هل يلبي امير قطر دعوة الملك سلمان لحضور قمة الرياض؟

هل يلبي امير قطر دعوة الملك سلمان لحضور قمة الرياض؟
الخميس ٠٦ ديسمبر ٢٠١٨ - ٠٩:٠٣ بتوقيت غرينتش

أثارَت مسْألة تَلقّي الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير دولة قطر، رسالةً “خطيّةً” مِن الملك السعوديّ سلمان بن عبد العزيز تتضَمّن دَعوةً لهُ لحُضورِ قمّة مجلس التعاون الخليجيّ التي ستُعقَد في الرّياض يوم الأحد المُقبِل، العَديد مِن رُدود الفِعل والتّأويلات سواء في وسائِل الإعلام التقليديّة، أو على وسائِل التّواصل الاجتماعيّ، نَظَرًا لتوتُّر العلاقات بين البَلدين، وحالة الانقسام التي يعيشها المجلس بسبب الأزمة الخليجيّة مع قطر.

العالم- مقالات وتحليلات

وما جعل هذه الدَّعوة السعوديّة، وصدورِها مِن أعلى المستویات، مُثيرةً للجَدل أنّها جاءَت بعد يَومٍ مِن انسحابِ دولة قطر مِن مُنظَّمة الدُّوَل المُصَدِّرة للنِّفط (أوبِك) احتِجاجًا على هيمَنة السعوديّة على قَراراتِها، وتَغييب الدَّور القطريّ كُلِّيًّا، وظُهور تَكهُّنات تُشير إلى أنّها ربّما تُمهّد لانسحابِ قطر من مجلس التعاون الخليجيّ للسَّببِ نفسه، إضافةً إلى أسبابٍ أُخرَى أبرزها حِصارُ “الدُّوَل الأربَع″، أيّ السعوديّة والإمارات والبحرين إلى جانب مِصر للإمارةِ القطريّة.

الإعلام السعوديّ بشقّيه الرسميّ وغير الرسميّ، قلَّل كثيرًا مِن أهميّة هَذهِ الدَّعوة التي حَمَلها السيد عبد اللطيف الزياني، أمين عام مجلس التعاون الخليجي للأمير القطريّ، واعتبرها “روتينيّةً” تَنْحَصِر في قمّة مجلس التعاون الخليجيّ التي تنازَلت سلطنة عُمان عن عَقدِها في مسقط لأسبابٍ ما زالَت مَجهولةً، وتَقرَّر عقدها في الرّياض، وجميع قادَة دول المجلس تلقّوا دعوات مُماثِلة ومُتطابِقة، فأينَ المُشكِلة؟

الإعلام القطريّ في المُقابل كانَ مُعظَمه أكثَر احتِفالًا واهتمامًا بهَذهِ الدعوة بطَريقةٍ أو بأُخرى، واعتَبرها بعضه مُقدِّمةً لاختراقٍ مُحتَملٍ في الأزمةِ الخليجيّة رُبّما يُؤدِّي إلى “انفراجةٍ ما”، وركّز على أنّها المرّة الأُولى ومنذ بداية الأزَمة قبل 18 شهرًا، يتَم فيها التّواصل بين القِيادتين السعوديّة والقطريّة على هذا المُستَوى.

الجَديد الذي توقّف عنده الكَثير مِن المُحلّلين أن هَذهِ الأزَمة الخليجيّة طالَت أكثَر مِن اللازم، وأنّ البَلدين رأس الحِربةِ فيها، أيّ السعوديّة وقطر، وإن كانت الأُمور نسبيّة هُنا يعيشان ظُروفًا صَعبةً حاليًّا، فقطر تعيش أزمة حِصار مِن جاراتها، ومُقبلةٌ على تنظيم دورة تصفيات كأس العالم عام 2022، وتحتاج إلى حُضور الجِيران، أو حتّى المُشاركة واقتِسام تنظيمها في هَذهِ الاستِضافة، أمّا السعوديّة فتَعيش حاليًّا “حِصارًا” آخَر مُختَلفٌ على المُستويين الإقليميّ والدوليّ بعد اعتِرافها رسميًّا باغتِيال الصحافي السعوديّ جمال خاشقجي، وتَقطيع جثّته، ولَعِب الإعلام القطريّ، ومحطّة “الجزيرة” بالذّات، دَوْرًا كبيرًا في تأجيجِ هَذهِ الحَملة الإعلاميّة المُعادِية ضِدّها، حسب اتّهامات مُتحدِّثين في الإعلامِ السعوديّ، ولعلّها تُريد تخفيف هَذهِ “الحملة” بإبداءِ بعضِ المُرونة ولو إلى حِينٍ.

