سوريا .. رسائل فوق الطاولة

سوريا .. رسائل فوق الطاولة
الجمعة ٢٣ سبتمبر ٢٠١٦ - ٠٣:٣١ بتوقيت غرينتش

لابد بداية من القول ان الوضع الراهن في سوريا يكتنفه الغموض والتعقيد وما هو تحت الطاولة وفي الخفاء اكبر بكثير مما هو معلن حتى انه و مثالا.. كل التحليل السياسي لما يجري بين القوتين روسيا وامريكا يقع الآن فيما هو معلن فقط وهو مقدمة الاتفاق وليس في صلبه ذاك الاتفاق بملفاته الخمس بحوزة أطراف لا تعلن عنه نزولا عند رغبة واشنطن ، ولكن بعض هذه الأطراف لديها نية الإعلان عن بعض مضمونه، وكانت ستفعل الاسبوع الماضي ولكنها تراجعت لأسباب نجهلها.

في جلسة مجلس الأمن امس كانت الرسائل فوق الطاولة وعلنية وسنحاول في هذه العجالة ملامستها لنصل الى نتائج بالتحليل السياسي وربما ببعض المعلومات.

البداية كانت من لافروف الذي كرر مرتين انه كان يأمل أن يوزع نسخا لأعضاء مجلس الأمن حول مضمون الاتفاق قائلا (أنني آسف أن الأعضاء لا يعرفون على ماذا اتفقنا) تلك اول الرسائل وهي غير جديدة يشير بها قائد الدبلوماسية أمام المجمتع الدولي أن أمريكا تريد إخفاء الاتفاق عن الأعضاء وهم يريدون عكس ذلك.

الأهم في رسائل لافروف هي تركيزه على حركة احرار الشام وليس على جبهة النصرة في مسؤولية خرق الاتفاق وإطلاق النار على الجيش السوري في حلب، ليخلص الى القول علينا ان نعيد النظر في تصنيف الجماعات وهي إشارة تتجاوز الاتفاق على تصنيف (النصرة وداعش).

وهنا بتقديرنا استبق لافروف إشارات صدرت من  واشنطن لتعديل الاتفاق واوصل رسالة مباشرة الى نظيره الأمريكي أن موسكو لديها تحفظها على تصنيف الحركة إضافة الى جيش الإسلام كمنظمات معتدلة  واذا كان ثمة تعديل فهو على التصنيف ويمكن أن تعود موسكو إلى استهداف هذه الجماعات  اذا انتهى الاتفاق.

جون كيري التقطت الرسالة ، ودفع برسالته ومضمونها تعديل الاتفاق صراحة وليس إشارة  إذ قال  بكلمته صراحة إلى أنه يجب حظر الطيران السوري، وهو تعديل لما كان سابقا  في مقدمة الاتفاق وهو أن لا يشارك الطيران الحربي السوري في مناطق محددة يقوم بها الطيران الأمريكي والروسي باستهداف داعش والنصرة ، هنا ظهر موقف رسمي من أمريكا يطالب بالتعديل.

الرسالة الأخطر جاءت بقول كيري حرفيا (لا يتصور أحد أن الأمور في سوريا لا يمكن أن تزداد سوءا). وهو ما يمكن قرأته انه تهديد مبطن إلى عدم اطمئنان روسيا وحلفائها للوضع القائم حاليا  وإلى ميزان القوى الذي ترجح كفته الآن لحلف روسيا.

ثم جاء دور مندوب سوريا بشار الجعفري الذي اتسمت كلمته بالحدة والهجوم المباشر على واشنطن بعد الغارة التي استهدفت الجيش السوري في دير الزور ، في رسالة الجعفري التي فهمها كيري جيدا ، كشف الجعفري لأول مرة صراحة وعلنا أمام مجلس الأمن التواصل المباشر بين الحكومتين الأمريكية والسورية ،  وقال إن مندوبة امريكا نقلت إليه التزام واشنطن بعدم استهداف الجيش السوري أو المنشآت الحيوية للحكومة السورية وهي أخلت بهذا الالتزام.

نقدر أن لدى الجعفري وزملائه  في الدبلوماسية السورية أكثر من هذا ليقولوه عن التواصل والرسائل بينهم وبين واشنطن ولكن الجعفري أراد أن  يصرح بالتواصل المباشر متعمدا  لاضعاف موقف جون كيري الذي وصف الجيش السوري بأنه يقتل المدنيين بالبراميل وليقول أن هذا الالتزام انتهت صلاحيته.

لسنا متأكدين بعد هذا القصف الدبلوماسي  المتبادل فوق طاولة مجلس الأمن أن كان الاتفاق الأمريكي الروسي سيكمل طريقه نحو التنفيذ ولكن يمكن أن نستنتج  ما يلي.
الولايات المتحدة تريد تعديل الاتفاق قبل الإعلان عنه وأول بنود التعديل هو حظر إقلاع الطيران الحربي السوري بشكل كامل فوق كل الأرض السورية.

موسكو ترفض تعديل الاتفاق واذا كان ثمة تعديل تقبل به ، بالمقابل يجب على أمريكا أن تقبل توسيع دائرة المنظمات المصنفه إرهابية ليشمل على الأقل حركة أحرار الشام ايضا إضافة للنصرة وداعش.

كلا الطلبين يصعب الموافقه عليهما لذلك نعتقد أن الوضع في سوريا اما إلى الميدان من جديد أو القبول بتطبيق الاتفاق كما هو دون تعديل. من الصعب أن أتخيل ترجيح الخيار الأول ولكن هو الآن متقدم على ما سواه  للأسف.

الحكومة السورية تعتبر أن الالتزام الذي قدمته لها الإدارة الأمريكية قبل عامين بعدم استهداف الجيش السوري يحتاج إلى تجديد وتواصل مباشر جديد بعد الغارة على دير الزور.

ضور وزير الخارجية السورية وليد المعلم الذي طار الليله إلى نيويورك قد يكون مؤشرا مهما على ما يمكن أن تسير إليه الأمور، ليس فيما سيقوله من على منبر الأمم المتحدة ،إنما بمن سيلتقي هناك، أن كان اتفاق لافروف كيري قد مات فعلا، فإن جدول مواعيد لقاءات المعلم في نيويورك سوف يتغير . سوف ننتظر ونرى.

* كمال خلف ــ راي اليوم