اوباما والبحث عن اوهام في المستنقع السوري

اوباما والبحث عن اوهام في المستنقع السوري
الأربعاء ٢٨ أغسطس ٢٠١٣ - ٠١:٣١ بتوقيت غرينتش

طبول الحرب التي اخذت تقرع وبقوة هذه الايام في واشنطن وباريس ولندن ضد سوريا ، كشفت قبل كل شيء حقيقة انهيار المجموعات المسلحة في سوريا ، بعد عامين ونصف العام من الحرب الدائرة هناك.

طبول الحرب هذه ما كانت لتقرع لو كانت المجموعات المسلحة في وضع يمكنها ، علي الاقل ، من الاحتفاظ بما لديها من اراض ، فالوقائع تشير الي ان المجموعات المسلحة اخذت تتراجع و تتهاوي امام تقدم الجيش السوري ، وآخر الانجازات الاستراتيجية لهذا الجيش هو ما تم تحقيقه في الغوطة الشرقية لدمشق الاسبوع الماضي.

**ما هو سر الغوطة الشرقية لدمشق

ما حدث الاسبوع الماضي في الغوطة الشرقية لدمشق كان القشة التي قصمت ظهر المجموعات المسلحة ومن ورائها امريكا واسرائيل وبعض الدول العربية وتركيا ، فقد اشارت التقارير الي ان اجهزة استخبارات اكثر من دولة عربية واجنبية عملت ومنذ فترة طويلة علي تدريب عناصر مختارة من المقاتلين في الاردن بهدف احداث تغيير استراتيجي علي ارض المعركة قرب دمشق ، الا ان هذه المجموعة المختارة هزمت امام الجيش السوري الذي الحق بها خسائر فادحة ، بعدها مباشرة حدث الهجوم بالاسلحة الكيمياوية في تلك المنطقة بالذات وذهب ضحيته العديد من الابرياء من الاطفال والنساء والرجال العزل.

الهجوم بالكيمياوي وقع في الغوطة الشرقية لدمشق في يوم الاربعاء 21 اب اغسطس الجاري ، وعلي الفور سمحت الحكومة السورية لمفتشي الامم المتحدة بالقدوم الي سوريا للتحقيق في جريمة استخدام هذا السلاح المحرم ، وبالفعل وصل مفتشو الامم المتحدة الي دمشق يوم السبت 24 من اب اغسطس وبداوا في معاينة بعض المواقع.
الملفت انه ورغم تعاون الحكومة السورية في هذا الشأن اعلنت الادارة الامريكية ان دمشق قد تأخرت كثيرا ، اما لندن فذهبت الي ابعد من ذلك واكدت وبشكل قاطع ان دمشق ازالت جميع اثار السلاح الكيمياوي من المنطقة المنكوبة ، رغم تاكيد المفتشين ان من السهل جدا العثور علي المواد الكيمياوية في حال استخدمها هناك.

**لماذا تُتهمُ دمشق ولا يُتهمُ المسلحون؟

في الوقت الذي مازال مفتشو الامم المتحدة في سوريا يقومون بمهتهم للوصول الي نتيجة قطعية بشأن الجهة التي استخدمت السلاح الكيميائي ، كانت واشنطن ولندن وباريس يعدون العدة لاستخدام القوة العسكرية ومعاقبة الحكومة السورية علي فعل مازال قيد البحث امميا ، حتي ان البعض حدد الزمان والمكان وحجم النار الذي سيستخدم في الهجوم علي سوريا.
امام هذه المعطيات من حق المراقب العادي ان يتسائل عن سبب استخدام الطرف المنتصر لسلاح محرم ، وهو يعرف ان هذا الامرسينتهي في غيرصالحه علي جميع الصعد الداخلية والخارجية والاخلاقية والانسانية؟. وماهي حاجة الطرف المنتصر لمثل هذا السلاح؟ ، لماذا توجه اصابع الاتهام فورا الي الحكومة السورية عندما يقع هجوم كيمياوي؟ ، لماذا لاتشير اصابع الاتهام ولو لمرة واحدة الي المجموعات المسلحة ؟ ، الا يكفي كل هذا السجل الدموي للمجموعات التكفيرية من نبش للقبور واكل للاحشاء البشرية وحرق للناس وهم احياء وذبح للشيخ والرضيع واعدام للاطفال والنساء وهدم للبيوت ، الا يكفي كل هذه الفظاعات ان ترجح احتمال ان تستخدم هذا الجماعات الاسلحة الكيمياوية ، وهي معروفة عنها انها لاتعرف ولاتعترف بخط احمر في سلوكها وتصرفاتها ؟.

