السعودية تخسر معركة ريف دمشق

السعودية تخسر معركة ريف دمشق
الأربعاء ١١ ديسمبر ٢٠١٣ - ٠٩:٤٦ بتوقيت غرينتش

راهن الراعي السعودي للمعارضة السورية، خلال الأسابيع الماضية، على "إنجازات عسكرية" تمكّنه من تحقيق توازن على الأرض، خاصة بعد التقدم الذي أحرزه الجيش السوري على أكثر من جبهة خلال الأشهر السابقة.

وتنقل صحيفة "الأخبار" ماتقول أنها (رواية رسمية سورية ـــ تتقاطع مع أخرى عن لسان مصادر مقربة من حزب الله) لما جرى في الريف الدمشقي ونتائجه.
في ريف دمشق، وتحديداً في الغوطة الشرقية والقلمون، نفّذ المسلحون (بكافة أشكالهم: الحر وداعش والنصرة) عمليات كبيرة، سعت السعودية إلى قطف ثمارها السياسية في مؤتمر جنيف 2.
سياسياً، انتهت معركتا القلمون والغوطة الشرقية. على أعتاب مؤتمر جنيف 2. عجزت المجموعات المسلحة عن إسقاط الجيش السوري بضربة قاضية في إحدى ساحات المعركة. كما انها لم تسجّل نقاطاً تُذكر في الدفتر السياسي المؤهِّل للمؤتمر السويسري.
وراهنت المعارضة ومجموعاتها المسلحة ومن خلفهم السعودية خلال الشهرين الماضيين، على ثلاث معارك رئيسية، لتحقيق توازن ما في المشهد الميداني السوري: معركة في درعا، لم تبدأ إذ عاجلها الجيش السوري بضربات منعتها ــ حتى الآن ــ من تحقيق أي تقدم يُذكر، ووضعها في حالة الدفاع عن النفس أو التقدم البطيء جداً على مختلف الجبهات الحورانية.
معركة في حلب بدأتها المجموعات المسلحة قبل نحو شهرين، بحصار عاصمة البلاد الاقتصادية، وشن هجوم على الأحياء والمناطق التي لا تزال تحت سيطرة الدولة السورية. لكن سرعان ما انقلب المشهد، بهجوم شنّه الجيش السوري جنوبي شرقي حلب. سيطر بالقضم على مساحة تزيد عن نصف مساحة لبنان. وأمّن طريقاً طوله نحو 200 كلم، يفك من خلاله الحصار عن حلب، بعدما حرّر مدناً استراتيجية (السفيرة على سبيل المثال).
أما ثالثة المعارك، فكانت مقررة في ريف دمشق، جنوباً (الغوطة الغربية والريف الجنوبي) وشرقاً (الغوطة الشرقية) وشمالاً (القلمون).
كان ينبغي للغوطة الغربية والريف الجنوبي لدمشق أن يكونا مدخلاً جديداً للمعارضة (يتصل بدرعا جنوباً) نحو تهديد مدينة دمشق. فوجئ المسلحون بهجمات سريعة شنها الجيش السوري وقوات الدفاع الوطني ومجموعات من حزب الله. كل بلدة في الريف الجنوبي (كالبويضة والحسينية والذيابية وحجيرة والسبينة…) قرر الجيش دخولها، حاصرها، ثم طرد المسلحين منها في أقل من 48 ساعة. في النهاية، لم تكن هذه الجبهة هي المناسبة لتحقيق إنجاز يمكّن المعارضة من محاولة تثميره سياسياً في جنيف 2.
وبقيت الغوطة الشرقية والقلمون. في الغوطة، وابتداءً من يوم 22 تشرين الثاني الماضي، شنت المجموعات المسلحة هجوماً مباغتاً على طول محور "خط سكة الحديد" الواقع وسط الغوطة الشرقية. كان تقدّم القوات المهاجمة سريعاً. وجّهت ضربة موجعة لقوات الجيش السوري المنتشرة في المنطقة. المسلحون المنتمون إلى مختلف التشكيلات المسلحة (داعش وجبهة النصرة وأقلية كانت من الجيش الحر بحسب الأخبار المتواترة من مصادر ميدانية)، كانوا يهدفون إلى السيطرة على بلدة العتيبة الاستراتيجية، الواقعة أقصى شرقي الغوطة. وصل المهاجمون إلى العتيبة، ودخلوا جزءاً كبيراً منها، لكن من دون أن يتمكنوا من فك الحصار. المسلحون الذين خرجوا من داخل الغوطة (من دوما إلى المليحة وما بينهما) وقدموا من الأردن عبر البادية، تكبدوا في الهجمات المعاكسة التي شنها الجيش والقوى الرديفة، خسائر هائلة. اكثر من ألف مقاتل، إما قتلوا، أو أصيبوا بجروح تمنعهم من العودة إلى القتال.
مصادر ميدانية في الجيش السوري تؤكد أن المقاتلين الذي شنوا هجوم الغوطة هم الاكثر تدريباً وتسليحاً بين الذين قاتلهم الجيش منذ بداية الأزمة. وفضلاً عن ذلك، عملوا وفقاً لخطة هجوم غير مسبوقة في الميدان السوري. وتخلص تلك المصادر إلى القول: ما عجز مسلحو الغوطة عن القيام به في هجومهم الأخير، لن يستطيعوا تنفيذه بعد اليوم.
لقراءة ما كان مؤملاً من معركة الغوطة، تكفي العودة إلى بيان الائتلاف السوري المعارض بعد يومين على بدء القتال. الهيئة التي تتحدّث من مكان بعيد جداً عن الميدان، أشادت بما أسمتها "الانتصارات"، معتبرة أن الهجوم سيؤدي إلى فك الحصار. بعد ذلك، لم ينبس "الائتلاف" ببنت شفة. رعاة المعارضة، وتحديداً في السعودية، يعرفون أن ما خططوا له أفشله الجيش السوري شرقي دمشق.

