من لبنان إلى أفغانستان..السيد عباس الموسوي: القائد والمقاوم والشهيد

من لبنان إلى أفغانستان..السيد عباس الموسوي: القائد والمقاوم والشهيد
الإثنين ١٦ فبراير ٢٠١٥ - ١٢:٢٨ بتوقيت غرينتش

الشهيد السيد عباس الموسوي الامين العام لحزب الله، هذا القائد الذي شكل المثال الابرز بان القادة في المقاومة الاسلامية هم في طليعة المضحين وهم جاهزون للشهادة ولا يدخرون لا أنفسهم ولا اولادهم ولا عائلاتهم ولا حتى المال او البيت او اي شيء آخر في سبيل الدنيا او منصب او جاه من هنا وهناك، هم مصداق حي للآية القرآنية الكريمة: " قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ".

ومن يراجع تاريخ هذه المقاومة، يدرك أنها قدمت نماذج عديدة من التضحيات ابرزها نموذج شهادة السيد عباس الموسوي وزوجته وابنه الصغير حسين, وقبله الشيخ راغب حرب وصولا الى استشهاد نجل الشهيد القائد الحاج عماد مغنية "جهاد" مرورا بالسيد هادي نصر الله نجل الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله والقائد الجهادي الكبير الحاج عماد مغنية، والشهيد حسان اللقيس واخرين كُثُر لا يتسع المجال هنا لذكرهم.

"هكذا نماذج نحن نعتز ونفتخر بها لاننا نحن نطلب إما النصر وإما الشهادة"، يقول ياسر نجل السيد عباس الموسوي الذي التقيناه في حديث خاص، ويضيف "من المظلومية لامثال هؤلاء القادة ان يموتوا على الفراش وليس في ساحات المواجهة والجهاد ومن المظلومية ألا يقضوا شهداء في الدرب الذي أحبوا ان يقضوا فيه".

ولد السيد عباس في 26 تشرين الاول/اكتوبر من العام 1952 في منطقة الشياح في الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت، وعاش طفولته في عائلة متدينة ومحافظة على الاصول الدينية والاجتماعية، وتربى على الاهتمام بقضايا وطنه وامته وفي طليعتها القضية الفلسطينية.

وفي ريعان الشباب بدأ السيد الشاب اليافع العمل الجهادي حيث أجرى العديد من الدورات العسكرية، وكان قد اختار الدراسة الحوزية حيث التحق بحوزة الامام السيد موسى الصدر في مدينة صور الجنوبية، وتعمّم في السادسة عشرة من عمره، وبعد ذلك غادر إلى العراق ليتابع دراسته على يد الشهيد السيد محمد باقر الصدر (قدس).

بعد تسع سنوات قضاها السيد الشهيد في العراق، قرر العودة الى لبنان، لتقديره انه يستطيع خدمة أهله ومجتمعه من قلب لبنان، وكان أول عمل قام به جمع طلاب العلوم الدينية الذين أُبعدوا من النجف في حوزة  ابان الحكم البعثي في العراق، حيث أسس حوزة الإمام المنتظر (عج)، في مدينة بعلبك البقاعية، ومن ثم أسس "تجمع العلماء المسلمين" في العام 1979 في اول خطوة لبنانية عملية للوحدة بين المسلمين.

ومع انتصار الثورة الاسلامية في ايران عام 1979 ارتبط السيد الشهيد بالامام الخميني(قدس) تحت راية ولاية الفقيه, وعند بدء الاجتياح الاسرائيلي للبنان عام 1982، انطلق السيد عباس وبمباركة من الامام الخميني (قدس) وتحت شعار قاله الامام حينها لمجموعة من قيادة المقاومة "ان مرحلتكم كربلائية" انطلق السيد الشاب باتجاه العمل العسكري المقاوم في لبنان، حيث أعطاه كل وقته واهتمامه، فلم يكتف السيد الشهيد بالبقاء في بيروت وتركيز العمليات ضد العدو فيها بل عمل على تكثيف وزيادة عمليات المقاومة ضد الاحتلال الاسرائيلي على امتداد الاراضي المحتلة من بيروت وصولا الى قرى ومدن الجنوب.