**امريكا وسوريا وحكاية الذئب والحمل

من حق المراقب ان يتسائل ايضا ، عن استعجال امريكا وفرنسا وبريطانيا للحرب دون انتظار نتائج تحقيقات مفتشي الامم المتحدة ؟ ، فاذا كانوا متاكدين بما لديهم من وثائق لماذا ارسلوا المفتشين اذن؟ واذا كانوا غير متاكدين فمن المنطقي ان ينتظروا تقريرالامم المتحدة بهذا الشأن؟.
ان قصة تعامل امريكا مع الازمة السورية تشبه الي حد كبير حكاية الذئب والحمل المعروفة حيث لم تنفع كل الدلائل المنطقية للحمل لدفع شر الذئب المدفوع بغريزة الافتراس .
ان كل محاولات سوريا الجادة في التعامل مع منظمة الامم المتحدة كما يحدث الان ، وكما حدث ايضا عندما تعرضت منطقة خان العسل في 19 اذار مارس الماضي لقذيفة تحمل موادا كيمياوية ، يبدو انها لم تنفع امام المنطق الامريكي الذئبي !!، فهذا البيت الابيض بدا بالعد العكسي للهجوم العسكري علي سوريا انتقاما للابرياء الذين سقطوا في الغوطة الشرقية لدمشق !!.

**المشاعر الانسانية الامريكية والسلاح الكيميائي

ان سجل امريكا في التعامل مع الدكتاتوريات والانظمة المستبدة وحروبها المتعددة التي خاضتها ضد الدول والشعوب ، لا يؤهلها ان تكون الضمير الانساني الذي يحدد طبيعة الخير والشر ، فهذا السجل اسود تفوح منه رائحة الدم ويطفح بالاكاذيب.
ففي الوقت الذي اقامت الانسانية الامريكية الدنيا ولم تقعدها ، كما هي الان ، حول استخدام السلاح الكيمياوي في سوريا ، كشفت مجلة فورين بوليسي الأمريكية، عن امتلاكها وثائق ومعلومات خاصة بالاستخبارات المركزية الأمريكية، تشير إلي أن واشنطن ساعدت الدكتاتور العراقي صدام حسين علي شن هجوم كيميائي، استخدمت فيه غاز الأعصاب ضد القوات الإيرانية خلال الحرب التي فرضها النظام الصدامي علي الجمهورية الاسلامية في ايران (1980-1988) وكذلك في مدينة حلبجة الكردية العراقية عام 1988 والتي ذهب ضحيته الالاف من الابرياء من النساء والاطفال والشيوخ والشباب.

تري اليس من حق الكثيرين ان يتهموا المشاعر الانسانية لامريكا ، والتي تتباكي الان وبصوت عال علي ضحايا الكيميائي في سوريا ، بانها مشاعر كاذبة وان دموعها دموع تماسيح؟.
اما مصداقية امريكا التي اسقط غزو العراق آخر ورقة توت كانت تغطي بالكاد عورتها ، هي ايضا لاتؤهل القيادة الامريكية بأن تتبجح مرة اخري بامتلاكها تقارير استخباراتية ، كما اعلن عن ذلك جاي كارني المتحدث باسم البيت الابيض ، تؤكد وقوع هجوم بأسلحة كيماوية الاسبوع الماضي في سوريا ويتوقع ان تخلص هذه التقارير الي ان الحكومة السورية هي المسؤولة عن الهجوم .
تري هل سيصدق العالم تقارير امريكا هذه ، ومازالت صورة وزير الخارجية الامريكية الاسبق كالن باول ، عالقة في الاذهان وهو يستعرض تقارير امريكية امام مجلس الامن قبل غزو العراق ، وهي موثقة بالصور والارقام !! وتؤكد امتلاك الدكتاتور العراقي صدام حسين اسلحة دمار شامل ، والتي اثبتت الوقائع بعدها انها كانت ملفقة مائة بالمائة ؟.

**سيناريوهات التدخل الامريكي في سوريا

يتفق جميع الخبراء العسكريين ان فرضية التدخل العسكري الامريكي الشامل في سورية هي ضرب من المحال ، كما اعتبروا ايضا احتمال فرض منطقة حظر جوي علي بعض مناطق من سوريا لايجاد غطاء للمجموعات المسلحة هو ايضا غير وارد لانه مكلف ولايمكن تطبيقه علي سوريا لاسباب متعددة . يبقي احتمال توجيه ضربات صاروخية علي اهداف محددة وفي مدة زمنية محددة ايضا ، وهذا الاحتمال وارد وممكن ، وهدفه الاول والاخير تعديل التوازن علي الارض ، الذي اختل كثيرا لصالح الحكومة السورية بعد الانتصارات المتتالية التي سجلها الجيش السوري في معاركه مع المجموعات المسلحة المدعومة من امريكا وحلفائها.