القلمون: المعركة المفروضة
تعتبر معركة القلمون الجزء الأخير من معارك الأرياف الدمشقية، والقلمون هي المنطقة الاستراتيجية التي تربط ريف دمشق بريف حمص وبالحدود اللبنانية قبالة البقاع الشمالي.
ويقول الموقع: بحسب مصادر ميدانية سورية (رسمية)، واخرى قريبة من حزب الله، لم يكن لدى الطرفين نية لفتح معركة في القلمون قبل الربيع المقبل، إلا إذا… بادرت المجموعات المسلحة إلى خوض النزال، او قطعت الطريق الدولية (بين العاصمة وحمص)، او هددت الحدود اللبنانية. توفرت العوامل الثلاثة. فبحثاً عن نصر معنوي وعسكري كبير، توجهت قوة من "جبهة النصرة" (ومعها مجموعات من ما يسمى "مغاوير حمص" و"الدولة الإسلامية في العراق والشام" و"الكتيبة الخضراء" التابعة لتنظيم القاعدة) نحو مستودعات مهين للذخيرة.
وهذه المستودعات تقع شمالي شرقي القلمون (في أقصى الريف الجنوبي الغربي لحمص)، وليست بعيدة عن واحدة من قواعد سلاح الجو السوري. وفي داخلها، كميات ضخمة جداً من الذخائر ..سيطر المهاجمون على المستودعات (يوم 5 تشرين الثاني الماضي)، وبدأوا نقل الذخائر غرباً، نحو القلمون، وتحديداً إلى بلدتي قارة والنبك. شن الجيش السوري هجوماً على المنطقة. طرد المسلحين من الجزء الاكبر من مهين، ومنعهم من استكمال إخراج الذخائر. وسريعاً، بدأ هجوماً على قارة، لاستعادة كمية كبيرة من الصواريخ كانت وجهتها النهائية الحدود مع لبنان. حرّر قارة، لتتدحرج بعدها العمليات في القلمون. المسلحون الذين خرجوا من قارة، توجهوا نحو دير عطية، البلدة التي احتضنت عشرات آلاف النازحين، ولم تكن قد دخلت خريطة المعارك. لاحقهم الجيش، وطردهم من الدير. وبعد الدير، اتى دور النبك. أسبوعان من القتال والحصار، اختتمت بتحرير الجيش للمدينة القريبة جداً من أوتوستراد حمص ــ دمشق الذي انقطع بسبب ضراوة القتال. في القلمون، لم يبق سوى مدينة يبرود، أكبر حواضر المنطقة، وأقربها إلى طريق حمص ــ دمشق.
ويبرود عملياً شبه معزولة، ويمكن الجيش خوض معركة شرسة فيها متى أراد. وهو اليوم يتفرّج على المجموعات المقاتلة: "جبهة النصرة" و"داعش" يتهمان "جيش الإسلام" بالخذلان. بدوره "جيش الإسلام" يقول إنه قاتل وحيداً في النبك، بعدما انسحب مقاتلو "النصرة" و"داعش" و"الكتيبة الخضراء"، الى أن وصلت الاتهامات المتبادلة إلى حد تبادل إطلاق النار في بعض المناطق القلمونية. "الوضع مكركب"، يقول احد المسلحين.

باقي القرى والبلدات القلمونية لا وزن استراتيجياً لها نسبة إلى يبرود
كل ما قام به المعارضون ارتد عليهم سلباً. إنجازهم الوحيد تمثل باختطاف راهبات معلولا. لكن ما تقدم لا يعني ان مناطق الريف الدمشقي، من القلمون شمالاً، إلى داريا جنوباً وقرية الجربا شرقاً باتت بيد الجيش السوري. فالإشغال العسكري والأمني لن يتوقف. وسيحاول المسلحون قطع طريق حمص ــ دمشق من جديد. وقتالهم في القرى والبلدات والمدن القريبة من العاصمة لن يخمد قريباً. لكن المهم، بحسب مصادر سورية، أن التهديد الجدي للعاصمة دمشق قد انتفى. وان السعودية خسرت الجولة التي عوّلت عليها كثيراً. حرب ريف دمشق السعودية انتهت، يعلق احد المعنيين بما يجري ميدانياً في الأرض السورية، مضيفاً: لم يبق للرياض إلا الدعاء بأن ينصر الله الأمير عمر الشيشاني، القائد العسكري لـ"دولة أبي بكر البغدادي" في الشمال السوري، الذي أعلن قبل يومين بدء معركة كبيرة في ريف حلب.
وهي معركة تقول المصادر الرسمية السورية إن "الجيش أعدّ نفسه لها جيداً". في السياسة، ليست الرياض في موقع عسكري ميدانيّ يمكّنها من المطالبة بثمن إضافي في جنيف 2.