وفد شعبي إلى إيران

وفد شعبي إلى إيران
الثلاثاء ٣١ مايو ٢٠١١ - ٠٥:٤٣ بتوقيت غرينتش

تظل العلاقة مع إيران أحد المعايير التي يمكن أن يقاس بها مدى استقلال القرار المصري. لذلك فقد اعتدت أن أقول حين كنت أسأل عن سبب تعثر تلك العلاقة طوال الثلاثين عاما الماضية أن طرفيها ليسا القاهرة وطهران فقط، ولكن هناك طرفا ثالثا يلعب دورا ضاغطا يحول دائما دون "تطبيع" العلاقات بين البلدين.

لذلك لم أستغرب أن يصرح الدكتور نبيل العربي، وزير خارجية حكومة ثورة 25 يناير بأن مصر تتطلع إلى إقامة علاقات طبيعية مع إيران.

وسرني أيضا أن يتوجه وفد شعبي مصري يضم 40 شخصا إلى إيران، في محاولة شجاعة لكسر الحاجز النفسي بين الشعبين الذي أقامه النظام السابق.

ولعلنا نذكر في هذا الصدد أن اتفاقا كان قد وقع لتسيير خط الطيران بين القاهرة وطهران، ولكن الأيدي الخفية صاحبة المصلحة في استمرار القطيعة تدخلت لتجميده وتأجيل تشغيل الخط حتى إشعار آخر.

سفر الوفد الشعبي المصري له أكثر من دلالة مهمة، منها أن المجتمع المصري استرد حريته في التعبير عن نفسه وتقدير موقفه، وأن وصاية السلطة وجهاز أمن الدولة على عقول الناس وتوجهاتهم سقطت.

منها أيضا أن عملية التعبئة المضادة التي استمرت طوال الثلاثين سنة الماضية ظل تأثيرها مقصورا على المجال الإعلامي الذي لم يتجاوز تأثيره قشرة المجتمع دون أن ينفذ إلى عمقه. من تلك الدلائل كذلك أن حركة المجتمع في مصر صارت متقدمة على حركة السلطة. فالمجتمع تصرف في هذا الشأن بعفوية وتلقائية. متأثرا بالوشائج والحس التاريخى. في حين أن حركة السلطة محكومة بحسابات معقدة تضع في الاعتبار معادلات أخرى اقليمية ودولية.

كنت ومازلت أحد القائلين بأنه من المشين والمخجل أن تتجاوز مصر وتغض الطرف عن تناقضاتها مع (اسرائيل)، لتقوم بتطبيع العلاقات معها رغم أنها لاتزال تعد عدوها الاستراتيجى الأول، في حين تعجز عن ذلك عندما تعلق الأمر ببلد شقيق هو إيران. ولا تفسير لتلك المفارقة الشاذة سوى أن ذلك ما أراده الطرف الثالث الذي انصاع له القرار المصري في ظل النظام السابق.

ثمة بديهية يعرفها كل الدبلوماسيين والمشتغلين بالعمل العام، وهي أن إقامة العلاقات الطبيعية بين أي بلدين لا تعني بالضرورة رضا كل طرف عن سياسة ومواقف الآخر، كما أنها لا تعني أن الطرفين كونا كتلة ضد أي طرف ثالث. إلا إذا عقدا تحالفا استراتيجيا بينهما.

إن دول الخليج (الفارسي) التي تحفظ بعضها على الموقف المصري الأخير. تقيم كلها علاقات دبلوماسية طبيعية مع إيران، وهي تعد سوقا رئيسية للبضائع والاستثمارات الإيرانية. وفي كل واحدة من تلك الدول سفير إيراني معتمد، بل في السعودية سفيران أحدهما يمثل الجمهورية الإسلامية لدى المملكة في الرياض، والثاني يمثلها لدى منظمة المؤتمر الإسلامي في جدة.

إننى أفهم جيدا أن تتضرر (إسرائيل) وتغضب الولايات المتحدة إذا قامت علاقات طبيعية بين القاهرة وطهران حتى لا يتقوى كل من البلدين بالآخر، فضلا عن أن للشيطانين الأكبر والأصغر مصلحة في عزل إيران وتقويض نظامها لأسباب يطول شرحها تتراوح بين رفض إيران للهيمنة الأميركية ومساندتها للمقاومة الفلسطينية. لكن ما لا أفهمه هو أن تنحاز بعض الدول العربية في هذا الشأن إلى جانب المربع الأميركي والإسرائيلي.

لا نستطيع أن نغض الطرف في هذا المقام عن أطروحات المختصين بالشؤون الاستراتيجية الذين يعولون في نهضة المنطقة بأسرها على اكتمال أضلاع "مثلث القوة" في المنطقة، المتمثل في مصر وتركيا وإيران.

كما أننا لا نستطيع أن نتجاهل أن حجم المنافع والمصالح التي ضاعت على مصر وإيران بسبب القطيعة بينهما هي بلا حدود، وأن آفاق التعاون الاقتصادي والسياحي بينهما هي أيضا بلا حدود، ولست أشك في أنه بعد زيارة الوفد الشعبي المصري لطهران، فإن زيارة أخرى لوفد من رجال الأعمال المصريين يمكن أن تشكل دفعة قوية لمسار التعاون بين البلدين، خصوصا أنه قيل لي في طهران إن هناك ثمة استعدادا قويا لدى الإيرانيين للدخول في مشروعات استثمارية بمصر في حدود 8 مليارات دولار. وفي هذا فليتنافس المتنافسون.

بقلم: فهمي هويدي