على العالم أن يتعلم من العراقيين

على العالم أن يتعلم من العراقيين
الأحد ٠٦ ديسمبر ٢٠١٥ - ٠٩:٠٧ بتوقيت غرينتش

ان يحتضن شعب، نحو 27 مليون انسان في مكان واحد، وخلال ايام لا تتجاوز اعدادها اصابع اليدين، وفي ظل ازمة اقتصادية خانقة يعيشها، وفي ظل تفجيرات وذبح تتهدده من اشرس واقسى العصابات التكفيرية، ويعود هذا الحشد البشري الضخم الى من حيث اتى، معززا مكرما مسرورا، دون ان تسجل حالة واحدة عن اختناق او تدافع، او خرق امني، لهو فضيلة كبرى تُحسب لهذا الشعب الكريم المعطاء، وهذا الشعب ليس سوى الشعب العراقي، شعب الحسين (سلام الله عليه)، وما هذا التجمع المليوني الا زوار اربعين الحسين(سلام الله عليه).

الملفت ان مجلس محافظة کربلاء المقدسة يسعی الی مغادرة اسلوب الازمة فی ادارة الزیارات الملیونیة عبر التخطیط المستدام، وانه يخطط لاستقبال نحو 50 ملیون زائرا مستقبلا، فقد وصل عدد المواکب والهیئات الخدمیة والعزائیة الحسینیة المشارکة فی احیاء زیارة اربعینیة الامام الحسین (سلام الله عليه) هذا العام الی (7680) موکبا وهیئة ولم تتوقّف هذه المواکب والهیئات عن الخدمة لتوصل اللیل بالنهار لشدة زحام الزائرین الذی بلغ ذروته منذ منتصف لیلة العشرین من صفر.
ولما كانت اربعينية الحسين (سلام الله عليه) تمثل اكبر حشد بشري على الارض، اعلنت وزارة الثقافة والسیاحة والاثار العراقیة سعیها لتسجیل زیارة الاربعینیة فی منظمة الیونسکو العالمیة، باعتبارها اکبر تجمع دینی عفوي فی العالم، دون ان تكون وراء هذه الظاهرة جهة حكومية او منظمات دولية او اقليمية او عراقية.
النجاح المذهل الذي حققه العراقيون، والمتمثل بإدارة هذا الحشد البشري الكبير، والذي وصل الى 27 مليون انسان، دون تسجيل اي خسائر بين صفوف الزوار، الذين قدموا من 60 بلدا ويتحدثون بعشرات اللغات، رغم الحالة الاستثنائية التي يمر بها العراق، حيث تسيطر عصابات “داعش” و البعثيين على ثلث مساحته.
رغم ان زيارة الاربعين، ظاهرة شعبية مائة بالمائة ولا دخل لاي جهة حكومية فيها، ولكن هذا النجاح، يجعل من ادارة العراقيين، لزيارة الاربعين، حالة يجب دراسة ابعادها، عسى ان تكون نموذجا يمكن تطبيقه، من قبل الحكومات التي تشرف على ادارة المناسبات الدينية، بهدف التقليل من الكوارث الانسانية التي كثيرا ما تقع في هذه المناسبات.
اولى الجهات التي يجب ان تدرس ابعاد زيارة الاربعين وبدقة متناهية، هي السلطات السعودية، التي تتباهى بادارة مراسم الحج، منذ نحو 80 عاما، بينما لا يمر عام الا ويقتل المئات بل الالاف من ضيوف الرحمن، بسبب سوء ادارة ال سعود لمراسم الحج، رغم ان عددهم بالكاد يتجاوز المليونين خلال السنوات الاخيرة، ورغم كل الامكانيات الضخمة التي تمتلكها هذه السلطات، لاسيما كارثة منى التي زُهقت فيها ارواح نحو 8000 انسان وخلال ساعات طويلة بسبب التدافع، دون ان تقوم هذه السلطات باتخاذ اجراءات، كان يمكن ان تقلل من عدد الضحايا، كما شاهد العالم اجمع ذلك من خلال الافلام والصور التي كشفت وللاسف الشديد استخفاف وعدم مبالاة رجال الاغاثة والامن السعودي، في التعامل مع الضحايا الذين كانوا بأمس الحاج الى الماء، ولكن وللاسف الشديد مات الالاف ليس بسبب التدافع فقط بل من العطش، وعدم تقديم المساعدة لهم في حينها.
اكثر الصور ايلاما في كارثة منى، كان التعامل الاستعلائي و البعيد كل البعد عن الاخلاق والقيم الانسانية ناهيك عن الاسلامية، لرجال الامن والجيش وعمال الاغاثة وطواقم الاسعاف مع ضحايا منى، وهو تعامل زاد في عدد الضحايا، لانه كان تعاملا لا روح فيه ولا تعاطف مع الضحايا، فهناك هوة سحيقة تفصل بين رؤية ال سعود والوهابية الى الاسلام، وبين رؤية المسلمين الى الاسلام، وتناقض هاتين الرؤيتين، هو الذي جعل تعامل عمال ال سعود والوهابية، بهذه السلبية واللاانسانية مع ضحايا كارثة منى .
في العراق، كان الامر على العكس تماما، حيث كانت وكالات الانباء والقنوات الفضائية، تتبارى في نقل صورا في غاية الروعة والجمال عن الخلق الاسلامي الاصيل والكرم الحاتمي، لاهل العراق وهم يتسابقون في تقديم كل ما يطلبه الزوار القادمون من 60 بلدا، فيقدمونهم على انفسهم واطفالهم واهلهم، فأهل العراق والقادمون اليهم يتشاطرون حب الحسين (سلام الله عليه)، وبهذا الحب صنع العراقيون معجزة الاربعين، واحتضنت كربلاء في ايام معدودة نحو 27 مليون عاشق من عشاق الحسين (سلام الله عليه)، فإذا اراد العالم ان يتعلم من العراقيين، عليه اولا ان يتعلم درس “عشق الحسين”، فبدون هذا العشق لن يفهم درس العراقيين.

* نبيل لطيف - شفقنا