نفحة عاطرة من ذكرى مولد الإمام الحسن المحتبى (ع)

نفحة عاطرة من ذكرى مولد الإمام الحسن المحتبى (ع)
الأربعاء ٠١ يوليو ٢٠١٥ - ٠٧:٣٤ بتوقيت غرينتش

الإمام الحسن بن علي بن ابي طالب عليهما السلام هو ثاني ائمة أهل البيت بعد رسول الله صلى الله علية وآله وسلم وهو المعصوم الرابع من أعلام الهداية والذي جسّد الاسلام في كلّ جوانب حياته الشريفة، انه سبط رسول الله (ص) وسيد شباب أهل الجنة واحد اثنين انحصرت بهما ذرية رسول الله (ص) ومن أهل البيت الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا. فكان مثلا اعلا، ونبراسا مضيئا، يشعُّ إيمانا وطهرا وبهاء.

كانت ولادته عليه السلام في المدينة المنورة في النصف من شهر رمضان المبارك سنه ثلاث للهجرة، اما كنيته فهي "ابو محمد" واما القابه فكيرة وهي التقي والطيب والزكي والسيد والسبط والولي، وعن انس انه قال: لم يكن احد اشبه برسول الله من الحسن بن علي. وتوفرت له جميع عناصر التربية المثلى وانطبعت حياته منذ ولادته ببصمات الوحي الالهي والاعداد الرباني على يدي خاتم الانبياء وسيد الاوصياء وسيدة النساء عليهم السلام. فالحسن ابن رسول الله جسما ومعنى وتلميذه الفذ وربيب مدرسة الوحي التي شعت على الناس هدى ورحمة.

كان الامام المجتبى عليه السلام في جميع مواقفه ومراحل حياته مثالا كريما للخلق الاسلامي النبوي الرفيع في الصبر والحلم الكبير والسماحة والكرم والجود والسخاء بنحو تميز عن سائر الكرماء والاسخياء. ولم تتفق كلمة المسلمين في شيء كاتفاقهم على فضل اهل البيت وعلو مقامهم الروحي وانطوئهم على مجموعة الكمالات التي اراد الله تعالى للانسانية ان تتحلى بها وكان الامام الحسن عليه السلام هو احد من جمع كل هذه الخصال الحميدة، ولهذا عرف بحلمه وعفوه وكرمه وجوده وتقواه وتواضعه وزهده وشجاعته وعلمه.

وبقي عليه السلام بعد جده في رعاية امه الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام وابيه سيد الوصيين وامام الغر المحجلين علي بن ابي طالب عليه السلام، وهما في صراع دائم مع الذين صادوا خلافة جده صلى الله عليه وآله وسلم وما لبث ان طويت هذه الصفحة الثانية من حياته بوفاة أمه الزهراء(ع) وقد حفت بابيه علي بن ابي طالب (ع) النكبات ولا زال يشاهد كل هذه المحن ويتجرع مرارتها وهو في سن الطفولة، لكنه كان يقوم باكثر مما ينتظر من مثله، من حيث وعيه واحساسة بالاوضاع العامة وتطوراتها، ومن هناك كان يتمتع بتقدير المسلمين واحترامهم له بعد ما شاهدوا مدى اهتمام نبيهم له.     

واشرف الامام المجتبى عليه السلام على الشباب في خلافة عمر بن الخطاب وانصرف مع ابيه الى تعليم الناس وحل مشاكلهم. كما وقف الامام الحسن الزكي الى جانب ابيه عليه السلام في عهد الخليفة عثمان بن عفان وعمل مخلصا لاجل الاسلام واشترك مع ابيه في وضع حد للفساد الذي اخذ يستشري في جسم الامة والدولة الاسلامية ايام الخليفة عثمان، ولقد كان الامام علي عليه السلام كغيره من الصحابة  - غير راض عن تصرفات عثمان وعماله- لكنه لم يكن راض بقتله فوقف هو وابناه موقف المصلح الحكيم ولكن بطانه عثمان ابت الا التمادي في افساد الامر والتحريض غير المباشر على قتله ، بينما كان الامام يعالج الموقف في حدود ما انزل الله تعالى.

لقد كان الحسن بن علي السبط الى جانب ابيه في كل مايقول ويفعل، واشترك معه في جميع حروبه. وبقي الحسن عليه السلام الى جانب والده الى آخر لحظة وكان يعاني ما يعانية أبوه  من اهل العراق، ويتألم لآلامه وهو يرى معاوية يبث دعاته ويغري القادة في جيش ابيه بالاموال والمناصب حتى فرق اكثرهم واصبح الامام علي عليه السلام يتمنى فراقهم بالموت او القتل فاستُشهد وبقي الحسن عليه السلام في تلك الاعاصير بين اهل الكوفة التخاذلين وفلول الخوارج المارقين وتحديات اهل الشام القاسطين.   