ولكن هل ستحقق هذه الضربات تغييرا في التوازن علي الارض كما تريد امريكا ، لتدخل المعارضة السورية مستقبلا من موقع القوة في مفاوضات مع الحكومة السورية ؟ ، وهل يستحق الامر ان تجازف امريكا بدخول الحرب لتحقيق نتائج غير مؤكدة؟, الا تعتبر الضربات ، وان كانت محدودة كما تزعم امريكا، بداية حرب قد تدفع القيادة السورية الي اتخاذ اجراءات عسكرية مضادة لم تكن في حسبان القيادة الامريكية؟ ، الا تفتح هذه الضربات المشهد السوري والاقليمي والدولي علي كل الاحتمالات ومنها نشوب حرب شاملة؟ ، تري هل ستكون نهاية هذه الحرب بيد اوباما كما كانت بدايتها بيده؟ . علي القيادة الامريكية ان تجد الاجوبة علي هذه الاسئلة وغيرها الكثير ، قبل الاقدام علي اية خطوة مهما كانت محدودة.

**اوباما بين الوهن العربي والهاجس الاسرائيلي

بات واضحا ان المشهد السوري الدامي ما كان ليفتح الا للوصول الي المقاومة اللبنانية المتمثلة بحزب الله وخنقها ، لفتح المشهد العربي بالتالي برمته علي واقع جديد هو الشرق الاوسط الجديد الذي تتربع علي عرشه اسرائيل بينما العرب شراذم يأكل بعضهم بعضا.

هذه الحقيقة المرة توصلت اليها امريكا واسرائيل والرجعية العربية بعد الانتصارات الكبري التي حققها حزب الله علي اسرائيل ، لاسيما الانتصار الالهي المعجز عام 2006 . ولما كان من الصعب مواجهة المقاومة وبشكل مباشر ، وان كان هذا التحالف غير المقدس يضرب في العمق اللبناني عبر السيارات المفخخة التي تحصد وبشكل اعمي ارواح المئات من اللبنانيين علي امل اشعال فتنة طائفية بين ابناء الدين الواحد والوطن الواحد للوصول الي ضرب حزب الله عبر ادخاله في اتون صراع طائفي ، لذا استهدف هذا التحالف ، عناصر القوة التي تمد هذه المقاومة بكل اسباب الاستمرار ، فكانت سوريا في مقدمة هذه العناصر.

ان القلق الاسرائيلي المزمن من حزب الله ، رافقه او هكذا ارادت الدوائر الغربية والاسرائيلية ان يكون ، رافقه قلق عربي مزمن ايضا من حزب الله ، فهذه صحيفة الاندبندنت البريطانية تكشف عن أن رئيس المخابرات السعودية بندر بن سلطان ، يحرض واشنطن علي شن هجوم عسكري علي سوريا، مستغلا علاقاته الوثيقة مع رؤساء وكبار رجال الادارة الاميركية.
واكدت الاندبندنت في تقرير اعده ديفيد اوزبورن بعنوان الرابطة السعودية: امير سعودي وثيق الصلة بواشنطن في قلب الدعوة للحرب علي سوريا، إن المخابرات السعودية برئاسة الامير بندر بن سلطان أوصلت لحلفائها الغربيين مزاعم حول استخدام الجيش السوري لغاز السارين في فبراير/شباط الماضي.

هنا قد يتساءل البعض ، اذا كانت مصلحة اسرائيل في اسقاط النظام السوري وبالتالي القضاء علي حزب الله معروفة للقاضي والداني ، تري ماهي مصلحة العرب في اسقاط نظام بشار الاسد وخنق المقاومة في لبنان؟ الجواب علي هذا السؤال واضح وضوح الشمس وهو لامصلحة للعرب من ذلك بالمطلق ، الا انه وللاسف الوهن العربي الذي تعيشه بعض الانظمة العربية التي تري ديمومة حكمها يكمن بالارتباط العضوي بمصادر القوة ، والتي تمثلها امريكا ، من وجهة نظر هذه الانظمة للاسف.

اخيرا مهما كان قلق اسرائيل و وهن بعض العرب كبيرين ، الا انهما لا يجب ان يكونا سببا ليرتكب اوباما اخطاء سلفه بوش ، عندها سيغوص في المستنقع السوري كما غاص سلفه في المستنقعين الافغاني والعراقي.

  بقلم: ماجد حاتمي