العراق بالمرصاد لدواعش البعث وبواعث الدعش

العراق بالمرصاد لدواعش البعث وبواعث الدعش
الجمعة ٢٨ أغسطس ٢٠١٥ - ٠٦:٥٦ بتوقيت غرينتش

لم يعد خافيا ان المواقف الرسمية الاميركية بتقسيم العراق تحت ذريعة احتواء تداعيات الانفجار السياسي الراهن، تشكل مربط الفرس في المخططات الدولية الهادفة الى تشطير هذا البلد بما يتوافق مع الاجندات الغربية الصهيونية.

فمن الواضح ان إثارة تصريح قائد الجيوش الاميركية الجنرال المتقاعد راي اديرنو في(12 آب.أغسطس 2015) أمام الرأي العام العالمي تحمل في طياتها خميرة التقسيم الاميركي الاسرائيلي المنشود لعراق خرج توا من كابوس حكم دكتاتوري قاس دام 35 عاما.. ذلك الحكم  الذي ادخل البلاد والعباد في بحور من الدماء.
ويرى خبراء الشرق الاوسط والعالم ان خطيئة هذا البلد وخلافا للخطة الديمقراطية الغربية المرسومة له، هي انه سرعان ما انخرط في محور قوى المقاومة والممانعة للمشروع الصهيوني التوسعي، الامر الذي ارتعدت له فرائص زعماء الولايات المتحدة في البيت الابيض والبنتاغون والكونغرس ومن ورائهم اللوبي اليهودي المعروف بسيطرته المحكمة على صناعة القرار الاميركي والاوروبي في آن معا.
من الثابت ان التوجه الوطني الاسلامي القومي للعراق الجديد وبتلك الاندفاعة الناشطة، ربما يكون قد قلب الحسابات الدولية والاقليمية رأسا على عقب، وهو ما يسوغ ان يكون سببا في جعل زعماء القوة والمال الغربيين يتراجعون عن التزاماتهم لدعم العملية الديمقراطية واسناد برامج التنمية واعادة اعمار في هذا البلد الذي دمرته الحروب العبثية ولغة الحديد والنار والمقابر الجماعية والقصف الكيمياوي المروع ابان حكم المقبور صدام حسين.
ومن المعروف ان العراقيين شعبا وحكومة ورثوا من النظام البائد بلدا مثخنا بالجراح ومفخخا في آن واحد. صحيح ان العملية السياسية تحركت بقفزات نوعية على المستويين الداخلي والخارجي، بيد ان الواقع المعاش كان ينبئ منذ البداية عن سيطرة مافيات حزب البعث البوليسي من وراء الكواليس على مجريات الاحداث السياسية والاقتصادية والعسكرية والامنية والقضائية والاعلامية في العراق .
وللتاريخ نقول ان الزعيم الحقيقي لعصابة داعش الاجرامية هو ليس ضابط المخابرات السابق المدعو "ابو بكر البغدادي" الذي خرج الى العالم بهيئته الساخرة  ك"خليفة" للمسلمين وهم منه براء، في جامع الموصل الكبير العام الفائت، بل كان الطاغية صدام التكريتي الذي وثقته التلفزة والاعلام العالمي بمظهره المريب، وقد اطلق لحيته وشعر رأسه بما يحمل من استعدادات مستقبلية رهيبة كان الدكتاتور المخلوع يخطط لها هو واجهزته الخفية لتدمير العراق باسم الاسلام بعدما مزقها باسم العروبة، وذلك من خلال منظمات تكفيرية اتخذت مسميات متعددة خلال السنوات العشر الماضية، لكنها رست فعلا عند تسمية  "دولة خلافة داعش".
ولابد من الاعتراف بأن اخطاء العملية السياسية الفتية في بغداد، مكنت مرتزقة النظام السابق من تفعيل التحركات الاجرامية لاعضاء أجهزة البعث المنحل، الذين صار بعضهم يمارس دوره ضمن مراكز صنع القرار السياسي والبرلماني والعسكري والقضائي، بما لم يكن متاحا له حتى في أيام الطاغية .
