«نبل» و « الزهراء».. ثلاث سنوات من الحصار المستمر

«نبل» و « الزهراء».. ثلاث سنوات من الحصار المستمر
الأربعاء ٢٤ يونيو ٢٠١٥ - ١٠:١٧ بتوقيت غرينتش

مع ازدياد الصراعات في محافظة "حلب"، نجحت العصابات الإرهابية منذ فترة في فرض حصار على بلدتی "نبل" و"الزهراء" الواقعتين في هذه المحافظة، وقطعوا الاتصال بين هاتين البلدتین والعالم الخارجي.

ومع تشديد الحصار على يد الجماعات المسلحة، والتغيرات الراهنة والميدانية في هاتين البلدتین، ازدادت في الأسابيع الأخيرة الماضية حدة الأوضاع التعليمية، والصحية، والمقاومة الشعبية، والجو العام لهذه المنطقة، وجذبت اهتمام الرأي العام. بناء على هذا، سوف نحاول في التقرير التالي التعريف بالوضع الراهن، وتوضيح التغيرات المستقبلية لهاتين البلدتین والوضع الإنساني بهما. 

تقع بلدتا "نبل" و"الزهراء" على بعد 20 كيلومتراً من شمال غرب مدينة "حلب"، وعلى بعد 40 كيلومتراً من الحدود التركية، وهما تابعتان لمنطقة "أعزاز" في محافظة "حلب"، بالإضافة إلى أن هاتين البلدتین تقعان غرب طريق حلب الدولي والذي يمتد حتى الحدود التركية. يبلغ عدد السكان في هاتين البلدتین وفق إحصاء عام 2013 ميلادي حوالي 55 ألف نسمة أغلبهم من الشيعة.

لقد وصلت نار الأزمة إلى "حلب" بعد عام من اندلاعها في سوريا في 15 مارس 2011، وقد تعرضت العصابات الإرهابية مثل "الجيش الحر" والجماعات التكفيرية - التي وصلت إلى "حلب"- لأهالي "نبل" و"الزهراء" المقيمين في "حلب" من أجل العمل بالإزاء والقتل بسبب انتمائهم المذهبي. أدت هذه الاعتداءات إلى عودة أهالي هاتين البلدتین إلى مسقط رأسهم، وأثناء هجوم العصابات الإرهابية على مناطق ريف "حلب" وسيطرتهم عليها، كانت هاتين البلدتین ضمن أهداف هذه العصابات.

دفع فشل العصابات الإرهابية في السيطرة على "نبل" و"الزهراء" إلى قطع هذه العصابات للطريق بالمعروف بـ "غازي عنتاب" وهو أهم الطرق التي تربط "نبل" و"الزهراء" بـ "حلب".

ومنذ ذلك الوقت، يتعرض الأشخاص الذين يترددون على هذا الطريق إلى كافة أنواع الأخطار من قتل واختطاف وغيره، استمر هذا الوضع حتى العاشر من يوليو (تموز) عام 2012، في هذا الوقت، قطعت العصابات الإرهابية طريق الاتصال بين بلدتی "نبل" و"الزهراء" وبين "حلب" بشكل كامل، وحاصروا هاتين البلدتین كلياً، الوضع الذي استمر حتى يومنا هذا، مع بدء الحصار الحقيقي لبلدتي "نبل" و"الزهراء" أصبح من غير الممكن توفير المواد الغذائية، والصحية، والعلاجية، وكل ما يلزم أهاليهما.

كان الأهالي خلال الأشهر الأولى من الحصار يوفرون جزءاً من احتياجاتهم من منطقة "عفرين" الكردية الواقعة شمال وغرب مدينة "نبل"، إلا أن هذا الطريق أيضاً لم يكن خالياً من الأخطار، حيث كان الأهالي يتعرضون باستمرار إلى احتمال اختطافهم من قبل العصابات الإرهابية أثناء ترددهم على هذا الطريق، الأمر الذي ترتب عليه اختطاف عشرات الأفراد من الأهالي على يد هذه العصابات الإرهابية، ومن بينهم نساء وأطفال، أدت الانتصارات التي حققها الجيش السوري وحزب الله اللبناني في معركة "القصير" إلى تشديد الحصار على هاتين البلدتین، ويرجع ذلك إلى اعتقاد الإرهابيين أن أهالي "نبل" و"الزهراء"  من المؤيدين للنظام في سوريا ولحزب الله اللبناني، ومع تشديد الحصار بدأت كذلك الهجمات بالصواريخ والقذائف على "نبل" و"الزهراء".

يكمن السبب وراء استمرار حصار العصابات الإرهابية التكفيرية لبلدتی "نبل" و"الزهراء" واصرارهم على السيطرة على هاتين البلدتین، على الرغم من مرور أكثر من ثلاث سنوات من الحصار غير المثمر، في ثلاث نقاط أخرى هي:

أولاً: تنظر العصابات الإرهابية دائماً إلى أهالي هاتين البلدتین وخاصة الشباب منهم؛ على أنهم مصدر إمداد الجيش السوري بالقوى البشرية في الجبهات المختلفة في "حلب" والمناطق والمحافظات المحيطة بها.

