هكذا خدعت جبهة النصرة وليد جنبلاط!

هكذا خدعت جبهة النصرة وليد جنبلاط!
الإثنين ٢٠ مارس ٢٠١٧ - ٠٤:٥٢ بتوقيت غرينتش

كان يمكن لمجزرة قلب لوزة التي ارتكبتها «جبهة النصرة» بحق العشرات من المواطنين السوريين في قرى جبل السماق في ريف إدلب منتصف العام 2015، أن تدخل عالم النسيان كحال عشرات المجازر التي شهدتها الأراضي السورية منذ اندلاع الحرب فيها قبل ستة أعوام. غير أن هذه المجزرة بالذات لها أهمية خاصة تجعل من الصعب تناسيها، هذا إذا لم يكن من الواجب الحرص على استذكارها دائماً واستخلاص العبر منها.

تمثل هذه المجزرة فرصة نادرة لرصد طريقة تعاطي «جبهة النصرة» مع جهة سياسية لا تنظر إليها كعدو. إذ كان النائب وليد جنبلاط رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» قد صرّح بأنه «لا يعتبر جبهة النصرة إرهابية.. بل هي جزء من المواطنين السوريين» وشدد على أنها «ليست عدواً». وعلى خلفية هذا الموقف تبادل الطرفان التحيات وعبارات الغزل، حتى أن أبا ماريا القحطاني، وكان حينها يشغل منصب عضو مجلس الشورى في «النصرة»، خص النائب وليد جنبلاط بتحية كبيرة بسبب موقفه المتفهم «لجهاد النصرة».
ولم يتغير موقف جنبلاط السابق من «النصرة» حتى بعد وقوع مجزرة قلب لوزة، وسقوط عشرات المواطنين الدروز ضحايا لهذا «الجهاد» المتفهَّم جنبلاطياً. بل إنه كاد آنذاك أن يسوّغ المجزرة من خلال تصنيفه لها على أنها «حدث فردي» في إشارة إلى أنها لا تمثل سياسة ونهج «جبهة النصرة». مقابل ذلك، أباحت الأخيرة لنفسها في إطار سياستها الغزليّة مع جنبلاط، الخروج عن أحد ثوابتها وهو عدم الاعتراف بأي مجزرة ترتكبها، حيث أصدرت بعد ثلاثة أيام من وقوع المجزرة بياناً لا مثيل له من حيث الصياغة والمضمون. فلم تكتف «النصرة» بالإقرار بارتكاب المجزرة ونسبتها إلى بعض عناصرها، بل وعدت «أن جميع المسؤولين عما وصفته بـ«الخطأ غير المسوّغ» سيجري إحالتهم على «محكمة شرعية» ليحاسب على ما ثبت بحقه من دماء».
وجاء ذلك بعد اتصالات كثيرة أجراها النائب جنبلاط مع قيادات من المعارضة السورية في الأردن وتركيا انتهت إلى محاولة احتواء قضية المجزرة على أساس محاسبة المسؤولين عن ارتكابها واستبدال القوة المتمركزة في قرى جبل السمّاق بقوة أخرى يغلب عليها الطابع السوري. وبناء على ذلك صدرت في منتصف شهر حزيران من العام 2015 وثيقة موقعة من وجهاء قرى جبل السماق (11 وجيهاً) تطالب بمحاكمة المتهم الأول بارتكاب المجزرة المدعو سفينة التونسي وعناصر مجموعته.
ولكن ماذا حدث بعد ذلك؟
سرعان ما غابت أو غيّبت أخبار المجزرة لتدخل سريعاً عالم النسيان، وكأن شيئاً لم يكن، وكأن دماء عشرات المواطنين لم تسفك بسبب العنصرية الطائفية لقادة «جبهة النصرة» وعلى رأسهم سفينة المعروف أيضاً بلقب أبي عبد الرحمن التونسي. وبدا واضحاً أن هذا التغييب ناسب توجهات «الحزب التقدمي الاشتراكي» الذي تماهى معه وأغلق الملف متنازلاً حتى عن حقه في معرفة مآل المحاكمة التي وعدت بها «جبهة النصرة» لعناصرها المتهمين.
