا هرباً من الفقر، خاصةً الروهينغا المسلمين الذين اُضطهدوا في ميانمار وفرّوا منها وتعتبرهم الأمم المتحدة من بين الإثنيات الذين تمارس في حقهم أشد الأعمال اضطهاداً في العالم.

حسب جميعة الشعوب المهددة، فقد تم اختطاف حوالي 80 ألف روهينغي في عام 2014، ويتم استغلالهم كعبيد في الزراعة والصناعة والصيد، كما يتعرضون للتعذيب وتبتزّ عائلاتهم.

البنغاليون يعرفون الاضطهاد، ففي التاريخ المتقلب للبلاد حصلت في كل مرة أحداث الهرب والتهجير. في البداية كان هناك تفهم لوضع اللاجئين، وهذا تغير ببطء.

فالكثيرون لهم الشعور بأن بلدهم قدم الكثير للاعتناء بالغرباء. كما أن الخوف يزداد أمام تطرف شباب، لأن صائدي البشر يجدون في أكواخ اليأس مصيدة سهلة. ومن الناحية الرسمية لا يحق للروهنغيا مغادرة المخيمات ولا يحق لهم العمل والأطفال يحصلون على تعليم مدرسي محدود للغاية.

ولكن فاطمة لها رغبة واحدة، وهي العودة إلى وطنها. فربما يعتريها الأمل في إيجاد ما فقدته في تلك الليلة. وربما ليس هناك ما يكفي من القوة لتخيل حياة جديدة في المهجر. والمطر يواصل تساقطه فوق القطعة البلاستيكية البيضاء، ويتحول إلى إيقاع الانتظار وسط الشعور بفقدان غير متناهٍ.

ارغام لاجئي الروهنغيا على العودة إلى ميانمار من بنغلاديش!!!

وفي الأول من ديسمبر/ كانون الأول 2017، وافقت حكومتا بنغلاديش وميانمار على خطة لإعادة اللاجئين الروهينغا الذين فروا من حملات قمع دامية في ميانمار، معلنين أن تفعيل خطتهما يبدأ من منتصف نوفمبر/تشرين الثاني الجاري.

فأعلنت حكومة ميانمار، أنه سيتم البدء في ترحيل مجموعة أولية من لاجئي الروهينغا في بنغلاديش إلى ميانمار، الخميس المقبل.

حيث صرح وزير الرعاية الاجتماعية والإغاثة وإعادة التوطين في ميانمار، وين ميات أيي، خلال مؤتمر صحفي، أن "مجموعة أولية من لاجئي الروهينغا قوامها ألفين و251 لاجئَا سيتم ترحيلها بدءاً من الخميس المقبل، بواقع 150 لاجئاً يومياً"، مضيفاً أن بنغلاديش أبلغت ميانمار، أن عملية الترحيل ستتم وفق المبادئ المتفق عليها منذ أشهر.

وهناك أفاد المدافعون عن حقوق الإنسان، أن الظروف في ميانمار ليست آمنة بعد لعودة اللاجئين الروهينغا، الذين حُرموا عموماً من المواطنة والحقوق المدنية في البلاد ذات الأغلبية البوذية وميانمار لا تبذل أي جهد لإصدار أوراق هوية لصالح الروهينغا أو تركهم يعودون إلى بلدهم.

وبدون أوراق ثبوتية سارية المفعول يبقى الروهنغيا رسميا بدون دولة ورهن رضا الحكومة البنغالية.