تدليس إعلامي

تدليس إعلامي
الثلاثاء ٣١ مايو ٢٠١١ - ٠٧:٥٦ بتوقيت غرينتش

31/5/2011 فهمي هويدي fahmyhoweidy.blogspot.com

يوم الجمعة الماضي (27/5) حين خرجت الجماهير إلى ميدان التحرير وبعض الميادين الأخرى للتعبير عن يوم الغضب، ذكرت النشرة الإخبارية التي بثتها قناة «أو. تي. في» إن من بين المطالب التي دعا إليها المتظاهرون تشكيل مجلس رئاسي لحكم البلاد.


وفي اليوم التالي مباشرة (السبت 28/5) أشارت صحيفة «المصري اليوم» في عناوين الصفحة الأولى إن أهم المطالب: الدستور أولا، وتأجيل الانتخابات.


وذكرت صحيفة «الشروق» أن أبرز مطالب المتظاهرين تمثلت في الدعوة إلى تأجيل الانتخابات.

 

أما جريدة «الأهرام»، فتحدثت عن مشاركة عشرات الألوف في التظاهرات، الذين طالبوا بإصدار الدستور أولا وتأجيل الانتخابات التشريعية، وعدم انفراد المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإصدار القوانين.


قارنت ما نشرته الصحف سابقة الذكر بالتقرير الذي نشرته صحيفة «الحياة» اللندنية في اليوم ذاته (السبت 28/5) فلاحظت اختلافا في أمرين،

 

الأول أن الصحف المصرية ذكرت أن غياب الإخوان لم يؤثر على «المليونية» التي التأمت يوم الجمعة، في حين ذكرت صحيفة الحياة العكس، وقالت إن التظاهرات «أظهرت قدرات الإسلاميين على الحشد، إذ مثل غيابهم عن ميدان التحرير ضربة لأعداد المحتشدين».

 

الأمر الثاني إن تقرير «الحياة» لم يشر إلى أولوية العناوين والمطالب التي أبرزتها الصحف المصرية، وإنما ذكر أن إحالة الرئيس السابق ونجليه علاء وجمال حظيت باهتمام كبير في قلب ميدان التحرير، إذ طالب المتظاهرون بضرورة التعجيل بمحاكمة مبارك وأركان النظام السابق علانية.

 

وقالت إن الآلاف توافدوا على ميدان التحرير والميادين الكبرى في أنحاء البلاد، وإن نحو ثلاثة آلاف مصرى احتشدوا في ميدان التحرير مطالبين بأمور كثيرة منها تصحيح مسار الثورة وتشكيل مجلس رئاسة مدني لتنفيذ أهدافها، إضافة إلى إجراء نقاش مجتمعي موسع قبل إصدار التشريعات والقوانين.


ذكر التقرير أيضا أن خطيب الجمعة طالب القوات المسلحة بالرجوع إلى الشعب والثوار قبل إصدار أي قرار مصيري، وانتقد مشاركة بعض رموز الحزب الوطني المنحل في جلسات الحوار الوطني.


في حين ردد المتظاهرون هتافات طالبت بسرعة محاكمة الرئيس السابق وبطانته ومصادرة أموالهم لمصلحة الشعب.


الخلاصة أن الصورة التي سجلها وسوَّقها الإعلام المصري ركزت على ثلاثة مطالب هي:

 إصدار الدستور أولا، وتأجيل الانتخابات التشريعية، وتشكيل مجلس رئاسي مدني في الفترة الانتقالية الراهنة.


في حين أن الصورة التي رسمتها جريدة «الحياة» ركزت على مطالب أخرى متعلقة بمحاكمة الرئيس السابق وتصفية رموز الفساد، وغير ذلك مما سبق ذكره.

وحين ذكرت مسألة المجلس الرئاسي في تقرير «الحياة» فإنها وردت ضمن نداءات وعناوين أخرى ترددت في هتافات الجموع الحاشدة.


سألت أكثر من شخص ممن كانوا في ميدان التحرير طوال اليوم، فأيد الشهود دقة التقرير الذي نشرته جريدة الحياة، الأمر الذي يدعونا إلى إعادة تقييم مواقف بعض الأبواق الإعلامية وتحيزاتها في المرحلة الراهنة.

 

إذ يستدعي إلى أذهاننا حقيقة الدور التحريضي الذي قامت به قناة «أو. تي. في» المملوكة لرجل الأعمال نجيب ساويرس، لتعبئة المشاهدين ضد التعديلات الدستورية.

 

كما يذكرنا بأن صحيفة «المصري اليوم» التي يملكها رجل الأعمال صلاح دياب نظمت ندوة في أحد الفنادق الكبرى لمعارضة التعديلات استمرت ثلاثة أيام.


تنبهنا المفارقة أيضا إلى أن منابر الإعلام الأساسية تحتكرها نخب معينة وتحاول توظيفها لصالح مشروعها السياسي عن طريق لي الحقائق لتخدم أهداف ذلك المشروع، ولا ينسى في هذا الصدد أن تلك المنابر ذاتها حين قادت حملة التعبئة لمعارضة التعديلات الدستورية، فإن تأثيرها في أحسن فروضه لم يتجاوز حدود 22 في المئة من المصوتين، الأمر الذي يعنى أن 77 في المئه من الذين اشتركوا في الاستفتاء أداروا ظهورهم لهم.


إن أزمة الإعلام تعكس أحد أوجه أزمة النخبة المصرية، التي ينتمى أغلبها إلى مربع الـ22 في المئة، والمسافة بين ما تبثه المنابر الإعلامية المختلفة وبين الواقع هي ذات المسافة بين النخبة والمجتمع.


وفي الحالتين، فإن خطابها يدل على أن تلك النخبة أفرزتها الأنظمة التي توالت في العهود السابقة، وليست خارجة من رحم المجتمع أو معبرة عن ضميره.

 

إن مصر الثورة تستحق نخبة أكثر انتماء للناس وأكثر أمانة وصدقا في التعبير عن الحقيقة.