لكن المجزرة المنسية، مهما طال عليها الزمن قد تتجدد ذكراها أحياناً بمجزرة أخرى، سواء لأنها تشبهها أم لأن الفاعل في كلتا المجزرتين واحد. وهكذا فإن المجزرة التي ارتكبها فصيل «جند الأقصى» في ريف حماة الشمالي وخصوصاً في بلدتي صوران وكوكب كانت كافية لتعيد إلى الأذهان مجزرة قلب لوزة.
حيث قام «جند الأقصى»، في شهر تموز من العام الماضي بذبح بعض المواطنين السوريين وفصل رؤروسهم عن أجسادهم بعد ساعات من سيطرته على البلدتين المذكورتين، وقام بنشر صور ومقاطع فيديو تظهر بعض عمليات الذبح وبعض الرؤوس المفصولة في مشاهد تذكر بإصدارات تنظيم «داعش» الدموية.
وكانت المفاجأة في المعلومات التي حصلت عليها «الوطن» من مصدر خاص والتي أكدت أن القائد الميداني الذي أمر بارتكاب مجزرتي صوران وكوكب في ريف حماة الشمالي هو نفسه سفينة التونسي (أبو عبد الرحمن) الذي سبق له ارتكاب مجزرة قلب لوزة ووعدت «جبهة النصرة» بمحاكمته استجابة لمطالب النائب وليد جنبلاط ولوثيقة وجهاء المنطقة.
لكن تبين فيما بعد أن بيان «جبهة النصرة» حول الحادثة، بل جميع مغازلاتها مع وليد جنبلاط، لم تكن أكثر من كلام الليل الذي يمحوه النهار. وهذا أمر متوقع، لأن «جبهة النصرة» تنظر إلى جميع من يخالفها دينياً أو سياسياً على أنهم «كفار أو مرتدون» ليس أمامهم إلا خياران إما التخلي عن «كفرهم» وإما ملاقاة «الموت» عقاباً عليه. أما التصريحات التي تصدر في بعض الظروف استجابة لما تفرضه ضرورات البراغماتية فصلاحيتها تنتهي بمجرد التعبير عنها.
وقد علمت «الوطن» أنه بعد صدور البيان حول محاسبة العناصر المتهمين بارتكاب مجزرة «الدروز»، قامت «جبهة النصرة» بتهريب «أميرها» سفينة التونسي لمنع محاكمته. وذلك من خلال إرساله إلى فصيل «جند الأقصى» ضمن مجموعة من «القادة الميدانيين» كانت «النصرة» ملتزمة بإرسالهم لتدريب عناصر «جند الأقصى» بناء على اتفاق مسبق بينهما. وذلك قبل أن تسوء العلاقة بين الطرفين مطلع العام الحالي وما تلا ذلك من تفكيك «جند الأقصى» بشكل نهائي.
وأكد المصدر الذي تحدث إلى «الوطن» أن المدعو سفينة هو الذي قاد هجوم «جند الأقصى» على بعض بلدات ريف حماة الشمالي ولا سيما الهجوم على صوران وكوكب في تموز الماضي. وشدد على أن الشخص نفسه الذي أمر بارتكاب مجزرة قلب لوزة هو الذي أمر بارتكاب أعمال الذبح بحق المواطنين والجنود في هاتين البلدتين. وبعد تفكك «جند الأقصى» إثر الخلاف بينه وبين «جبهة النصرة»، تضاربت الأنباء حول مصير سفينة التونسي بين من يقول إنه التحق بالحزب الإسلامي التركستاني حليف «النصرة» في هذه المرحلة، ومن يؤكد أنه عاد إلى «جبهة النصرة» معززاً مكرماً.
وتبقى معلومة نضعها برسم النائب وليد جنبلاط نظراً لخطورتها. إذ إن المصدر نقل عن المدعو سفينة نفسه تأكيده في أكثر من مناسبة أن عدم محاكمته على مجزرته بحق «الدروز» يعود إلى سبب بسيط، هو أن «جبهة النصرة» قد دفعت فدية القتلى في مجزرة قلب لوزة من «حرّ مالها»، مشدداً على «أن قيادياً في «الحزب التقدمي الاشتراكي» هو من استلم مبلغ الفدية» عبر وسيط سوري»!!.
هو أمر لا يصدق، ولكن من كان يصدق بعد كل الغزل بين «النصرة» وجنبلاط أن يتاح لسفينة النجاة من العقاب ثم ارتكاب مجزرة جديدة في حماة؟ ومن يدري أين لاحقاً؟
عبد الله علي ــ الوطن

4

تصنيف :