ولأن أي حركة، أو التفاتة، أو أي مقال في ظِل هَذهِ الأجواء المُتَوتِّرة بين البَلدين تظَل مَوضِع تحليل وتَأويل مِن قبل المَسؤولين في الجانِبَين السعوديّ والقطريّ، فقد كان لافتًا الاهتمام بالتَّصريحات الإيجابيّة المُفاجِئة التي أدلى بِها الأمير محمد بن سلمان، وليّ العهد، أثناء رئاسته لمُؤتمر “دافوس الصَّحراء” الاستثماريّ الذي انعَقد قبل شَهرٍ في الرياض، وكان أبرزها الإشادة بنُمو الاقتصاد القطريّ، وجَرى تفسيرها، أي التَّصريحات، على أنّها رسالة تُوحِي بأنّ بلاده لا تُمانِع في تَرطيبِ الأجواء المُتَوتِّرة والسَّاخِنة مع قطر، وربّما مُحاولة إيجاد حُلول سَريعة للأزمةِ الخَليجيّة.

الشيخ تميم، أمير دولة قطر، رحَّب بدعوة أمير الكويت لحُضور القمّة الخليجيّة السَّابِقة التي انعَقَدت في نَفسِ هذا التَّوقيت العامَ الماضِي، وحَرِصَ على المُشاركةِ فيها، وهِي قمّة وُصِفَت بأنّها الأدنى على صَعيد مُستَوى التَّمثيل في تاريخ القِمم الخليجيّة مُنذ تأسيس مجلس التعاون بسبب قِصَر فترة انعِقادها أوّلًا، وانْخِفاض مُستَوى التَّمثيل فيها، واقتِصاره على نُوّاب للرئيس أو وزراء خارجيّة مِن جانِب الدول الثّلاث المُقاطِعة لدولة قطر، وجاءَت المُشاركة مُجاملةً لأمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد، الذي يَحظَى بمكانةٍ عاليةٍ مِن الاحتِرام في أوساطِ القادَة الخليجيين والعَرب عُمومًا، بحُكمِ حِكمَته وخِبرَته وسِنّه أيْضًا.

سُؤال المِليار دولار هُوَ عمّا إذا كانَ الأمير القطريّ سيُلبِّي هَذهِ الدَّعوة ويَذهَب إلى الرياض، أم أنّه سيَكتَفِي بإيفادِ نائِبٍ له، أو وزير الخارجيّة؟ وهُناك مَدرَستان في أوساطِ المُراقبين حَولَ هَذهِ المَسألة لكُل مِنهُما رأيٌ مُخْتَلِفٌ:

المدرسة الأُولى: تُرجِّح احتِمال عدم مُشارَكة الأمير تميم في القِمّة المُقبِلة، لأنّ الدَّعوة روتينيّةٌ فِعْلًا ويَجِب عدم المُبالغة في تأويلِها، فالعِلاقات بين البَلدين في قمّة التَّوتُّر حاليًّا، مُضافًا إلى ذلك أنّ الأمير تميم لم يَستقبِل السيد الزياني الذي حَمَلها، وأوْكَل هَذهِ المُهِمّة إلى السيد سلطان المريخي، وزير الدولة للشؤون الخارجيّة، وليسَ وزير الخارجيّة نفسه، وهذا ينْطَوي على رسالةٍ سياسيّةٍ بالِغةِ الأهميّة تُلخِّص نظرته إلى هَذهِ القمّة، مُضافًا إلى ذلك مُحاولته تَوجيه رسالةً أُخرى في المعيّة إلى السيد الزياني البحريني الجنسيّة، تُفيد بأنّه مُرَحَّبٌ بِه في الحُدود الدُّنيا لأنّه كانَ مُنْحازًا لبَلدِه والسعوديّة مُنذُ اليوم الأوّل للأزمةِ الخليجيّة، ولم يَكُن مُحايِدًا مِثْلَما يُحَتِّم عليه مَنصِبه.

المدرسة الثانية: تُؤكِّد أنّ احتِمالات مُشارَكة الأمير تميم في القِمّة هِي الأكثَر تَرجيحًا، لأنّ قطر لا تُؤمِن بسِياسَة المُقاطَعة للقِمَم، عَربيّةً كانَت أو خليجيّة، وتُفَضِّل دائِمًا المُشارَكة حتّى لو كانَت أجواء الاستِقبال “غير مِثاليّة”، ولتَجَنُّب إعطاء فُرصة للطَّرفِ الآخَر باتِّهامِها بالتَّصعيد، ومُحاوَلة تَقويضِ مجلس التّعاون الخليجيّ.

يَصعُب علینا تَبنِّي وِجْهَة نظر أيّ من المدرستين، لأنّنا لا نَمْلك المَعلومات مِن أيّ مِن المَدرستين، أو مِن طَرفيّ الأزَمَة، لأسبابٍ عَديدةٍ ليسَ هُنا مَجالُ ذِكْرها، ونَكْتَفِي بالانتِظار، ورَصْدِ التَّطوُّرات في هذا الشَّأن، وفي جَميعِ الأحوال لَنْ يَطول انتظارُنا فالمَسألةُ مَسألة ساعات أو أيّام مَعدودة، وتتَكشَّف الحَقائِق.