المكانة والمكان في قدر مصر وايران

المكانة والمكان في قدر مصر وايران
الأحد ٢٩ مايو ٢٠١١ - ٠٧:٤٨ بتوقيت غرينتش

في تعليقه على امكانية تعطيل مسار اعادة العلاقات المصرية الايرانية الى طبيعتها عبر الضغوط الهائلة التي تمارسها الولايات المتحدة وربيبتها (اسرائيل) وبعض صغار توابعها على الحكومة المصرية الجديدة

قال لي محمد حسنين هيكل: "كن مطمئنا ان الضغوط الشعبية المصرية ستكون اقوى , وان حقائق الموقع الجيوسياسي وما يجمع بين البلدين الكبيرين من مكانة ومكان ستفرضا نفسيهما بصورة عودة قدرية للعلاقات رغم انف الجميع , وهذه سنة كونية لن يستطيع ان يوقفها محترف اسقاط رغبات السياسة على حقائق التاريخ والجغرافيا والهوية "

اما المشير طنطاوي فكان اكثر وضوحا مع محترفي الابتزاز المالي او مقايضة المال بالمواقف كما قال لنا مقربون منه عندما رد على امير ملحاح خائف على مستقبل دور بلاده في حال اسرعت مصر الى تطبيع علاقتها مع طهران مخاطبا الامير المرتعش بالقول: " اعتقد ان بلادكم لها علاقات طبيعية مع طهران وان لايران سفار ة في بلادكم بالمقابل وانه لا نية لديكم على حد علمنا لقطع علاقاتكم مع هذا البلد الجار , ولما كان هناك استثناء وحيد من زمن ما قبل الفتح في هذا السياق وهوان ثلاث دول فقط لاتملك سفارة لها في طهران اليوم هي امريكا واسرائل ومصر , و لما غدت مصر اليوم غير مصر الامس وانه لم يعد لديها ما يجمعها مع الدولتين المذكورتين آنفا في هذا السياق بعد 25 يناير و لما بات قرار مصر يؤخذ في القاهرة وفي القاهرة وحدها في الزمن الجديد , لذلك ارجوكم ان يتوقف الالحاح في هذا المجال وكفى المستمعين تفصيل المقال"

وهكذا عاد الامير المبجل بخفي حنين كما شرح لنا اولئك المقر بون , بينما انطلقت بالمقابل قافلة شباب ميدان التحرير لتستقل "طائرة الديبلوماسية الشعبية" الى طهران كما تشير الانباء المتواترة من مصر للاسراع في اعادة العلاقات الديبلوماسية الكاملة بين البلدين المسلمين حرصا على تثبيت المطلوب من القرارات ومنع احتمالات القرصنة او الاختطاف للمتاح من الانجازات .

انها علامة فارقة ومؤشر جديد على ان قواعد الديبلوماسية المصرية قد بدأت بالتحول بين الاخوة والاصدقاء , و هي تتقدم بخطوات نوعية كبيرة اليوم على وقع انباء الفتح الكامل والنهائي لمعبر رفح الحدودي بين مصر وغزة, تماما كما تغيرت قواعد الاشتباك مع العدو الصهيوني بالامس القريب بعد ان قرر اللاجئون الفلسطينيون منذ الخامس عشر من ايار الماضي الزحف السلمي المنتظم والمنظم والمتتالي الى فلسطين مع كل مناسبة توصلهم بالوطن المغتصب والمختطف .

انه زمن التحولات الشعبية الضاغطة على الحكام رغم اختلاط الاوراق هنا وهناك ورغم بعض محاولات التشويش على نتائج اليقظة العربية والاسلامية المتنامية وسط شعوب الامة العربية والاسلامية .

ليست طهران هي الراكبة لموجة التحولات العربية محاولة توظيفها لما فيه مصلحة الامن القومي الايراني كما يتهمها البعض من جهال السياسة , بل هي واشنطن الخاسر الاكبر مما يدور على الارض العربية والمرعوبة من تجذير الثورات العربية بما يجعلها تصب في مصلحة الثورة الاسلامية الايرانية التي تريد مشرقا مستقلا وحرا جديدا على انقاض احلام كونداليزا رايس في شر ق اوسط جديد .

