في الذكرى الـ 14 للاتفاقية..

هكذا اخترقت «الكويز» الإسرائيلية إقتصاد مصر!

 هكذا اخترقت «الكويز» الإسرائيلية إقتصاد مصر!
الجمعة ١٤ ديسمبر ٢٠١٨ - ٠٧:٤٤ بتوقيت غرينتش

منذ 14 عاماً مضت وتحديداً في 14 من ديسمبر من عام 2004 تم توقيع برتوكول (الكويز) بين الحكومة المصرية والكيان الاسرائيلي ، والذي جاء كحلقة من حلقات التطبيع التي دأب عليها نظاما السادات ومبارك منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد في العام 1978 م .

العالم - تقارير

كانت اتفاقية "الكويز" الموقعة بين مصر و الكيان الصهيوني مثلما كانت اتفاقيات تصدير الغاز للكيان الصهيوني ومثلما كان أيضاً التطبيع الزراعي والسياحي، وسائل إختراق منظّم لمصر واقتصادها من قِبَل حكّام تابعين ، كان آخر همّهم الاستقلال الوطني، في حين حفاظهم على الملك والتوريث السياسي هو الشاغل الأول لهم، في المقابل كان الشعب المصري يرفض التطبيع رغم ضغوط وإغراءات رجال المال والفاسدين من الساسة وأجهزتهم الأمنية، في ذكرى توقيع الكويز دعونا نتحدّث قليلاً عن مآلات التطبيع الاقتصادي ومخاطره والتي لاتزال مستمرة حتى يومنا هذا 2018 م .

في البداية يحدّثنا التاريخ أن الكيان الصهيوني في سبيله لكسر جدار العزلة السياسية والاقتصادية التي فرضتها أغلب الشعوب العربية بإسم مقاومة التطبيع، بعيداً عن حكّامه الخونة ، أقام الكيان الصهيوني العديد من العلاقات السياسية مع أكثر من نصف الدول العربية عبر الاتفاقات والمعاهدات العلنية والسرّية أو من خلال العلاقات الاقتصادية التي وصلت إلى مستوى خطير للغاية حيث توجد اليوم 14 دولة عربية تم إختراقها إقتصادياً وبينها وبين الكيان الصهيوني علاقات إقتصادية وتبادل تجاري مشهود وفي مقدّمتها دول الخليج التي يصل التبادل التجاري بينها وبين الكيان الصهيوني ما يقارب مليار دولار سنوياً .

الآثار السلبية القاتلة لاتفاقية "الكويز" الصهيونية على الاقتصاد المصري

أرادت أميركا و"إسرائيل" في مثل هذه الأيام قبل 14 عاماً معاودة الاختراق للمجتمع والاقتصاد المصري الذي استعصي عليها طيلة الثمانينات والتسعينات ، في هذا الإطار جاءت اتفاقية (الكويز) مع مصر والتي وقّعت يوم 14/12/2004 بين وزير التجارة الخارجية والصناعة المصري رشيد محمّد رشيد(وهو هارب الآن خارج مصر لصدور أحكام ضدّه بالسجن بعد الثورة) ونظيره الإسرائيلي والسفير الأميركي في القاهرة ،

ولقد كان المفكّر الاقتصادي المصري البارز الراحل د.إسماعيل صبري عبد الله صادقاً عندما أسماها بالفعل بـ (كامب ديفيد إقتصادية) لما لها من آثار سلبية قاتلة على الاقتصاد المصري ، ولما ستجرّه على المستوى العربي من اختراق تطبيعي مسموم ، شبيه إلى حد كبير بتلك الاختراقات السياسية التي أنتجتها اتفاقات كامب ديفيد عام 1979 في المنطقة العربية والإسلامية ..

وقد كان في البداية يهمّنا الإشارة إلى أن كلمة أو اتفاقية الكويز : (qiz) : هي اختصار لـ اتفاقية المناطق الاقتصادية المؤهّلة ويقصد بالتأهيل هنا أي القادرة على التعامل التنافسي مع السوق الأميركي في مجال الصناعات النسيجية تحديداً ، مع ضرورة أن تكون منتجاتها النسيجية قد دخلها مكوّن "إسرائيلي" بنسبة 11.8% . هذه الاتفاقية التي لاتزال ترعاها اليوم في مصر صفوة من رجال الأعمال والسياسة الفاسدين ، ورغم حدوث ثورة في مصر ضدّ النظام الذي وقّعها( ثورة يناير2011 )، إلا أنه لاتزال ومعها التطبيع المرتبط بالفساد مستمرة . وبالإجمال يمكن إيجاز الآثار السلبية لتلك الاتفاقية، الكويز ،على صناعة النسيج والاقتصاد المصري بعد 14 عاماً علي توقيعها في الآتي:


