السعودية وفضيحة الارتماء في احضان "اسرائيل"

السعودية وفضيحة الارتماء في احضان
الأحد ٠٧ يونيو ٢٠١٥ - ٠٦:٣٣ بتوقيت غرينتش

حتى يوم الخميس الماضي 4 حزيران / يونيو، كان كل ما يقال عن العلاقة بين السعودية و “اسرائيل”، ليس سوى تسريبات اعلامية، ولكن بعد هذا اليوم يبدو ان الجانبين، السعودية و”اسرائيل”، قررا طي صفحة اللقاءات السرية، والعمل على اشهار هذه العلاقة دون اي تحفظات.

في مثل هذا اليوم، يوم الخميس 4 حزيران / يونيو كشف موقع وكالة “بلومبورغ” الامريكية عن لقاء جرى بين العميد المتقاعد ومستشار رئيس جهاز الاستخبارات السعودي السابق أنور ماجد عشقي، وأحد كبار مستشاري رئيس الحكومة “الإسرائيلية “ بنيامين نتنياهو ومندوب “إسرائيل” السابق لدى الأمم المتحدة دوري غولد، في ندوة استضافها “مجلس العلاقات الخارجية” في واشنطن. ويبدو ان الندوة جاءت تتويجاً لخمسة لقاءات سرية سابقة بين الجانبين، عقدت منذ بداية العام 2014، في الهند وإيطاليا وتشيكيا، بحسب وكالة “بلومبرغ”، جاءت بهدف محاصرة العدو المشترك المتمثل بإيران.
مواقف ممثل السعودية في الندوة تجاوزت كثيرا مواقف حليفه “الاسرائيلي”، فقد اكد عشقي على ضرورة اقامة السلام بين العرب و “اسرائيل”، وكذلك اكد على تفاهم وعزم الجانبين (السعودي والاسرائيلي) على الاطاحة بالنظام في ايران، معتبرا ايران “دولة عدوانية تسهم في أعمال إرهابية، يقودها نظام ينبغي الاطاحة به لتحقيق الصالح العام في الشرق الاوسط”.
موقف عشقي لاقى تاييدا من الصهيوني دوري فولد الذي اكد انه تداول مع عشقي بلورة استراتيجية سياسية واقتصادية مشتركة لمحاصرة ايران إقليمياً. مشيرا الى دفء العلاقات بين “إسرائيل” والسعودية بالقول إنها بناءً على قناعة (دول) الخليج الفارسي بدور “اسرائيل” وعلاقتها الوثيقة بالولايات المتحدة، فضلا عن شعورهم الجماعي بالتعويل على “اسرائيل” في مواجهة إيران.
الهرولة السعودية لاحضان “اسرائيل”، وان كانت غير مفاجئة للمراقبين للعلاقات الخليجية “الاسرائيلية” و خاصة العلاقات السعودية “الاسرائيلية”، بسبب طبيعة وماهية الانظمة الخليجية، والدور الوظيفي المناط بها من قبل الغرب وامريكا، الا ان انتقال السعودية من حالة الهرولة الى الركض السريع من اجل السقوط في احضان “اسرائيل” بهذا الشكل الذي نراه اليوم، يعود لاسباب عديدة، الا ان هناك سببين رئيسيين ساهما في انتقال السعودية من الهرولة الى الركض وهما، حقدها الطائفي الاعمى ضد ايران، بالاضافة الى انكشاف تورطها في الاعمال الارهابية التي شهدها العالم منذ اكثر من عقدين ولاسيما تورط الاسرة السعودية في الاعتداءات التي شهدها امريكا في 11 ايلول سبتمر عام 2001.
السبب الاول وهو الحقد على ايران ومحور المقاومة وحزب الله والحكومة السورية، انطلاقا من طائفية عمياء بليدة جاهلية، بالرغم من ان لا ايران ولا محور المقاومة ولا حزب الله، لا يؤمنون بالطائفية وبعيدون كل البعد عن الطائفية والخطاب الطائفي، ومتمسكون بالخيار الاسلامي و والوطني كخيار وحيد للصراع الدائر مع “اسرائيل” والصهيونية العالمية، وهذا الخيار اثبت نجاعته من خلال الانتصارات الكبرى التي حققها هذا المحور في لبنان وفلسطين، والهزيمة المدوية التي منيت بها الصهيوينة التي كانت متفرعنة على العرب والمسلمين قبل تبلور هذا المحور .
هذه الانتصارات الكبرى وخاصة انتصارات ابطال حزب الله على الجيش “الاسرائيلي” الذي كان لا يقهر يوما، والمواقف المبدئية والاسلامية الاصيلة لايران في دعمها للمقاومة الاسلامية في غزة، رأت فيها السعودية وبحسها الطائفي المتخلف والمغلق على انها انتصار ل”الشيعة” و “ايران” وهزيمة ل”الوهابية” والسعودية، وزاد من نار الحقد في قلوب السعوديين، الشعبية الطاغية لحزب الله وشخص الامين العام للحزب سماحة السيد حسن نصرالله في العالمين العربي والاسلامي، والتي انتشرت كالنار في الهشيم، بعد ان شاهد العرب والمسلمون ولاول مرة هزائم الصهيونية وصور وافلام الجنود : “الاسرائيليين” وهم يبكون ويرتجفون رعبا من ابطال حزب الله، كل هذه الانتصارات دفعت السعودية الى الاسراع في الارتماء في احضان الصهيونية، لايجاد ظهير تعتقد فيه القوة، من اجل الوقوف في وجه “الشيعة وايران ومحور المقاومة وحزب الله وسورية”، قبل فوات الاوان.
