لبنان.. صراع الهويات

لبنان.. صراع الهويات
السبت ١٥ مارس ٢٠١٤ - ١٢:٤٠ بتوقيت غرينتش

لا يقف التعقيد الذي يشهده الواقع اللبناني عند حدود أزماته الراهنة بعناوينها المختلفة وأسبابها المباشرة، بل يتعدى ذلك الى تعقيدات على صلة بنشأة لبنان الكيان والصيغة. فالأمر لا يحتاج إلى اجتهاد وعناء في سبيل إحالة هذا الواقع المأزوم على الظروف التي أدّت الى ولادة لبنان الحديث، وتحديداً ملابسات تشكُّل هويته وانتمائه.هذه الهوية التي يتغنى اللبنانيون بنصاعة صورتها النهائية، كانت سبباً أولياً في إنتاج الأزمات وانعدام الاستقرار.

ولا تزال هي كذلك، لكونها ممنوعة من توحد مكوناتها، ولكونها، في الوقت نفسه، عصية على التجزئة والانفصال. ذلك أن الترابط القدري الذي يجمع بين هذه المكوّنات قد جعل لبنان مستمداً وجوده وبقاءه، من جماعات متجاورة غير متوحّدة، ومتباعدة غير منفصلة.

نتيجة ما تقدم، بقاء الواقع اللبناني مأزوماً على الدوام، بفعل التأرجح بين هويتين: الأولى مطلوبة، لكنها تفتقر الى عناصر انوجادها وتجسّدها، والأخرى مرفوضة، غير أنها تعكس واقع الحال في الاجتماع اللبناني.

ثمة في لبنان مكوّنات عديدة (الطائفة، المذهب، الحزب...) عملت على إنتاج هويات فئوية على حساب الهوية الوطنية الجامعة. هذه المكونات، حولت ما هو تعددي الى انقسامي باعتباره مدخلاً للكسب والتفوق والاستعلاء الفئوي، ما أدى أيضاً الى جعل الهوية الوطنية من خلال العناصر المؤسِّسة لها ميدان تنازع، على قاعدة «حق» القوي في الهيمنة والضعيف في المواجهة.
من التداعيات الدائمة لأزمة الهوية اللبنانية، ما نراه من عدم استقرار في الكينونة الوطنية لمصلحة كيانات مجتمعية متباينة، على جغرافيات صغيرة متجاورة، ويحكمها التعايش الاضطراري الذي لا يرقى الى مستوى الانصهار الوطني.

كذلك، ما نلحظه من اضطراب في بنية الدولة باعتبارها انعكاساً لبنية الهوية المضطربة، فضلاً عن تمسّك اللبنانيين بانتماءات وهويات ضيقة (حزبية وطائفية) للتوفّر على الحصانة والأمان الاجتماعي بدلاً من الأمان المفترض أن يوفره الانتماء (المفقود) للهوية الوطنية الشاملة.

على هذا، تتبدّى في المشهد اللبناني أصالة المشكلات الدائمة ومرحلية الحلول المؤقتة. فالاستقرار المنشود متعذر الحضور ما لم يكن مصحوباً بهوية يُصار الى التصالح عليها والتوحّد حولها. هذا في حين أن ما يُتعامل معه، راهناً، على أنه هوية وطنية، يتنافر مع المعايير المألوفة للهويات التي تتبني أساساً على «تقديس» ما هو مشترك وتغليبه وجعله حاكماً وحكماً في موارد الاختلاف والانقسام.

لا يمكن بلورة الهوية اللبنانية وتعيين ماهيتها، إلا من طريق تحديد «الأنا» الوطنية المتوخاة، وطبيعة ارتباطها بالآخر.
فلا بد من الاعتراف بأن أية محاولة من جانب اللبنانيين لتجاوز أزمة الهوية يجب أن تنطلق من المعطى التوصيفي للمنجز اللبناني ألا يلزم أن يكون المنجز الأول هو الانتماء العربي للبنان والمنجز الثاني العداء لإسرائيل؟
ذهاب فريق من اللبنانيين إلى إسقاط المقاومة من البيان الوزاري ليس سوى محاولة لإسقاط المقاومة بوصفها عنصراً أساسياً في الهوية اللبنانية، فيما غاب عن هؤلاء أن الهوية هي ما هو كائن بالفعل وليس ما يتوهم أنه ممكن أن يكون.

*حبيب فياض/ السفير