فرنسا .. تراجع ماكرون لاينقذه!

فرنسا .. تراجع ماكرون لاينقذه!
الخميس ٠٦ ديسمبر ٢٠١٨ - ١٠:٥٩ بتوقيت غرينتش

تسعى الحكومة الفرنسية بكل السبل المتاحة إلى إخماد نار الإحتجاجات الشعبية والنقابية والطلابية التي تجتاح مختلف مناطق البلاد ولكن دون جدوى لأن تطورات الساحة تنذر بإتساع نطاق المظاهرات العارمة والعنيفة في الأيام وربما الشهور القادمة.

العالم - تقارير

رضخت الحكومة الفرنسية في نهاية المطاف لمطالب المحتجين حيث أعلن رئيس الوزراء الفرنسي إدوارد فيليب، مساء الأربعاء، أن الحكومة قررت التراجع بصورة نهائية عن زيادة الضرائب على الوقود، بعدما أثارت الخطة موجة احتجاج غير مسبوقة في العاصمة باريس.

تنازل حكومة الرئيس إيمانويل ماكرون عن خطتها الإقتصادية يُعتبر التنازل الثاني لها بعد تعليقها بداية لزيادة الضرائب اثر الإحتجاجات الشعبية التي تجتاح شتى مناطق فرنسا منذ يوم الـ 17 نوفمبر الماضي وشابتها أعمال عنف أسفرت عن أربعة قتلى وأكثر من ألف جريح وإعتقال المئات الآخرين.

وتُعتبر الإحتجاجات التي ترافقها أعمال تخريب و نهب وإحراق وتنظّمها "السترات الصفراء"، أكبر أزمة داخلية تواجه الرئيس ماكرون منذ توليه السلطة في مايو 2017 الرئيس الذي كان يقول فيما مضي أنه لن يتنازل عن خططه الإقتصادية ولكن إتساع نطاق الغضب الشعبي العارم أجبره على التخلي عن صلفه لأنه كان يتفاخر بعدم تراجعه عما يتخذه من خطوات، إقتصادية كانت أم سياسية.

لم تنحصر الإحتجاجات الشعبية الفرنسية بداخل البلاد بل إمتدت إلى دول أوروبية أخرى حيث تشهد الآن دول مثل بلجيكا وهولندا وبلغاريا إحتجاجات مماثلة لإجبار حكومات هذه الدول على النزول عند المطالب المعيشية لعامة الشعب واللافت أن دولة أفريقية كـ"بوركينافاسو" شهدت يوم الـ 29 نوفمبر الماضي تظاهرات غاضبة إحتجاجًا على رفع أسعار الوقود وهو ما يؤكد تخطي شرارة إحتجاجات السترات الصفراء حدود القارة العجوز ووصولها إلى القارة السمراء.

ومما يؤكد أن إحتجاجات الشوارع بفرنسا لن تنطفئ أو تنخفض في المستقبل القريب هو أن الرئيس ماكرون في مسعى لتهدئة المحتجين زار أمس الأول مركز شرطة في شرق البلاد كان المتظاهرون قد أحرقوه ولكن المحتجين إستقبلوا رئيسهم بسيل الشتائم وهتافات الإستهجان.

وقد شمت الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنظيره الفرنسي ماكرون بعد تنازل حكومة باريس عن فرض زيادة الضرائب على الوقود حيث قال إن إلغاء مقترح فرض زيادة الضرائب على الوقود يؤكد فشل إتفاق باريس حول المناخ والذي إنسحبت منه أمريكا في شهر يونيو 2017 بذريعة إلحاق الخسائر بالإقتصاد الأمريكي وعرقلة نموه.

ولا يخفى أن المؤتمر الدولي الرابع والعشرين حول محاربة آثار التغيير المناخي برعاية الأمم المتحدة قد بدأ أعماله منذ الإثنين الماضي في جنوب بولندا بمشاركة ممثلين عن 200 دولة والذي سيستمر في الإنعقاد حتى الرابع عشر من الشهر الجاري.

ويسعى هذا المؤتمر الذي ينعقد في مدينة "كاتوفيتشي" بجنوب بولندا إلى وضع ضوابط من أجل تمويل وتنفيذ إتفاق باريس 2015 للمناخ وضبط إرتفاع درجة حرارة الأرض. ومدينة كاتوفيتشي تعتبر مركزًا هامًا لإستخراج الفحم،أحد الملوثات الرئيسية للبيئة، وإنعقاد المؤتمر في هذه المدينة المنتجة للفحم الذي تعتمد عليه بولندا بشكل أساسي في الأنشطة الإقتصادية والصناعية، قد أثار الكثير من الجدل.

- القلق لا يزال يساور ماكرون بشأن إستمرار الإحتجاجات

الرئيس ماكرون لا يزال قلقًا بشأن إستمرار إحتجاجات الشوارع، رغم التنازل عن فرض زيادة الضرائب على الوقود ورفع أسعار الغاز والكهرباء.

وفي هذا السياق، أعرب مكتب الرئاسة الفرنسية أمس الأربعاء عن قلق الرئيس وحكومته من أعمال عنف قد تنشب يوم السبت المقبل لأن حركة السترات الصفراء قد دعت الشعب للمشاركة في التظاهرات التي ستنظم في ذلك اليوم.

وقد شددت حركة السترات الصفراء أنها ستنظم مظاهرة واسعة يوم السبت القادم وستشلّ العاصمة باريس مرة أخرى وهذا ما تسبب بخوف شديد للرئيس ماكرون حيث طلب من مسؤولي القوى السياسية والنقابية أن لا يألوا جهدًا في صرف المحتجين عن تنظيم إحتجاجاتهم المطالبية في السبت المقبل.

وردًا على نية المحتجين لمواصلة تظاهراتهم الشعبية، أعلن رئيس الوزراء الفرنسي، إدوار فيليب، في الجمعية الوطنية (مجلس النواب) أمس أن حكومته لن تتهاون حيال من يخاطرون بالأمن العام ويقومون بأعمال تخريب ونهب وإثارة الفوضى والبلبلة.

وهذا التصريح إن دلّ على شيئ فإنه يدلّ على أن الحكومة لا يساورها أدنى شك بأن الإحتجاجات ستتواصل وقد تزداد شدة في قادم الأيام لأن ما يجري على الساحة الفرنسية يؤكد أن التراجع عن خطة الضرائب والأسعار لم يقنع المحتجين وما يطالبون به أكثر وأكبر بدليل أن غالبية المحتجين يعتبرون التنازلات الأخيرة للحكومة بمثابة "دواء مهدّئ" لا يسمن ولا يغني من جوع.