اماالسبب الثاني فكان من نتائج السبب الاول، وهو استراتيجية اغراق المنطقة بالفوضى والدمار، حيث اشرفت السعودية بشكل مباشر وغير مباشر على صناعة القاعدة و “جبهة النصرة“ و “داعش” و كل الحركات والمجموعات التكفيرية التي تضرب هنا وهناك وتشيع الفساد والدمار والقتل في العالم الاسلامي وخاصة في منطقة الشرق الاوسط، بهدف الوقوف في وجه محور المقاومة “الشيعي”، بهدف تدنيس سلاح المقاومة، في معارك طائفية عبثية، وما يحدث اليوم في المنطقة كان من نتائج السياسة السعودية في صناعة المجموعات التكفيرية.
هذا السبب تسبب في خروج مارد التكفير من القمقم، ولم تتمكن السعودية من ضبط ايقاع المجموعات التكفيرية، فمنها من خرج عن الخطوط الحمراء المرسومة، وساهم في خروج هذه المجموعات عن تلك الخطوط، تنوع مصادر التمويل داخل اسرة آل سعود، بالاضافة الى اختلاف الفتاوى الصادرة عن مشايخ الوهابية والتي قد تتناقض فيما بينها. هذا الامر اثار حفيظة السيد الامريكي وغضبه بعد ان طال الارهاب الوهابي حتى امريكا والغرب. كما في تفجيرات 11 سبتمبر و لندن ومدريد والعديد من المدن الامريكية والغربية.
بعد هذه التفجيرات خرجت اصوات من امريكا والغرب تطالب بمعاقبة اسرة ال سعود، حتى وصل الامر ببعضهم ان وصف السعودية بانها محور الشر، فما كان من ال سعود الا التعجيل في التقارب مع “اسرائيل”، بهدف ايجاد حصانة لهم، لما ل”اسرائيل” من “حظوة” و “منزلة” في الغرب وامريكا.
ليس من باب الصدفة ان تتزامن اخبار اللقاء العلني بين عشقي و غولد في واشنطن، والاعلان من هناك عن التحالف بين السعودية و”اسرائيل” لمحاصرة ايران و اسقاط نظامها، مع ما جاء في تقرير صحيفة “ذي تايمز” البريطانية الذي اشار إلى أن “البيت الأبيض يتعرّض لضغوط متزايدة من أجل الكشف عن فصل سرّي في ملف تحقيقات رسمي حول أحداث 11 أيلول 2001 من شأنه أن يورّط العائلة الحاكمة السعودية”. وبحسب الصحيفة، أوصى بوب غراهام الذي كان يرأس لجنة الاستخبارات التابعة لمجلس الشيوخ حين وقع الهجوم، بإعداد الملف الذي تضمن وثائق تدين العائلة المالكة السعودية وتتهمها بشكل واضح بأنها “المموّل الرئيسي للعملية”. الوثائق تلك مودَعة، بحسب “تايمز”، في غرفة سريّة تحت مبنى الكابيتول في ملف بعنوان “نتائج ونقاشات ونصوص حول بعض الأمور الحساسة المتعلّقة بالأمن القومي”.
غراهام أشار لـ “تايمز” إلى أن “الرئيس الأسبق جورج بوش إنتزع من الملف فصلًا كاملًا مؤلفاً من 28 صفحة، ويتضمن توجيه أصابع الاتهام للسعودية”، موضحاً أن “نزع ذلك الفصل من التقرير أدى إلى إبقاء السعودية محصّنة ضد أي عقوبات وحتى ضد فضح أمرها، ما أدّى الى استمرارها بنشر الفكر الوهّابي المتطرف وبتمويل الإرهاب وإمداده بالعناصر البشرية ولا سيما القاعدة وداعش”. لذا يطالب غراهام مع عدد كبير من أعضاء مجلس الشيوخ حالياً بالإفراج عن تلك الصفحات.
وذكر تقرير “تايمز” أن “ذلك الفصل يحتوي على معلومات حول نواف الحازمي وخالد المحضار، وهما السعوديان اللذان شاركا بخطف الطائرة التي حلّقت فوق البنتاغون في ١١ أيلول ٢٠٠١، وكان يدعمهما مواطن سعودي آخر هو عمر البيومي الذي تبيّن أنه كان على تواصل مع السفارة السعودية في واشنطن”. الحازمي والمحضار، تضيف الصحيفة، “كانا على علاقة مع السعودي أسامة باسنان الذي تلقّت زوجته أموالاً من أميرة سعودية، قيل ظاهرياً إنها تكاليف علاج طبّي”.
“تايمز” أشارت الى موجة الضغط التي تتعرّض لها الادارة الأميركية الحالية من أجل الإفراج عن ملف ١١ أيلول، والتي انضمّ اليها أخيراً السيناتور الجمهوري المرشح لرئاسة الجمهورية راند بول كما رُفع مشروع قرار بهذا الشأن الى مجلس الشيوخ.
نقول انه ليس صدفة تزامن الحدثين، ويبدو ان هناك في واشنطن، من هم على ارتباط باللوبيات الصهيونية وبالعائلة المالكة السعودية، يعمل على الاسراع في عملية رمي السعودية في احضان “اسرائيل” عبر التهديد بالافراج عن الصفحات ال28 التي رفعها بوش الابن من التقرير، والارتماء كان يحدث وراء الكواليس منذ وقت طويل مع شيء من الحياء، الا ان السعودية تجردت مؤخرا عن ما تبقى من قطرات الحياء، تحت ضغط الحقد والغيرة الطائفية المرضية والخوف من المحاسبة عن تفريخها الارهاب، فارتمت، هذه المرة، في احضان “اسرائيل” وامام الملأ، ودون ادنى خجل.

* سامح مظهر - شفقنا