عطوان:هل تملص اردوغان من اتفاقات سوتشي وانهاء هيمنة "النصرة" على ادلب؟

عطوان:هل تملص اردوغان من اتفاقات سوتشي وانهاء هيمنة
السبت ٢٣ فبراير ٢٠١٩ - ٠٦:٥٥ بتوقيت غرينتش

قرار الرئيس دونالد ترامب المفاجئ الذي اعلنه مساء الخميس الماضي، بعد مكالمة هاتفية مع الرئيس رجب طيب اردوغان، بإبقاء 200 جندي في شمال شرق سوريا ربما يشكل نسفا للتفاهمات والاتفاقات التي جرى التوصل اليها بين قادة روسيا وتركيا وايران في قمة سوتشي الثلاثية الأخيرة، وابرزها احياء "اتفاق اضنة" الذي جرى التوصل اليه بين حكومتي سوريا وتركيا عام 1998، كبديل عن المنطقة العازلة على الحدود بين البلدين والحفاظ على وحدة الأراضي السورية والامن  القومي التركي معا.

العالم - سوريا

الرئيس ترامب كان يكذب عندما قال انه لم يتراجع عن قراره بالانسحاب الكامل من سوريا، ومن الواضح انه رضخ لضغوط ومطالب جون بولتون، مستشاره لشؤون الامن القومي، وبعض القادة العسكريين، في محاولة لإرضاء حليفيه، الاتراك والاكراد معا، ولكنه قد يخسرهما جزئيا او كليا في نهاية المطاف.

القوات الامريكية ذهبت الى سوريا (2000 جندي) تحت غطاء محاربة "داعش" واقتلاعها من عاصمتها "الرقة" شرق الفرات، الآن يقول الرئيس ترامب انه سيبقي الـ200 جندي امريكي من اجل الحيلولة دون عودتها وتقليص مخاطرها، بعد ان نزلت تحت الأرض، وعلى وشك بدء مرحلة العمل الإرهابي السري، علاوة على توفير الحماية لـ"قوات سورية الديمقراطية"، والتجاوب مع نداءات قيادتها التخلي عن الاكراد.

200 جندي امريكي لن يوفروا الحماية للاكراد، والمنطقة العازلة التي يريد ترامب ومستشاره بولتون اقامتها في شمال شرق سوريا، فرهان ترامب ارسال 1000 جندي أوروبي للاحلال محل قواته المنسحبة يواجه صعوبات كبيرة، لان الرد الأوروبي جاء "فاترا"، ولا نستبعد ان يلجأ الرئيس الأمريكي الى حلفائه بدول مجلس التعاون، "المطبعين" الذين لا يرفضون له طلبا هذه الأيام لملئ هذا الفراغ عسكريا، وتوفير الأموال المطلوبة لتغطية النفقات.

لا نعرف حتى كتابة هذه السطور موقف كل من الروس والإيرانيين، شركاء الرئيس اردوغان في قمة سوتشي الثلاثية، عن هذه التطورات المفاجئة، وابرزها عودته للتنسيق مجددا مع الامريكان في ملف شمال شرق سوريا، وبما يتعارض مع الاتفاقات التي تم التوصل اليها، وابرزها انهاء سيطرة "هيئة تحرير الشام" (النصرة)، على ادلب، وعودة التنسيق الأمني السوري التركي باحياء "اتفاق اضنة"، والقضاء على جميع "الحركات الإرهابية" كردية كانت او عربية او اجنبية.

ما نعرفه ان الرئيس فلاديمير بوتين الذي تعارض بلاده قيام المنطقة العازلة في شمال سوريا، ويشدد على حتمية عودتها بالكامل الى سيادة الدولة الام، هو الذي اقترح احياء "اتفاق اضنة" في القمة الثنائية التي جمعته مع اردوغان في سوتشي، ووحد هذا الطرح موافقة الرئيس اردوغان الذي بدأ التمهيد لتطبيقه بالحديث عن وجود اتصالات رسمية بين أجهزة المخابرات التركية والسورية، فلماذا تغير الموقف التركي فجأة، وكيف سيكون الرد الروسي على هذا التغيير؟

الهجوم الشرس وغير المسبوق الذي شنه الرئيس السوري بشار الأسد قبل خمسة أيام على نظيره التركي، واتهمه بالتبعية للامريكان يوحي بأن القيادة السورية كانت تعلم مسبقا بهذا الانقلاب في الموقف التركي على الاتفاقات التي جرى التوصل اليها في قمة سوتشي، ولا نستغرب ان يكون هذا الهجوم انعكاسا لغضب روسي مماثل أيضا، فهذه هي المرة الأولى، ومنذ سنوات يهاجم الرئيس الأسد نظيره التركي بهذه القسوة، ودون شن في الوقت نفسه أي هجوم مماثل على دول مجلس التعاون المتورطة تمويلا وتسليحا في الازمة السورية منذ بدايتها قبل ثماني سنوات تقريبا مثلما كان عليه الحال في خطابات سابقة.

كان لافتا ان الجانبين الروسي والسوري تحدثا عن مخطط امريكي بإقامة "دويلة" كردية عشائرية عربية فوق احتياطات النفط والغاز السورية الضخمة شرق الفرات، فهل بقاء 200 جندي امريكي في شمال شرق سوريا يأتي في اطار هذا المخطط الأمريكي، وبالتوازي مع بقاء نفس العدد تقريبا في قاعدة التنف العسكرية في مثلث الحدود السورية العراقية الأردنية جنوب شرق سوريا، انها محاولة أمريكية يقودها بولتون لإحياء مشروع تقسيم سوريا.

باختصار شديد نقول ان الرئيس اردوغان لا يريد احياء اتفاق اضنة لانه يكن كراهية شخصية للرئيس الأسد، ولان التطبيق يعني التنسيق، وإعادة العلاقات، وهذا ما يفسر عودته الى الحليف الأمريكي وارساله وزير دفاعه خلوصي اكار الى واشنطن واتصاله بالرئيس ترامب، الامر الذي ينطوي على مخاطرة كبيرة ربما تعكس نتائج عكسية، ابرزها تعثر طموحاته (اردوغان) في إعادة 3.5 مليون لاجئ سوري وتوطينهم في المنطقة العازلة، لان هذه الخطوة لن تحظى بموافقة الاكراد الذين سيصبحون في موقف اقوى بعد قرار بقاء قوات أمريكية ممكن ان تتعزز بأخرى أوروبية لحمايتهم.

تراجع ترامب خلط جميع الأوراق على الأرض السورية وفي منطقة الشرق الأوسط كلها، وزاد من حدة التوتر، انهيار الاتفاقات التي تم التوصل اليها في قمة سوتشي الثلاثية قبل أسبوع اذا تأكد، ربما يؤشر الى مرحلة جديدة عنوانها تقارب إيراني روسي اكبر، وبدء الهجوم الروسي السوري لاستعادة ادلب، ومقاومة للقوات الامريكية ليس في سوريا وانما في العراق أيضا.. والله اعلم.

عبد الباري عطوان - راي اليوم (بتصرف)