يقول العدو ان عقارب الساعة لن تعود الى الوراء , وانه لا مكان لقوى الاستبداد والفساد واجهزة القمع السلطوية في بلادنا بعد اليوم في ظل اتساع دائرة ربيع الثورات العربية , والعدو هنا صادق في قوله هذا اذ لم يعد في المشرق الجديد الذي بدأ يتشكل على ديبلوماسية الشعوب وقواعد اشتباك جديدة , اي مكان لقوى الديكتاتورية والفساد والابادة الجماعية التي لطالما ساندتها القوى العظمى ورعتها وحلبت ثروات شعوبها , وبالاخص تلك الدويلة المصطنعة والدخيلة والباغية التي زرعتها معادلة المنتصرين في الحرب العالمية الثانية وسط بلادنا وفي قلب ارضنا الطاهرة دون وجه حق .

ويقول شباب الثورة بالمقابل بان لا عودة الى الوراء من اليوم فصاعدا في مجال صناعة وصياغة القرار الوطني وتقرير مصير الامة بعيدا عن املاءات العدو مهما حاول اختراق صفوف الثوار بالتلويح بالحرب مرة والخديعة والاحتيال – اي الحرب الناعمة – مرات ومرات , وشباب الثورة صادقون هذه المرة بالفعل بعد ان خبروا صنوف الحرب الوحشية القاسية منها والناعمة .

رحم الله ابا جهادا صاحب لواء حرب التحرير الشعبية والذي سموه شباب الثورة في حينها اول الرصاص اول الحجارة , وهو القائل بان لا احد يمكن ان يهزم الثائر المثابر والقابض على جرحه والذي يعرف متى وعلى من وفي اي اتجاه يطلق النار وكيف يقاتل في زمن الحرب كما في زمن السلم دون ان يفتح ثغرة قبالة عرينه و حتى يمنع الجنرال "ملل" من التلاعب في ارادته في زمن اختلاط الاوراق والتشويش الهادف والمقصود على الثورات اوممارسة التضليل عليها ما يجعله في اتم الجهوزية لمواجهة العدو في زمن الحرب و7 حزيران المقبل ميزان جديد سيحمل معه المزيد .

وهكذا هي مصر الجديدة هي ايضا تبدو اليوم وكانها مصممة على اعادة الحياة الى الاستراتيجية الشعبية الفلسطينية السهلة على اهلها لكنها الممتنعة على عدوها , وهي تتقدم بخطوات ثابتة الخطى لا تكل ولا تمل باتجاه معسكر المقاومة والممانعة مهما كانت الاثمان والاكلاف في تكتيك مدروس بعناية يجعل العدو عاجزا عن المواجة معها مهما كان مدججا بالسلاح او مدعوما بقوى الظلام الدولي .

انه زمن فلسطين اذن ايها الاحرار " فدوروا معها حيثما دارت" كما كان يردد الشهيد فتحي الشقاقي , وقد اثبتت الاحداث بانه لن يخسر يوما مناضل سلك دربها , مات شهيدا او بقي شاهدا على رواية قصة الحياة الابدية فيها الا وقد شهد معنا يوم تحرير كل العواصم العربية والاسلامية من طهران يوم 11 شباط 1979 الى القاهرة يوم الحادي عشر من شباط 2011 , ويا لها من "مصادفة" ابت الا ان تقول بان التاريخ يرفض مقولة الصدفة فيما يؤكد بان قدر وميزان كل من القاهرة وطهران مكتوبان في سجل الزمان والمكان قبل وبعد كان يا ما كان !

كل الدلائل والعلامات "الشهودية" والعملانية تقول بان العلاقة بين القاهرة وطهران ستعود بسرعة قياسية مهما صدر من بالي من تصريحات تسويفية .

محمد صادق الحسيني