ومن عايش السيد عباس الموسوي ينقل عنه تأكيده ان المستقبل هو مستقبل المقاومة وموجة الاستكبار والكفر تنحسر ومسألة التحرير مسألة وقت ليس إلا، فالسيد عباس كان ينظر الى الامور من منظار مختلف ويملك قدرة عالية على التحليل مبني على ايمان راسخ وروحية عالية، فهو استطاع ان يحلل مجريات الامور بشكل واقعي لاسيما بعد انتصار الثورة الاسلامية الايرانية بقيادة الامام الخميني(قده).

ولطالما أكد السيد عباس الموسوي ان "اسرائيل" هي العدو الاول والاخير للامة وهي تعمل لبث الفتنة بين المسلمين وتعمل للتغلب عليهم من خلال الفتن، والسيد عباس من اوائل الذين نبهوا المسلمين من التوجهات التكفيرية التي لا تخدم إلا العدو الاسرائيلي الذي يعمل على دعم التكفير لانها تحقق له غايته في شرذمة الامة، كما انه من خلال عمله وحرصه على الحالة الجهادية كان يعتبر ان المقاومة لا تتكامل إلا بوجود كل الاطراف وكان يجهد نفسه للتواصل مع كل الفئات الاسلامية.

وهنا يلفت ياسر الموسوي ان "علاقات عائلية وشخصية نشأت بين السيد عباس والكثير من الشخصيات الاسلامية السنية كالشيخ فتحي يكن والشيخ ماهر حمود والشيخ سعيد شعبان وغيرهم الكثير من هذه القيادات حتى ممن لا يتفقون اليوم مع حزب الله"، ويؤكد ان "السيد عباس كان يحرص على فتح علاقات مع القيادات السنية وذلك تحت عنوان ان المقاومة للجميع وهي ملك لكل الشرفاء"، ويشير الى ان "السيد عباس كان يحرص على اشراك بعض المجموعات في عمليات المقاومة ضمن مجموعات المقاومة القتالية ومن ضمنها قوات الفجر التي شاركت في عملية للمقاومة تم على اثرها غنيمة ملالة عسكرية للعدو, ويومها خطب السيد عباس من امام مسجد الزعتري في صيدا مؤكدا على الوحدة بين المسلمين لمواجهة العدو الاسرائيلي".

وفي نفس السياق، تأتي زيارات السيد عباس الى باكستان وافغانستان لتوحيد جهود الامة في مقارعة الاستكبار العالمي، فالسيد المقاوم أراد للامة ان تبقى متماسكة لمواجهة أية فتن يعدها العدو، وهو حاول نشر الوعي  وتثبيت مفهوم بان الفتن اذا ما وقعت ستأكل الجميع ولن توفر احدا، وان المقاومة مدرسة يجب الجميع ان يتعلم منها ويستفيد منها لتحقيق رفعة الامة وعزتها.

بعد انتخابه امينا عاما لحزب الله في أيار/مايو عام 1991 خط السيد عباس نهجا موازيا للعمل المقاوم تمثل في تدعيم العمل الخدماتي للمجتمع المقاوم ولبيئة المقاومة، فكما كان السيد عباس مرافقا للمجاهدين على خطوط القتال بات السيد مواكبا للناس في حياتهم اليومية يطّلع على شجونهم وشؤونهم وحاجاتهم الخدماتية، حيث حرص على زيارة الاحياء الشعبية للاطلاع مباشرة على احتياجاتهم ومعاناتهم وكان شعاره الخالد "سنخدمكم باشفار عيوننا".

