النفوذ الوهابي في السعودية يكرّس ثقافة العزل والتكفير ويجهض محاولات الاصلاح

الأحد ٠١ مارس ٢٠٠٩ - ١٢:٤٢ بتوقيت غرينتش

فيما يعيد الى الاذهان صور موجات القمع والقتل الجماعي التي كان الطاغية صدام يمارسها ضد الشيعة العراقيين وخاصة عند قيامهم بممارسة شعائرهم الدينية السلمية، فتحت قوات الأمن السعودية النار على المئات من الزوار الشيعة في محيط وباحة الحرم النبوي الشريف فأصابت عددا من الزوار اصابات خطرة بالأعيرة النارية في اشتباكات بدأها عناصر في الشرطة الدينية، حيث تحولت باحة الحرم النبوي الشريف إلى ساحة اشتباكات عنيفة حين هاجم متشددون تابعون لـ(هيئة الأمر) سيئة الصيت، الزوار الشيعة الذين كانوا يؤدون مراسم الزيارة وسط الباحة.

وعلى خلفية اصرار النظام السعودي الدؤوب على تبني المنهج الوهابي التكفيري وحماية أقطابه تبرز العديد من الاسئلة التي يجب ان تلقى اهتمام العالم الاسلامي والغربي على اعتبار ان هذين العالمَين هما محورَي العلاقة التي تتحرك بإطارها الارادات الاقليمية والمحلية في المنطقة العربية. فلماذا التغاضي عن قمع الاقليات وانتهاكات حقوق الانسان في السعودية واكتفاء العالم بالتفرج على تقارير منظمات الامم المتحدة الحقوقية والانسانية التي لم يخلوا تقرير واحد منها من انتقادات حادة لكافة مفاصل الحكم والحياة السياسية والمدنية والدينية في هذه المملكة؟

ولماذا تبقى يد النظام الوهابي المتطرف الذي هو منبع الارهاب ومدرسة العنف والتشدد مطلَقةً لتنشر الدمار وفكر التكفير والموت تحت غطاء (هيئة الامر) ودعم شيوخ الارهاب الذين يفتون وعلى رؤوس الأشهاد بتكفير وحلّية دم المسلمين وغير المسلمين؟ وهل ان هذه الفتنة الاخيرة جاءت لوأد محاولات اصلاح سياسي واداري بدأ بها الملك السعودي مؤخرا؟

اننا وفي جانب من الجوانب العديدة التي يمكن من خلالها استقراء ما جرى من احداث قمعية بحق الشيعة في مدينة الرسول (ص) نرى بأن هذه محاولة منظّمة ومدروسة من قِبل اقطاب النفوذ الوهابي المتغلغلة داخل المؤسسة السعودية الحاكمة لوأد خطوات الاصلاح الخجولة التي بدأ بها الملك عبدالله بن عبدالعزيز مؤخراً من حيث انها جاءت مباشرة بعد عزل قيادات في هيئة الامر ورئاسة مجلس القضاء الاعلى السعودي ممن كانوا من أشد المعارضين لأية اجراءات من شأنها ان توفر بعض الحريات المدنية والدينية للفئات التي تختلف مع النهج الوهابي المقيت..

ان ما قامت وتقوم به كل يوم (هيئة الامر) من اعتداءات واعمال تعسفية بحق المواطنين السعوديين والزوار لايمكن إلا أن تصنِّف هذه الهيئة على انها ميلشيا حكومية، فكل أعضائها من العناصر الوهابية المتطرفة، وتستخدمها الحكومة لإرهاب الناس تحت غطاء الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهي ايضا مصدر من مصادر انتاج الارهاب الذي اخذَ ينتشر عبر العالم كالسرطان، حيث تمارس ارهابها ضد الحجاج والزوار القادمين من مختلف انحاء العالم في مواسم الحج والزيارة، وتحاول فرض معتقداتها المتحجرة على اتباع بقية المذاهب الاسلامية..

ومن منطلق الحرص على وأد الفتنة الطائفية ودعم مساعي الوحدة الاسلامية والتقريب بين المذاهب نؤكد على العديد من المطالب التي يجب ان يؤخََذ بها لأجل كبح جماح التطرف والتشدد الوهابي الذي ليس له نتيجة سوى الخراب والدمار، ومن هذه المطالب:

1- اطلاق سراح المعتقلين والسماح للمسلمين بالزيارة وقراءة القرآن والادعية وأداء التزاماتهم الدينية من غير منع او مضايقات، وعدم فرض معتقدات التكفيريين على اتباع المذاهب الاسلامية وخاصة اتباع اهل البيت عليهم السلام، ومحاسبة ومعاقبة الذين اعتدوا على الزوّار خاصة اولئك الذين ابتدأوا بالعدوان من خلال تصرفات شائنة وخسيسة تجاه النساء الزائرات.

2- تفعيل دور منظمات الامم المتحدة الحقوقية والانسانية من اجل فضح سياسات القمع والاقصاء والتكفير التي تمارسها اغلب مفاصل الحكم في السعودية تجاه الاقليات، وحث مجلس حقوق الانسان العالمي من أجل اصدار قرارات دولية تؤثر تاثيرا فاعلا في هذه القضية، ودعوة هذه الجهات لعدم الاكتفاء بإصدار بيانات الادانة والانتقاد..

3- حل جهاز (هيئة الامر) الذي أثبتت التجارب العديدة الفاشلة عدم أهليته في التعامل مع مختلف شرائح المجتمع السعودي من حيث انه بُني على اساس الفكر الوهابي المتشدد الذي يشعر بالاستياء تجاهه اغلبية المجتمع في المملكة.

4- تنظيم دور جهات المجتمع المدني العربية والاسلامية وتوجيهها نحو تكثيف الضغوط المعنوية والاعلامية على نظام الحكم السعودي لأجل القيام بخطوات اصلاح حقيقية وليست صورية، لأن مسألة الاعتراف بحقوق بقية المذاهب الاسلامية وخاصة الشيعة هي مسالة وقت ليس إلا، استنادا الى تجارب قمع وتسلط عديدة حدثت في المنطقة وكانت نتيجتها أنْ فرض الشعب ارادته على المتسلطين والظالمين وإن كانوا متسلحين بأسوار القلاع والحرس الشديد والامكانيات الهائلة.
*صباح جاسم