ثانياً: إن سقوط "نبل" و"الزهراء"  كأحد الحلقات المكملة لحصار الجزء الشرقي من "حلب" والذي يقع تحت سيطرة العصابات الإرهابية، يمنع الجيش السوري من تنفيذ خطته.

ثالثاً: إن أهم أسباب اصرار العصابات الإرهابية على حصار "نبل" و"الزهراء" والسعي إلى السيطرة عليهما، يجب ملاحظته في الموقع الجغرافي لهاتين البلدتین، حيث تطل هاتان المدينتان على أغلب المناطق في "حلب" وريفه، ويستمر هذا الوضع حتى المناطق الحدودية التركية.

يعيش أهالي "نبل" و"الزهراء" في ظروف معيشية واجتماعية صعبة بسبب الحصار الشديد عليهما من قبل العصابات الإرهابية التكفيرية والهجمات المستمرة التي يشنونها على هاتين البلدتین، فقلما وجدت عائلة هناك لم تفقد أحد أفرادها، إضافة إلى أن جميع شباب "نبل" و"الزهراء" قد التحقوا بالجيش السوري دفاعاً عن بلدهم وتصدياً لخطر الإرهاب التكفيري، في حين تولى الرجال والشباب الذين بقوا في هاتين البلدتین مسئولية الدفاع عنهما من خلال الانضمام إلى لجان الدفاع الشعبي.

يعاني أكثر من 80 بالمائة من أهالي هاتين البلدتین من البطالة، ويعيشون على المساعدات التي يتم إرسالها. هناك عدد قليل أيضاً من الأشخاص الذين يتحملون مشقة كبيرة ويذهبون إلى "عفرين" لإحضار المواد الغذائية والملابس والاحتياجات الأخرى من هناك لبيعها في هاتين البلدتین. أدت البطالة وانعدام الدخل بجانب الحصار إلى حدوث غلاء شديد في أسعار بعض السلع في بعض الفصول، مثل الوقود في فصل الشتاء، مما أدى إلى اتجاه الأهالي إلى استخدام الحطب من أجل توفير ما يحتاجونه من وقود.
لا يمكن مشاهدة خدمات مثل الكهرباء والماء الصالح للشرب وغيره في هاتين البلدتین، كما أن التلاميذ لا يتمكنون من الاستمرار في العملية التعليمية بسبب أخطار الهجمات بالقذائف والصواريخ وعدم وجود إمكانات.

لقد دفع عدم توفر المواد الغذائية؛ أغلب الأهالي إلى زراعة المحاصيل التي يحتاجونها -وأغلبها من الخضروات- في حدائق بيوتهم، إلا أنهم قد يحرمون من المحاصيل الأساسية كالأرز والقمح لأيام بسبب نفادها.

لا يستطيع المزارعون في بلدتی "نبل" و"الزهراء" تفقد أراضيهم الزراعية أو حدائقهم، حيث أنهم معرضون لاستهداف القناصين التابعين للعصابات الإرهابية. لقد سعت طائرات الهليكوبتر التابعة للجيش حتى الأن إلى توفير الاحتياجات الأساسية من مواد غذائية وعلاج وأجهزة طبية وملابس لأهالي "نبل" و"الزهراء" عن طريق الجو، إلا أن المساعدات التي تم إرسالها بهذه الطريقة حتى الأن لم تكن كافية لتوفير كافة احتياجات الأهالي من ناحية، ومن ناحية أخرى فإنه قد تم استهداف بعض هذه الطائرات نفسها على يد الإرهابيين.

فيما يلي تقييم لحصار بلدتی "نبل" و"الزهراء" من منظور إحصائي حتى يوم 15 من شهر يناير للعام الحالي:

1- شنت العصابات الإرهابية منذ بدء الحصار وحتى الأن أكثر من 50 هجوماً عنيفاً على بلدتی "نبل" و"الزهراء" بهدف السيطرة عليهما، مما أسفر عن قتل 620 شخصاً من الأهالي وجرح 110 آخرين.

2- شاركت عناصر مسلحة من سبع مدن وقرى من بينها (عندان- ماير- تل رفعت- الزيارة- بيانون) في حاصر بلدتی "نبل" و"الزهراء" وشن الهجمات عليهما.

3- تم اختطاف 123 شخصاً من أهالي هاتين البلدتین حتى الأن على أيدي العصابات الإرهابية التكفيرية؛ من بينهم 26 امرأة و17 طفلاً و81 رجلاً من أهالي "نبل" و"الزهراء"، ولم تسفر الوساطة من أجل تحريرهم عن أي نتائج.

4- تعرض أربعة أشخاص من الأهالي إلى التسمُم عن طريق الرصاص المسموم أثناء الهجمة الأخيرة التي تم شنها.

إن الاستمرار في هذا الحصار هو أمر ظالم وغير إنساني، ويجب على منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان الاقدام على فعل شيئ لحل هذه المأساة.  

*عربي برس