ويعتبر المراقبون ان أشكال الرومانسية والمسامحة المفرطة التي تعامل بها زعماء العملية السياسية الجديدة مع ايتام الطاغية، تركت آثارها العكسية لاحقا على مستوى استنزاف هذه النقلة الحيوية الرائعة وتفريغها من مرتكزاتها ومكاسبها في ميادين اطلاق الحريات والانتخابات والممارسات الديمقراطية الاخرى، حيث توفرت للارهابيين من بعد ارضية هدم اي منجز تنموي يراد به بث الحياة في شرايين الشعب والبلاد، الامر الذي تبدّى بداية وبشكل جلي في شُحّ خدمات الكهرباء والماء والصرف الصحي، وانعدام الامن وانتشار اعمال الخطف والاغتيال والانفجارات المحدودة، ثم تحول رويدا رويدا الى استشراء الفساد في مختلف الانظمة والمؤسسات الجديدة، وظهور التنظيمات المسلحة المجرمة كقوة فاقت قدراتها وسيطرتها في بعض مناطق العراق المعروفة، هيبة الدولة ونفوذ الحكومة .
لقد ترك البعثيون القتلة في 9 نيسان 2003 عراقا مفخخا وقد وضعوا في حسبانهم العودة من جديد الى السلطة، واذا استحال لهم ذلك، وهو المتأكد حتى الان يقينا، فإنهم سوف يحولونها الى خرائب ومناطق عصابات مافيا بفعل الارهاب والتفجيرات وتدمير البنى التحتية، ولتكتمل بذلك مهمتهم الخطيرة التي جيء بهم لأجلها الى السلطة في 17 تموز1968، ذلك اليوم الاسود الذي وضع العراق على سكة الهاوية والسقوط كما هو مشاهد حاليا.
ويتفق خبراء شؤون المنطقة وبالتحديد المختصون منهم بالشأن العراقي، ان داعش التكفيري والبعث الصدامي هما وجهان لعملة واحدة، وقد برهنت على ذلك ممارساتهما الاجرامية المشتركة على مستوى العنف الدموي المفرط والتوجهات الطائفية، واستغلال الاجواء الاقليمية والمواقف الدولية المتهاونة مع الارهاب المنظم المتلبس بالدين، للتوسع والإيلاغ في دماء العراقيين والسوريين.
ومن هنا جاء دخول ثقل المرجعية الدينية طرفا مباشرا وفاعلا في احباط عودة هذه  العصابات الارهابية بشكليها "العروبي والاسلامي" المقيتين الى واجهة السياسة الوطنية العراقية، الامر الذي وضع ويضع أعباء جسيمة على كاهل مقاتلي الحشد الشعبي الملبين لفتوى الجهاد الكفائي، وتغير الاستراتيجية العسكرية الوطنية من حالة الدفاع الى حالة الهجوم بهدف استئصال غدة البعث السرطانية ومنتجاتها المتأسلمة المستحدثة من ربوع ارض الرافدين.
على صعيد آخر متصل تحض اصوات العقل والحكمة المحتجين ممن خرجوا الى الشارع، وهم ايضا ابناء المرجعية الرشيدة، على ان يطهّروا جموعهم المطالبة بالاصلاح وانهاء مظاهر الفساد المستشرية في مؤسسات الدولة والمجتمع، من كل من يحاول تدنيسها من أيتام البعث وسلوكيات الدعش، وان يعتبروا مسؤوليتهم  في هذا المضمار، لاتقل أهمية وخطورة وحساسية عن دور المجاهدين الحشديين على جبهات القتال لحماية الارض والانسان من فتنة التكفير والطائفية والاجرام والعودة الى الوراء مرة اخرى.
ويتطلع المراقبون الى الاحتجاجات الشعبية التي تأخذ ابعادا جماهيريا مهيبا ايام الجمعة في العراق، باعتبارها تحركا مشروعا واصيلا طالما بقي ملتزما بالاطر القانونية الواردة في الدستور والتي تجيز حق التظاهر للمطالبة بالحقوق والتصدي للمفسدين. وعلى هذا الاساس فان المساعي البعثية الداعشية لاستغلال هذه الفرصة ابتغاء تشويه مقاصدها الوطنية الحقيقية، يفترض ان تكون معلومة ومكشوفة، وقد خبرها العراقيون من قبل، وهم سيكونون لها بالمرصاد من اجل فرزها ومكافحتها، وهنا ايضا ستكون وقفتهم  بناء على تعليمات المرجعية الدينية، باعتبارها وقفة حازمة لامناص منها في سبيل تحصين البلاد والمجتمع من الابتلاء من جديد بتجرية البعث الكارثية الرهيبة التي احرقت الاخضرواليابس في العراق الزاخر بالثروات والخيرات.

* حميد حلمي زاده