أولاً : وفقاً للوصف الرسمى الذي قُدّم عن هذه الاتفاقية ، وقت توقيعها، جاء في بيانات وزارة التجارة والصناعة أن هذه الاتفاقية سوف تؤدّي إلى دخول "إسرائيل" بنسبة تقرب من 12% من المواد المصنّعة في بلادنا ، أي اختراق اقتصادي تطبيعي يصعب ردّه مستقبلاً مع تحصيل نسبة كبيرة من عائد هذه الصادرات الصناعية ويقدّر مبدئياً بـ (745 مليون دولار) وهي صادرات من المفترض أن تذهب إلى الولايات المتحدة ، ووفقاً لوثائق وزارة التجارة التي أكّدت أيضاً أن "إسرائيل" وفقاً للاتفاقية ستدخل كعامل رئيس في تشغيل 205 مصانع مصرية وستؤثّر في تحريك واختراق عقول [161 ألف عامل] أما هذه المناطق فهي [العاشر من رمضان – شبرا الخيمة – مدينة نصر – جنوب الجيزة – مدينة 15 مايو وحلوان – محافظة الاسكندرية – العامرية – برج العرب – العامرية الجديدة – الدخيلة – منطقة قناة السويس – بورسعيد] إضافة لذلك فإن الواقع بعد 14 عاماً من توقيع الاتفاقية يقول إن هذا العدد من المصانع لم يعمل بأكمله ، بل تم تدميره تماماً ليربح فقط رجال الأعمال المُطبّعين وهم ثلاثة من كبار رجال الأعمال ممّن لهم علاقة بقصة التطبيع التاريخي بين" إسرائيل" والحكومة المصرية.

ثانياً : وفي نطاق النقد العلمي لهذه الاتفاقية والتي تعدّ اتفاقية سياسية أكثر منها اتفاقية اقتصادية أنها أتت لتقدّم فيها مصر "لإسرائيل" تنازلاً مجانياً يفتح الباب السياسي (فضلاً عن الباب الاقتصادي) لزيادة تجارتها وتطبيعها من خلال إدخال مكوّن صناعي بنسبة 11.8%) الأمر الذي لم يقابله تنازل إسرائيلي مواز ، ولو بشكل رمزي متمثلاً في وقف حمامات الدم – مثلاً – في قطاع غزّة والضفة .


ثالثاً : أدّت هذه الاتفاقية إلى الإنهاء العملي لاستراتيجية المقاطعة العربية للشركات والسلع "الإسرائيلية"، وهي استراتيجية كبّدت العدو الصهيوني في الفترة من (1948 –2018) أكثر من مائة وخمسين مليار دولار ، تأتي هذه الاتفاقية لتجعل التطبيع الاقتصادي السرّي (والمحدود) الذي كان يجري مع 14 دولة عربية ، تطبيعاً علنياً ومتزايداً وبأحجام كبيرة.


والخلاصة :

إن هذه الاتفاقية التي وقّعها نظام مبارك قبل 14 عاماً مضت ، بطريقة مخالفة لدستور البلاد ، أي أنها اتفاقية غير دستورية وغير قانونية ، وذلك لأنه وفقاً للدستور المصري لابد وأن تُعرَض أية اتفاقية اقتصادية أولاً على مجلس الشعب المصري قبل التوقيع عليها ، لأن للاتفاقات الاقتصادية التزامات مالية على الخزانة العامة للدولة سواء كانت خصماً أو إضافة إلى الرافد الضريبي والجمركي، وهو الأمر الذي لم يحدث مع هذه الاتفاقية حيث قامت الحكومة المصرية من خلال وزير التجارة بتوقيعها مع الطرفين الأميركي و"الإسرائيلي" من دون عرضها على مجلس الشعب المصري ، ورغم عدم دستوريّتها .
ورغم وقوع ثورتين في مصر (يناير2011- يونيو2013 ) إلا أنها لاتزال مستمرة في عناد وقح لإرادة الشعب المصري والتاريخ ومصالح الوطن ! كما جائت هذه الاتفاقية في الوقت الخطأ حيث تواكبت مع تدهور الاقتصاد المصري وتطبيق نظام الجات الذي ادى الى اغلاق الكثير من المصانع المصرية والتي لم تكن تحتاج لاسواق بل كانت تحتاج لبنية تكنولوجية تحسن من جودة منتجاتها ، ولن ترضى هذه المنتجات بالسوق الامريكية، وبالتالي ستكسب "اسرائيل "، من خلال رفع نسبة الدخول بمنتجاتها بنسبة 12% الى 35% ، وستكون هي الرابح الاكبر وستخسر مصر

لم تتعظ مصر مما حدث مع الاردن عندما اخترقت "اسرائيل " 11 منطقة صناعية في ظل التعاون الكبير مع الكيان الصهيوني في المجالين الامني والاستخباراتي مما ادى الى خروجها من اتفاقية المقاطعة العربية "لاسرائيل " ، بشكل تام ومنذ ذلك الوقت لم تحضر اجتماعاتها ، ويتزامن ذلك مع استمرار المذابح الاسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني !.