شذرات عطرة من سيرة الامام علي (ع)

شذرات عطرة من سيرة الامام علي (ع)
الجمعة ٠١ مايو ٢٠١٥ - ٠٥:٣٩ بتوقيت غرينتش

في يوم الجمعة، في الثالث عشر من رجب سنة ثلاثين من عام الفيل، وقبل البعثة بعشر سنين، ولد هذا النور الالهي والشعاع الهادي علي بن ابي طالب (سلام الله عليه).

كانت ولادته الشريفة في البيت الحرام ولم يولد في بيت الله الحرام قبله احد سواه وهي فضيلة خصه الله تعالی بها إجلالا وإعلاء لمرتبته واظهارا لتکرمته.
أبوه "أبو طالب" شيخ البطحاء وعم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وأمه هي "فاطمة بنت اسد". ولابد من المرور في حياة هذا النور الرباني من مهدها الى لحدها في ابرز المواضع من هذا الخط الذي ابتدأ وانتهى وهو يتألق. وأدوار حياة امير المؤمنين عليه السلام لايتسع له هذه الوقفة العابرة ولايمكن أن نأخذ كل هذه الادوار بل نتطرق إلى شذرات من سيرة هارون الاسلام ووصي رسول الله (صلى الله عليه وآله).
ويمكن تقسيم حياة الامام علي بن ابي طالب الى قسمين رئيسين، الاول هو في حياة النبي (صلى الله عليه وآله) والقسم الثاني بعد حياة النبي (صلى الله عليه وآله). والقسم الاول يمر بثلاثة ادوار، الدور الاول من ولادته عليه السلام حتى ظهور الاسلام حيث أنار الله الارض بهذا النور. وكان النبي (صلى الله عليه وآله) يتردد كثيرا على دار عمه ابي طالب بالرغم من زواجه من خديجة عليها السلام، وعيشه معها في دار منفرد، وكان يشمل علي (عليه السلام) بعواطفه ويحوطه بعنايته ويحمله على صدره ويحرك مهده عند نومه الى غير ذلك من مظاهر العناية والرعاية.         
مرت الايام سريعة والوليد المبارك ينقلب بين احضان والديه أبي طالب وفاطمة وأبن عمه محمد صلى الله عليه وآله وسلم. وبعد مضي ست سنوات على ولادة علي عليه السلام تعرضت قريش لازمة اقتصادية خانقة وكانت وطأتها شديدة على ابي طالب إذ كان رجلا ذا عيال كثيرة، وكهفا يلوذ به المحتاج والفقير بحكم مركزه الاجتماعي في مكة. اقبل الرسول صلى الله عليه وآله على عمه العباس بن عبد المطلب وعرض عليه ان يكفل كل فردا من عيال ابي طالب فوافق عمه العباس فأسرعا إلى أبي طالب وخاطباه بالامر فاستجاب لما عرض عليه. اخذ العباس جعفرا واخذ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عليا عليه السلام وكان عمره ستة اعوام.     
وهكذا عاش علي عليه السلام منذ نعومة اظفاره في كنف محمد رسول الله صلى الله عليه وآله، نشأ في رعايته وشرب من ينابيع مودته وحنانه ورباه وفقا لما علمه ربه تعالى ولم يفارقه منذ ذلك التاريخ حتى لحق الرسول (صلى الله عليه وآله) بربه الاعلى. ويستذكر علي (عليه السلام) تلك الايام الخالدة وذلك الشطر الحساس من حياته بالقول: (ولقد كان يجاور في كل سنة بحرا، فأراه ولا يراه غيري، ولم يجمع بين واحد يومئذ في الاسلام غير رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخديجة وأنا ثالثهما، أرى نور الوحي والرسالة وأشم ريح النبوة).
كان علي عليه السلام مسلما على فطرة الله تعالى لم تصبه الجاهلية بانجاسها ولم يتفاعل مع شيء من سفاسفها فلم يسجد لصنم قط. وبدأت المرحلة الثانية من حياته حين اطلع الرسول (صلى الله عليه وآله) عليا (عليه السلام) على أمر دعوته قبل غيره، أعلن علي (عليه السلام) تصديقة له وأيقن بالرسالة الخاتمة وبادر لتلقي توجيهاته المباركة ولهذا يقال (كرم الله وجهه). لقد كان علي عليه السلام، أخلص الناس للرسول ولرسالته واسرعهم استجابة واكثرهم دفاعا، فعندما اذن الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم ان ينذر عشيرته الاقربين وجمع الرسول عشيرته وبلغهم رسالته، ثم سألهم من يجيبه ويؤازره، وقف علي بين ابي طالب (عليه السلام) قائلا:(أنا يارسول الله أوازرك على هذا الامر). وحيث لم يجب رسول الله (صلى الله عليه وآله) غيره التفت الرسول (صلى الله عليه وآله) الى مجيبه الوحيد قائلا:(اجلس فأنت اخي ووصيي ووزيري ووارثي وخليفتي من بعدي). وعندها دخلت الدعوة إلى مرحلة المواجهة وأعلن الرسول (صلى الله عليه وآله) دعوته العامة في البيت الحرام، واخذ عدد المؤمنين بالرسالة يتزايد، بدأت قريش تصعد من مواجهتها ضد المسلمين، فكانت الهجرة إلى الحبشة والحصار على المسلمين في شعب ابي طالب ومظاهر التعذيب الجسدي، كان علي عليه السلام الى جنب النبي صلى الله عليه وآله يشاركه الهم والالم والحرص على رسالة الله تعالى. ومع نهاية الحصار توفيت خديجة عليه السلام، تم توالت الاحزان والآلام، اذ توفي ابوطالب (عليه السلام) بعد ثلاثة ايام فقط من وفاة خديجة (عليه السلام) ففقد رسول الله (صلى الله عليه وآله) عمه وكافله وناصره، وفقد الامام علي (عليه السلام) والده وسمي النبي (صلى الله عليه وآله) ذلك العام بعام الحزن. ولئن كانت الدعوة قد أوشكت على الدخول في مرحلة جديدة، فان قريشا قد اجتمعت في دار الندوة وتوصل قادتها الى قرار يقضي باغتيال الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم على يد رجل من كل قبيلة، لكن جبريل عليه السلام ابلغ الرسول (صلى الله عليه وآله) بامر الله تعالى، بالهجرة من مكة الى يثرب. عند الليل حيث انتشر الظلام أسرع المتآمرون بتطويق بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) للحيلولة دون خروجه، عندها جاء دور علي (عليه السلام) حيث امره الرسول ان ينام على فراشه ويلتحف ببردته. نام علي عليه السلام في فراش النبي صلى الله عليه وآله وسلم مفديه بنفسه وخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) دون ان يشاهده احد من المشركين. وعند طلوع الفجر اقتحم المتآمرون دار الرسول (صلى الله عليه وآله) فوثب علي (عليه السلام) في وجهوهم قائلا: ما شأنكم؟ قالوا: اين محمد؟ قال(اجعلتموني عليه رقيبا؟ ألستم قلتم نخرجه من بلادنا فقد خرج عنكم). ولما رأوا يد علي (عليه السلام) قائم على سيفه، انقلبوا خاسرين وتراجعوا وباءوا بالفشل الذريع. لقد نفذ الامام علي (عليه السلام) امر الرسول (صلى الله عليه وآله) ونام في فراشه مفديه بنفسه، فكان مثالا للشجاعة والاقدام والتضحية والفداء، فنزلت فيه القرآن مخلدا موقفه:(ومن الناس من يشري نفسّه ابتغاء مرضاة الله والله رؤوف بالعباد). البقرة / 207              
وانتهت هذه المرحلة من حياة الامام علي بن ابي طالب عليه السلام، بارجاع الامانات التي اوصى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم اياه بأداءها الى اهلها واللحوق به، واوصاه ان يحمل معه ابنته فاطمة الزهراء عليها السلام ومن معها من نساء أهل البيت.
وبدأت المرحلة الثالثة من حياته عليه السلام حين وطأت قدماه ارض يثرب، حيث وصل الرسول (صلى الله عليه وآله) الى "قبا" فمكث فيها ينتظر قدوم علي (عليه السلام) وبعد عدة ايام وصل ركب علي (عليه السلام) فاستقبلهم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وعانق علي (عليه السلام)، وبكى رحمة له لما ألم به من إرهاق وأذى، ثم واصل الرسول (صلى الله عليه وآله) ومعه علي (ع) وبقية المهاجرين رحلته نحو يثرب، لتبدأ مرحلة الدولة في تاريخ الرسالة.        
اوّل عمل قام به رسول الله (صلى الله عليه وآله) عند وصوله مدينة يثرب، هو بناء المسجد ليكون مركزا للمسلمين ومقرا للدولة الاسلامية. ثم آخى الرسول (صلى الله عليه وآله) بين المهاجرين من مكة، والانصار من المدينة، ليقدم المجتمع الجديد على اساس التعاون والحب والمواساة، وهكذا تآخى كل واحد من المهاجرين مع احد الانصار، سوى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فآخى بين نفسه وعلي بن ابي طالب (عليه السلام). ان دور الامام علي عليه السلام في تلك المرحلة الدقيقة من عمر الرسالة الخاتمة لم يرق اليه دور قط، فهو في جميع حروب الاسلام مع اعدائه، كان يفوز بقصب السبق، لا من باب اشتراكة في الحرب او قتاله فيها، وانما بما يقدمه من بطولة وتضحية يسبق بها سواه. وما بارح لواء رسول الله كفه، كل غزوة يخرج علي (ع) ولواء النبي (صلى الله عليه وآله) بيده، كل غزوة يخرج علي (عليه السلام) لينازل الابطال وليقارع الاقران وليرجع وقد فتح الله على يديه.. ومر هذا الدور وعلي في ساحات الشرف والمجد والجهاد، يتقلب في حنان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حيث زوجه ابنته فاطمة الزهراء عليها السلام. وانتهى هذا الدور عندما خرج رسول الله صلى عليه وآله وسلم من الدنيا وهو في حجر علي عليه السلام ودع النبي الدنيا وعيناه في وجه علي بن ابي طالب وقد سجل هذا المعنى الامام علي بن ابي طالب عليه السلام عندما دفن سيدة نساء العالمين عليها السلام حيث لمّا نفض يده من تراب القبر هاج به الحزن، فأرسل دموعه على خدّيه، وحوّل وجهه إلى قبر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله فقال: (... و لقد وسّدتك في ملحود قبرك بعد أن فاضت نفسك على صدري، و غمّضتك بيدي، و تولّيت أمرك بنفسي...).
لقد شارك علي عليه السلام، في حروب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم جميعا غير تبوك وذلك بأمر من الرسول (صلى الله عليه وآله) وكان له في جميعها دور كبير هذا عدا الغزوات التي قادها بنفسه عليه السلام. ولم يسجل التأريخ لعلي إلا الصمود والفداء والتضحية في كل موقف، الامر الذي لايفسره إلا ما يتمتع به علي عليه السلام من صدق اليقين، وعمق الاستعانة والتوكل على الله والعبودية له واللامبالاة بما سواء، كبر ذلك ام صغر. ان علي بن ابي طالب (عليه السلام) لبس ثوبا من تراب الحروب 84 غزوة في سبيل الله يرجع فيها وقد لبس ثوبا من الغبار .. غبار الحروب وناهيك به من ثوب ... انه ثوب من الحمد لا يبلی.  علي عليه السلام، حمل القرآن، فکرا وروحا وعملا لم يحمله شکلا، فکان قرآنا يمشي علی الارض .. هذا عدا عما يتمتع به علي عليه السلام من علو الهمة وقوة العزيمة ورباطة الجأش وسمو النفس. فهو عليه السلام امير المؤمنين وسيد الوصيين واول خلفاء الرسول صلی الله عليه وآله وسلم المهتدين - بامر من الله تعالی ونص من رسوله الاکرم (صلى الله عليه وآله) - وقد صرح القرآن الکريم بعصمته وتطهيره من کل رجس وباهل الرسول (صلى الله عليه وآله) نصاری نجران به وبزوجته وولديه، واعتبره من القربی الذين وجبت مودَتهم مصرحا غير مرة بانها عدل القرآن الکريم المجيد الموجبين للتمسك بهما النجاة وللمتخلف عنهما الردی. أجتمع للامام علي بن ابي طالب عليه السلام من صفات الکمال ومحمود الشمائل والخلال وسناء الحسب وعظيم الشرف مع الفطرة النقية والنفس المرضية ما لم يتهيأ لغيره من افذاذ الرجال. نعم لقد اختص بقرابته من الرسول الاکرم (صلى الله عليه وآله) فکان ابن عمه وزوج ابنته واحب عترته اليه، کما کان کاتب وحيه واقرب الناس الی فصاحته وبلاغته واحفظهم لقوله وجوامع کلمه. اسلم علی يديه قبل ان تمس قلبه عقيدة سابقة او يخالط عقله شوب من شرك، ونشأ الامام في حجر رسول الله (صلى الله عليه وآله) منذ نعومة اظافره وتغذی من معين هديه فکان المتعلم الوفي والاخ الزکي واول من آمن وصلی واصدق من تفانی في سبيل ربه وضحی في سبيل انجاح رسالته في احرج لحظات صراعها مع الجاهلية العاتية في کل صورها في العهدين المکَي والمدني وفي حياة الرسول (صلى الله عليه وآله) وبعد رحلته ذائبا في مبدئه ورسالته وجميع قيمه مجسدا للحق بکل شُعبه من دون ان يتخطاها قيد أنملة وان ينحرف عنها قيد شعرة. ولازم رسول الله صلی الله عليه واله وسلم فتی يافعا في غدوه ورواحه وسلمه وحربه حتی تخلق باخلاقه واتسم بصفاته وفقه عنه الدين وتفقه ما نزل به الروح الامين فکان من افقه اصحابه واقضاهم واحفظهم وادعاهم وادقهم في الحكم واقربهم الی الصواب حتی قال فيه الخليفة الثاني عمر الخطاب: لابقيت لمعضلة ليس لها ابو الحسن.
وبرحيل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بدأت مرحلة أخرى من حياة الامام علي عليه السلام، وبينما اشتغل علي (عليه السلام) واهل بيت الرسول (صلى الله عليه وآله) بتجهيزه من اجل مواراة جسده الطاهر في مثواه الاخير، عقدت الانصار اجتماعا في سقيفة بني ساعدة لتنصيب من يخلف النبي (صلى الله عليه وآله) في قيادة المسلمين متناسين عمدا يوم الغدير، وسارع بعض المهاجرين لحضور هذا الاجتماع التآمري، وبعد مناقشات حادة وطويلة سادها جو من التوتر القلق والعنف والخلاف. بادر عمر بن الخطاب الى بيعة ابي بكر بالخلافة، وطلب من الحاضرين ذلك، فبايعه بعضهم وامتنع آخرون عن ذلك. لكن الامام علي بن أبي طالب عليه السلام، تعامل مع الخلافة حسب ما تحكم به المصلحة الاسلامية، حفظا للاسلام وحماية للجماعة الاسلامية من التمزق والضياع، وتحقيقا للمصالح العليا الاسلامية التي جاهد من اجلها، وله كتاب بهذا الصدد جاء فيه: ..فأمسكت يدي حتى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام، يدعون إلى محق دين محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله أن أرى فيه ثلماً أو هدماً، تكون المصيبة به عليّ أعظم من فوت ولايتكم التي إنما هي متاع أيام قلائل، يزول منها ما كان، كما يزول السراب أو كما ينقشع السحاب، فنهضت في تلك الأحداث حتى زاح الباطل وزهق واطمأن الدين وتنهنه. وجاء عمر بن الخطاب بعد ابي بكر ثم جاء عثمان بن عفان وبعد مقتل الخليفة الثالث، اجمعت الامة على بيعة الإمام علي عليه السلام قائدا واميرا. وقد اجتاحت النفوس موجة من العاطفة نحوه، ولكنه رد على موقف الناس بقوله" دعوني والتمسوا غيري". ان عليا عليه السلام ليس ممن تغريه المناصب وتستهويه الكراسي حتى يستجيب فور اقبال الناس عليه، فان الامرة كلها لاتساوي لديه جناح بعوضة، كما عبر عن ذلك مرارا في خطبه. غير ان اصرار الأمة على بيعته جعله يطرح عليها شروطه لقبول الخلافة، فقد اذاع بيانه المتضمن لشروطه :"واعلموا اني ان اجبتكم ركبت بكم ما اعلم ولم أصغ الى قول القائل وعتب العاتب".       
