عطوان.. دعم ترامب النهائي لابن سلمان هل كان موقفا مفاجئا؟

عطوان.. دعم ترامب النهائي لابن سلمان هل كان موقفا مفاجئا؟
الأربعاء ٢١ نوفمبر ٢٠١٨ - ٠٨:٢٧ بتوقيت غرينتش

لم يكن مفاجئا بالنسبة إلينا أن يكون “الموقف النهائي” للرئيس الأمريكي دونالد ترامب تجاه جريمة اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي وتقطيعِ جثمانه “مراوغا” و”صادما”، خاصة لكل الذين طالبوه بتحميل الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، المسؤولية المطلقة، وفرض عقوبات على المملكة.

العالم - مقالات 

فمنذ اللحظة الأُولى كان الرئيس ترامب يحاول كسب الوقت، والتهرب من اتخاذ أي قرار حاسم في هذه المسألة، فقد رفض الاستماع إلى التسجيلات المرعبة التي حملتها إليه جينا هاسبل، رئيسة المخابرات الأمريكية، أو القبول بالنتائج النهائية التي توصلت إليها وكالة الـ”سي آي إيه”، التي تؤكد مسؤولية الأمير بن سلمان عن الجريمة، واستمر في توفير مظلة الحماية لولي العهد السعودي والدفاع عنه، ومحاولة تبرئته، تحت عنوان الحفاظ على العلاقات المتميزة بين الرياض وواشنطن، وعدم السماح لجريمة اغتيال الخاشقجي بإخراجها عن مسارها.

الرئيس ترامب اعترف في مؤتمره الصحافي الذي عقده يوم الثلاثاء “بأن الأمير بن سلمان كان على علم مسبق بقتل الخاشقجي لكنه أكد عزمه على مواصلة الشراكة مع المملكة لحماية مصالح بلاده وإسرائيل”.

***

ماذا تعني هذه العبارة، وهي “حماية مصالح وإسرائيل” التي كانت أهم ما ورد في مؤتمره الصحافي المذكور في رأينا، غير أن الأمير بن سلمان ربما عقد صفقة مع الرئيس ترامب وصهره جاريد كوشنر لتقديم تنازلات كبرى في الملف الفلسطيني، قد يكون عنوانها الأبرز تأييد “صفقة القرن” التي وضع أفكارها الجوهرية صديقه كوشنر بتوجيهات من بنيامين نتنياهو مقابل دعم الجانبين الأمريكي والإسرائيلي، واللوبيات السياسية والإعلامية التي تعمل تحت لوائهما، وصوله إلى عرش المملكة العربية السعودية خلفا لوالده الملك سلمان بن عبد العزيز، الذي بنى قصرا فخما له في منطقة “نيوم” شمال المملكة ليقضي فيه آخر أيامه، حيث تؤكد معظم التقارير الإخبارية استفحال حالته المرضية.

قلناها ونكررها أن الرئيس ترامب لا يفكر إلا في الصفقات، سواء صفقات شركاته، وشركات صهره، أو صفقات الأسلحة التي تبلغ قيمة آخرها 110 مليار دولار، ولم يخف هذه الحقيقة عندما قال في المؤتمر الصحافي نفسه “أنّ إلغاء أمريكا للعقود الدفاعية مع السعودية سيفيد روسيا والصين”.

لا نعتقد أن أي ملك سعودي، سواء كان الأمير محمد بن سلمان، أو عمه أحمد بن عبد العزيز، الذي يتردد اسمه بقوة كمرشحٍ للأُسرة الحاكمة لخلافة أخيه الملك سلمان، سيجرؤ على تحدي الولايات المتحدة وإلغاء صفقات أسلحة معها، والذهاب إلى الصين أو روسيا، لأن مثل هذه الخطوة ستعني زوالها، أي الأُسرة الحاكمة، ألم يقل الرئيس ترامب ويكرر أكثر من مرة أن حكام دول الخليج (الفارسي) لن يبقوا أُسبوعين في عروشهم بدون الحماية الأمريكية؟ ويشدد على أن السعودية بالذات لن تصمد دقائق في مواجهة أي هجوم إيراني؟

الرئيس ترامب مصمم، وبتحريض من صهره كوشنر ونتنياهو على السير على النهجِ نفسه فيما يتعلق بالشراكة مع السعودية، وحماية الأمير بن سلمان، حتى لو أدى هذا الأمر إلى الصدام مع الكونغرس الأمريكي بشقيه الجمهوري والديمقراطي، وشدد على ذلك صراحة عندما قال “أن الكونغرس الأمريكي “حر” في الذهاب في اتجاه مختلف بشأن السعودية، ولكنه (أي ترامب) سيدرس فقط الأفكار التي تنسق مع الأمن الأمريكي.

 ***

أمريكا، وباختصار شديد، تقف على حافة مواجهة شرسة بين الكونغرس والرئيس ترامب، ربما يشتعل فتيلها في الأيام القليلة القادمة، خاصة في ظل التحالف القوي بين المشرعين والصحافة الأمريكية بشقيها الورقي أو المرئي، وخاصة صحيفتي “الواشنطن بوست” ومنافستها “النيويورك تايمز”.

من الصعب علينا إصدار أحكام مسبقة حول طبيعة هذه المعركة والفائز فيها في نهاية المطاف، فما زالت الأُمور في بداياتها، ولكن بالقياس إلى معارك سابقة مماثلة لا نعتقد أن الرئيس الأمريكي قد يخرج رابحا، ولا نستغرب أن يكون مصيره مثل مصير سلفه ريتشارد نيكسون، فنحن أمام “فضيحة” جديدة اسمها “خاشقجي غيت” باتت مثل كرة الثلج تكبر وتكبر مع مرور الوقت، وترفض الاختفاء من العناوين الإخبارية الرئيسية.

كثير من الزعماء فقدوا عروشهم بسبب أبنائهم أو أصهارهم، خاصة في منطقتنا العربية، ولا نستبعد أن يكون الرئيس ترامب الذي تجمعه مع زعماء عرب الكثير من القواسم المشتركة، وأبرزها تقديم الصفقات على المبادئ وقيم حقوق الإنسان.. فتش عن الصهر كوشنر.. والأيام بيننا.

  • عبد الباري عطوان – رأي اليوم