الدرس الايراني في العلوم والتكنولوجيا

الأحد ١٥ فبراير ٢٠٠٩ - ١٠:٣٤ بتوقيت غرينتش

تستطيع دول عربية في الخليج (الفارسي) أن تختلف مع إيران في فكرها ومنهجها السياسي والفقهي، وتستطيع أن تدخل معها في عتاب أو شقاق حول هذا الموضوع أو ذاك، لكنها حتما يجب أن لا تتجاهل تجربة الإنجازات العلمية لإيران.

فتقدمها العلمي والتكنولوجي المتنامي في مجال الطاقة النووية وإنجازها الأخير في صنع قمر فضائي نتيجة جهود علمية وتكنولوجية وصناعية محلية وإطلاقه بصاروخ فيه هو الآخر جهد ذاتي إيراني، وجهدها الدؤوب لبناء قاعدة تكنولوجية صناعية تلبي حاجاتها الداخلية من جهة وتقلل من إمكانيات رضوخها لابتزازات الخارج من جهة أخرى، واعتمادها الكبير في كل ذلك على قدرات جامعاتها ومراكز بحوثها الوطنية.. كل ذلك يجب أن يدفعنا لطرح الأسئلة والخروج ببعض الملاحظات المفيدة لمسيرتنا الخليجية المشتركة.

أولا: إن إيران دولة مسلحة بترولية من "العالم الثالث"، وكذلك دول مجلس التعاون مجتمعة، فلماذا نجاحهم في حقول العلوم والتكنولوجيا، ولماذا تأخرنا عن ذلك؟ هل لأن في إيران جهة واحدة تتخذ القرار وفي مجلس التعاون توجد ست جهات غير متعاونة ولاحتى متناسقة؟ أم هل أن قيادة إيران قد أدركت بفهم وعمق أن عولمة القرن الواحد والعشرين ستسحق وتهمش كل اقتصاد وطني إن لم ترفده قاعدة علمية تكنولوجية ذاتية لتجعله اقتصاد إنتاج بينما لا تزال قيادات مجلس التعاون مكتفية ببناء اقتصاد ريعي ومالي يرفد اقتصادات الآخرين الإنتاجية ولا يريد الخروج من نمطه الكسول المتخلف؟

ثانيا: إن إيران قد أدركت بأن عصر البترول يقترب من نهايته وأنها إن لم تستفد الآن وبأقصى السرعة من ثروة البترول المؤقتة لإعداد مجتمعها وشعبها لمواجهة مستقبل مابعد البترول فإنها سترتكب جريمة بحق أجيالها القادمة، إذ ستجعل منهم بشرا يعيشون على هوامش التاريخ ويأكلون من فتات مزابله.

إن إيران قد قرأت على ما يبدو عشرات التقارير التي تؤكد أن العمر الافتراضي الباقي لعصر البترول لن يكون أطول من عمر من يولدون اليوم واقتنعت بما قرأت. فما الذي يقابل ذلك عندنا؟ اصرار عجيب على بناء اقتصاد المضاربات العقارية وقمار الأسهم وتنمية نشاطات خدمية استهلاكية وترفيهية مرتبطة أشد الارتباط بالخارج، حتى إذا ما أخطأ الفاسدون من قادة اقتصاد الخارج دفعنا نحن ثمنا باهظا كما نراه الآن أمام أعيننا في المشهد الخليجي الهش الهائم على وجهه في مدن ناطحات السحاب الفارغة من الجهد والإبداع الذاتي..

ثالثا: إن إيران وهي المحاصرة المحاربة في اقتصادها منذ سنين طويلة، أدركت أن اعتمادها على قدراتها البشرية مدخل رئيسي في مقاومتها لتركيعها. إنها تعتمد على الأخص على بناء مؤسسات تعليمية وتدريبية وبحثية وإدارية ذاتية لإمدادها بتلك القوى البشرية المطلوبة. أما في دول مجلس التعاون فالدولة تتخلى شيئا فشيئا عن مسؤولياتها التعليمية والتدريبية والبحثية وتسلمها لقطاع خاص داخلي وخارجي لايهمه إلا الربح وإنتاج البضاعة المطلوبة دون أي ربط بتطلعات المستقبل لتلك الدول.

وأصبحت موضة الاستعانة بخبرات شركات الخارج للقيام بكل صغيرة وكبيرة متنامية إلى حدود الهوس والجنون بينما يصار إلى تهميش القدرات المحلية لتضمر شيئا فشيئا أو تهاجر إلى حيث تقدر وتستثمر إمكانياتها.. ولا نحتاج للتذكير مرة أخرى بفاجعة التراجع المذهل في تنمية اعتمادنا الذاتي في حقل صناعة البترول وعودتنا للارتهان لشركات البترول العالمية في التنقيب والإنتاج وصناعة المشتقات والتسويق..

دول مجلس التعاون لا تحتاج فقط لقادة ينشغلون بركوب موجات السياسة وحروب الايديولوجيا في خليجنا،إنها تحتاج أيضا لمن ينشغلون، بفكر وفعل والتزام، بركوب موجات التقدم والنهوض لمواجهة أهوال المستقبل.. إن كارثة العالم الاقتصادية الحالية هي أيضا تستدعي أن نركب تلك الموجات بأسرع ما يمكن وقبل فوات الأوان.
*د. علي محمد فخرو