ماذا بعد الانتخابات الإسرائيلية؟

الأحد ١٥ فبراير ٢٠٠٩ - ١٢:١٢ بتوقيت غرينتش

الآن انتهت الانتخابات الإسرائيلية وتبلورت الخارطة الحزبية الإسرائيلية بشكل واضح ونهائي، وأظهرت مدى الإزاحة على المستوى المجتمعي في إسرائيل نحو اليمين واليمين المتطرف. وبغض النظر عمن سيشكل الحكومة الإسرائيلية القادمة قريباً، فهي في أحسن حالاتها ستتشكل من اليمن واليمين الوسط، وفي أسوئها من اليمين واليمين المتطرف، وفي كلتي الحالتين سواء شكلها "نتينياهو" زعيم حزب "الليكود" أو "تسفي ليفني" زعيمة حزب "كاديما" فلن نرى حالة الاستنفار الاميركي- الأوروبي الغربي، برفض تشكيل مثل هذه الحكومة والتعاطي والتعامل معها لأنها لا تستجيب لشروط الرباعية أو لا تقبل بالمبادرة العربية للسلام، وكذلك لن يصنف زعيم "إسرائيل بيتنا" والقادم من رحم حركة "كاخ" الإرهابية كإرهابي لا هو ولا حزبه، فالرباعية وشروطها ومصطلحات "الإرهاب" هي حصراً بالجانب الفلسطيني ومقاومته وأية حركات مقاومة وجهادية أخرى عربية وإسلامية ودولية على مستوى الأحزاب والدول، وكذلك لا قرارات ولا عقوبات من مجلس الأمن تحت البند السابع، لأن ذلك أيضاً حصراً بالعرب والمسلمين ومن لا يتقاطع أو يعارض ويرفض السياسات الاميركية والغربية في المنطقة والعالم.

وإذا كان كل الخبراء والمحللون السياسيون يجمعون على أن الحكومة الإسرائيلية القادمة، ستكون حكومة حرب بالمعنى العسكري على المقاومة الفلسطينية بالأساس في القطاع والضفة، وعمليات تطهير عرقي بحق أهلنا وشعبنا في الداخل- مناطق الثمانية وأربعين، وعلى كل قوى وأحزاب وحركات ودول المقاومة والممانعة العربية والإسلامية بالمعنى الشمولي، فهذا يعني بالملموس أن الخيارات التي واصل معسكر الاعتدال الفلسطيني والعربي اجترارها والتغني بها عشرات السنيين عن التفاوض و99 % من أوراق الحل بيد اميركا والمبادرة العربية للسلام واليد الممدودة دائماًً وأبداً إلى السلام، جاء من يقطعها ويريحنا من عناء قطعها والاختلاف حولها.

ولكن هذه الإراحة لا تعني خوض جدل بيزنطي حول الاستمرار في طرح المبادرة العربية للسلام للتداول وكخيار وحيد للسلام أو سحبها من التداول لانتهاء صلاحياتها، بل ما هي المترتبات والخيارات لمثل هذا السحب من التداول؟ وهل معسكر الاعتدال العربي وحتى النظام الرسمي العربي كاملاً والفاقد لإرادته السياسية والمخصي عسكرياً؟ والذي لم يبن ويؤسس خيارات بديلة لهذا الخيار، مثل خيار المقاومة وهنا القصد ليس بالمعنى العسكري، فنحن نعرف أن جيوشنا أكتافها وصدورها مثقلة بالرتب والنياشين والأوسمة، وهذا يمنعها من القدرة على الحركة بل ويشل حركتها وقدراتها، إنما ما نقصده هنا استغلال الكثير من الإمكانيات والطاقات الاقتصادية والمالية التي يملكها العالم العربي وتوظيفها في أن تفرض على اميركا وأوروبا الغربية تعديلاً جوهرياً وجدياً في مواقفها واستناداً للعبة المصالح.

ففي الوقت الذي كنا وما زلنا نرى أن إسرائيل ترفض استقبال وتشن حملة شعواء على أي مسؤول غربي أو اميركي مجرد أن يبدي استعدادا لعقد لقاءات مع قادة من حماس وغيرها من فصائل المقاومة، وكذلك تفعل اميركا وأوروبا فهي ليس فقط ترفض اللقاء مع قادة حماس والمقاومة، بل وتفرض شروطاً حتى على الطرف الفلسطيني المفاوض، برفض التعاطي والتعامل مع أي حكومة وحدة وطنية فلسطينية تتمثل فيها وحماس وغيرها من فصائل المقاومة.

ونحن هنا فإن ما نريده من الدول العربية، ليس جيوشا جرارة ولا مقاومة عسكرية، بل في حدود أضعف الإيمان. وأضعف الإيمان هذا يتلخص ليس في رفض استقبال ومقاطعة أي مسؤول اميركي وأوروبي غربي يستقبل ويعقد لقاءات مع ليفني ونتينياهو. فنحن نرى صعوبة في ذلك حيث أن"ليفني" لها سحرها وجمالها ومن قلب عواصمنا أعلنت حربها على غزة والمقاومة، بل بمقاطعة ورفض استقبال أي مسؤول اميركي وغربي يستقبل ويعقد لقاءات مع المتطرف "ليبرمان"، وكذلك عدم استقبال وعقد أي لقاء مع مسؤول اميركي وأوروبي غربي يرفض عقد لقاءات مع حماس وفصائل المقاومة الأخرى أو التعاطي مع حكومة وحدة وطنية فلسطينية، تتمثل فيها حماس وفصائل المقاومة الأخرى، وكذلك العمل على عدم الالتزام بالشروط الإسرائيلية - الاميركية بفرض الحصار على الشعب الفلسطيني، والتهديد والتلويح بورقة المقاومة في وجه اميركا وأوروبا الغربية من خلال إطلاق يدها في حال رفض اميركا وإسرائيل وأوروبا الغربية، إجبار إسرائيل على أن تكون دولة تحت طائلة القانون الدولي وليس فوقه، ونحن ندرك جيداً انه لن يتغير أي شيء في اميركا مع قدوم الإدارة الاميركية الجديدة، ما لم يحدث تغير في العالم العربي، تغير يشكل تهديد وخطر جدي على المصالح الاميركية في المنطقة.

إن الحكومة الإسرائيلية القادمة وبغض النظر عمن سيشكلها، فهي حكومة مغرقة في التطرف، وليس في جعبتها أية برامج للسلام، وما يميزها عن أية حكومة إسرائيلية سابقة أنها لن تنجح في تمرير أوهام السلام والذي نجحت به الحكومات الإسرائيلية السابقة وفرضت شروطها ورؤيتها واستمرت في فرض سياسة الأمر الواقع بأريحية ودون