لذا كانت من اولى مهامه عليه السلام ان يزيل صور الانحراف التي طرأت على الحياة الاسلامية وان يعود بالامة الى أصالة المنهج الالهي ومن اجل ذلك لابد ان يسير وفق منهاج محدد وشامل يلزم ولاته بتطبيقه. ولقد انصب منهاج حكومته على مواجهة المشاكل في الميادين السياسية والاقتصادية معا. واشعل اهل المصالح الخاصة والطامعين والمغرر بهم نار "حرب البصرة" او "حرب الجمل" ثم "حرب الصفين" من قبل المعارضة الباغية والماكثين والمارقين بقيادة معاوية الذي كان شديد البغض لعلي (عليه السلام) لانه قتل أخاه حنظلة من المشركين يوم بدر، وخاله الوليد بن عتبة، ونفرا كثيرا من اقاربه الذين كانوا في جيوش الكافرين من قريش، وكان ذلك احد الدوافع الاساسية وراء عداء معاوية للإمام علي عليه السلام حتى انه امر بشتم الامام من على منابر المساجد وفي كل خطبة جمعة. لذا فان الإمام عليا عليه السلام لم يكن امامه طريق، وهو حامل راية الاسلام، إلا تغيير هؤلاء الولاة وامثالهم، وتعيين المؤمنين من صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله والسابقين الى الايمان محلهم، وقد أثار ذلك هؤلاء القوم المتضررن، ووجدوا في معاوية ملجئا لهم، فانضموا الى لوائه واعلن معاوية تمرده على قرار الإمام علي عليه السلام بعزله ورفض اطاعة الخليفة الحق، وبدأ بعدّ العدّة للوقوف بوجه إمام زمانه. وتوالت الاحداث حتى اغتيل الامام علي (عليه السلام) في مؤامرة قذرة في فجر اليوم التاسع عشر، من شهر رمضان المبارك، عام (40 هـ)، في بيت من بيوته المبارکة فکانت بداية حياته في بيت الله الحرام ونهايتها في مسجد الکوفة الشريف.. وحري بکل صاحب فکر ومروءة ان يقف متأملا هذه الرحلة ... ويدرس حقيقة الاحداث.. ليميز الحق عن الباطل والايمان عن الكفر والخيانة.
الإمام علي بن ابي طالب عليه السلام، ترك تراثا فکريا واخلاقيا لايبلی..ترك نهج البلاغة وهو دون کلام الخالق وفوق کلام المخلوق..انها روضة تأخذ بمجامع القلوب وکأنك تتنقل في أروع روضة تری فيها التشريع وتری فيها وهو يرسم المثل العليا وتری فيها کنوز آل محمد (صلى الله عليه وآله) .. من أدعية وخطب وحکم...تحتاج العصور الی معرفتها. ترك ابا تراب مجموعة من القطع النادرة من خطبه ومناجاته مع خالقه طالما کان يناجي بها ربه وطالما سمعه السحر وهو يرددها في احشائه منقطعا الی الباري عز وجل حتی انه کان يغمی عليه في التراب من شدة خشوعه.
سلام عليك سيدي ما أشرقت شمس وطلع قمر سلام عليك كلما أن أبتسم يتيم ، سلام عليك يا رمز الخالدين وأنت تستعبد التأريخ ليسطر مآثرك التي أذهلت العقول وحيرت من أراد الحديث عنك من أين يبدأ وبماذا يختم فسفرك لاحدود له والباحث فيه كالباحث عن حلقة في فلاة، سلام عليك يوم ولدت ويوم أستشهدت ويوم تبعث حيا.