وفي موضوع خدمة الناس، تحرك السيد عباس باتجاه التقرب من الناس وخدمتهم انطلاقا من ان المقاومة وحزب الله هو حالة جهادية، هذه المقاومة عرضة لكثير من الضغوط منها الشأن الاجتماعي والمعيشي الذي يستهدف اهلها وناسها، لذلك حاول السيد الوقوف الى جانب الناس والاستماع الى حاجياتهم والعمل على تحقيقها خاصة ان هؤلاء يشكلون بيئة المقاومة ومجتمعها وهم اضطهدوا ودمرت منازلهم واستهدفوا بشكل او بآخر لا سيما ان الدولة وقتها كانت إما غائبة او تمعن في معاناتهم لذلك كان السيد يعتبر خدمة هؤلاء واجب وليس منة عليهم"، فالسيد عباس لطالما ردد بانه"كما قاومنا الاحتلال سنقاوم الاهمال والحرمان".


وهنا يروي ياسر الموسوي ان "يوم الخميس من كل اسبوع كان يكرسه السيد عباس للقاء الناس والاستماع لمشاكلهم وهمومهم والعمل على حلّها ويُشعر هؤلاء انه بجانبهم والعمل على معالجة مشاكلهم".

ينقل لنا أحد "المقربين من السيد عباس" رواية خاصة تتعلق بروحانية السيد الشهيد، ففي خلال التحضير لعملية برعشيت النوعية أبان الاحتلال الاسرائيلي للجنوب، جاء الشهيد ماجد غدار معترضا لعدم وضع اسمه في مجموعة اقتحام الموقع المعادي، وبعد إصرار الشهيد، قرر السيد عباس وطلب وضع الشهيد في مجموعة الاقتحام، وبعد ان انطلق المجاهدون الى العملية اسرَّ السيد عباس الى قادة العملية الميدانيين ان هذا الاخ سيستشهد في هذه العملية وهذا ما حصل فعلا"، وتابع المصدر "السيد عباس استشرف واستشعر الاخلاص والاندفاع الكبير لدى هذا الشهيد".

في السادس عشر من شباط/فبراير 1992، وفي الذكرى السنوية الثامنة لاستشهاد الشيخ راغب حرب أصر السيد عباس أن يلقي كلمة في المهرجان الذي اقامه حزب الله في بلدة جبشيت واصطحب معه زوجته وطفله حسين.

والقى خطبته في الاحتفال فكانت اشبه بخطبة الوداع حيث اطلق فيها وصيته الخالدة" الوصية الاساس حفظ المقاومة الاسلامية ".

وفيما كانت طائرات التجسس تحلق فوق بلدة جبشيت خطى السيد الشهيد خطواته الاخيرة قبل ان يصعد في السيارة غير آبه بها, وبعدها واثناء مغادرته البلدة متوجها الى بيروت تعرض موكبه لاعتداء صهيوني في بلدة تفاحتا من طائرات مروحية أطلقت صواريخها باتجاه الموكب فاصابت السيارة التي كانت تقل السيد وزوجته وابنهما اصابة مباشرة ما ادى الى استشهادهم.

وهكذا اختتم السيد الشهيد حياته كما أراد وأحب شهيدا مقطعا إربا إربا, وما دعاؤه المشهور من أحد مواقع المقاومة إلا دليل قاطع على رغبته وعشقه للقاء الله تعالى بهذه الحالة , وكان له ما أراد .

ويُنقل عن الامام السيد علي الخامنئي الكثير من الكلام حول السيد عباس، منها ما يتعلق بشخصيته وما يتعلق بتضحياته وإخلاصه في العمل الجهادي واهتمامه بشؤون وطنه ومجتمعه وامته، وانه حمل همّ المسلمين في العالم وحرص على تماسك المسلمين من مختلف المذاهب لمواجهة العدو الاوحد للامة كلها الا وهو العدو الصهيوني، ويقول السيد الخامنئي إن "استشهاد السيد عباس هو نقطة تحوّل في مسيرة المقاومة ومن ثمار هذه الدماء هو تحقيق الانجازات للمقاومة والانتصارات على العدو".

* ذو الفقار ضاهر/ المنار