وبعد ان نص امير المؤمنين عليه السلام على خلافة ابنه الحسن الزكي وسلمه مواريث النبوة اجتمع عليه اهل الكوفة وجماعة المهاجرين والانصار، وبايعوه بالخلافة بعد ان طهره الله تعالى من كل نقص ورجس بالاضافة الى توفر جميع متطلبات الخلافة فيه م العلم والتقوى والحزم والجدارة وتسابق الناس الى بيعته في الكوفة والبصرة كما بايعه اهل الحجاز واليمن وفارس وسائر المناطق التي كانت تدين بالولاء لابيه عليه السلام وحتى بلغ نبأ البيعة معاوية واتباعه بدأوا يعملون بكل ما لديهم من مكر وخداع لافساد امره والتشويش عليه. واستلم الامام الحسن عليه السلام السلطة بعد ابيه، وفام بافضل ما يمكن القيام به في ذلك الجو المشحون بالفتن والمؤامرات، فامر الولاة على اعمالهم واوصاهم بالعدل والاحسان ومحاربة البغي والعدوان ومضى على نهج ابيه الذي كان امتدادا لسيرة حده المصطفى صلى لله عليه وآله وسلم.

وبالرغم مما كان يعلمة الامام الحسن (ع) من معاوية ونفاقة ودجله وعدائه لرسالة جده وسعيه لاحياء مظاهر الجاهلية الاولى..بالرغم من ذلك كله فقد ابى ان يعلن الحرب عليه الى بعد ان كتب اليه المرة بعد المره يدعوه الى جمع الكلمة وتوحيد امر المسلمين، فلم يُبق له في ذلك عذرا او حجة. لكن معاوية اطمأن الى ان الامور ممهدة له باعتبار علاقته المتينة مع اكثر قادة الامام المجتبى عليه السلام، كما حاول إغراء الإمام الحسن عليه السلام بالاموال والخلافة من بعده وتضليل الراي العام، ولكن موقف الامام لم يتغير لتهديده ووعوده، وادرك معاوية صلابة الامام عليه السلام على موقفه المبدئي فاعد العدة لمحاربته واطمأن معاوية الى ان الحرب ستكون لصالحه وسيكون الحسن عليه السلام والمخلصون له من جنده بين قتيل واسير، ولكن هذا الاستيلاء يفقد الصيغه الشرعية التي كان يحاول ان يتظاهر بها لعامة المسلمين ولذلك حرص معاوية على ان لايتورط في حرب مع الامام الحسن عليه السلام معتمدا المكر والخداع والتموية وشراء الضمائر وتفتيت جيش الامام (ع) ولم يكن للامام بدّ من اختيار الصلح بعد ان تخاذل عامة جيشه واكثر قادته ولم يبق معه الا فئة قليلة من اهل بيته والخلصين من اصحابه، فتغاضى عن السلطة دفعا للافسد بالفاسد في ذلك الجو المحموم، فكان اختياره للصلح في منتهى الحكمة والحنكة السياسية الرشيدة تحقيقا لمصالح الاسلام العليا واهدافة المثلى. ان الامام المجتبى عليه السلام بصلحة المشروط فسح المجال لمعاوية ليكشف واقع اطروحته الجاهلية وليعرف عامة المسلمين البسطاء من هو معاوية؟ ومن هنا كان الصلح نصرا ما دام قد حقق فضيحة سياسة الخداع التي تترس به عدوه. ونجحت خطة الامام حينما بدأ معاوية يساهم في كشف واقعه المنحرف في اعلانه بانه لم يقاتل من اجل الاسلام وانما قاتل من اجل المُلك والسيطرة على رقاب المسلمين وانه سوف لايفي باي شرط من شروط الصلح.

وكانت محاولات الاغتيال المتكررة تشير الى مخاوف معاوية من وجود الامام عليه السلام كقوة معبرة عن عواطف الامة ووعيها المتنامي ولربما حملت معها خطر الثورة ضد ظلم بني اُميه ومن هنا صح مايقال من ان صلح الامام الحسن عليه السلام كان تمهيدا واقعيا لثورة اخيه ابي عبدالله الحسين عليه السلام.
واخيرا توج الامام المجتبى عليه السلام جهاده العظيم هذا الذي فاق الجهاد بالسيف في تلك الظروف العصيبة، باستشهاده مسموما على يد ألدّ اعدائه. 
فسلام عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يّبعث حيا. 

تصنيف :