الحكومة العراقیة.. الحقیقة أین؟!

الحكومة العراقیة.. الحقیقة أین؟!
الإثنين ٠٧ ديسمبر ٢٠١٥ - ٠٤:١٨ بتوقيت غرينتش

بدایة لست بصدد الحكم علی الحكومة العراقیة، التي تحظی بدعم غالبیة الكتل السیاسیة العراقیة والمرجعیة الدینیة ولا اتهامها.. لكن ما ظهر خلال الآونة الاخیرة من تقابل بین التصریحات الرسمیة العراقیة وتصریحات بلدان علی تماس مباشر بالشأن العراقي یثیر الاستغراب!

قبل فترة (بضعة ایام) اعلنت الولایات المتحدة الأميركية التي لها بحساب بسیط 25 ـ 30 ألف عسكري ودبلوماسي في العراق، وتقود تحالفاً دولیاً ضد "داعش" منذ أكثر من سنة، هذا التحالف الذي یضم اكثر من 60 دولة ولم یستطع فعل شئ علی ارض الواقع، بل كان یرید زعمائه ان یستمروا في حربهم مع داعش 30 سنة!
نعم أعلنت أمیركا انها ارسلت قوات عسكریة (نخبة) اضافیة الی قواعدها في العراق لضرب تجمعات "داعش" وتنفیذ مهام خاصة وعملیات كوماندوز ضده..
وبعد ان اعلنت فصائل الحشد الشعبي العراقي عن رفضها للاحتلال الأمیركي الجدید بذریعة محاربة "داعش" والارهاب وهددت بضرب المصالح والقوات الأمیرکیة، قالت الحكومة العراقیة انها ترفض وجود أیة قوات أجنبیة لاغراض غیر التدریب علی اراضیها.. وان العراقیین هم من سیحررون ارضهم من داعش.

الی هنا لیس هناك ما یؤشر علی خلل في الموقف، فأمیركا طبعها استعماري والعراق یرفض انتهاك سیادته رغم ضعفه في مواجهة أمیركا ومخططاتها.. لكن الخلل في الموقف العراقي (الحكومي) ظهر عندما صرحت أمیركا انها نسقت ارسال جنودها مع الحانب العراقي!

وهنا تبدر محموعة من التساؤلات: اذا کانت أمیركا نسقت مع الحكومة العراقیة.. فلماذا ترفض الاخیرة التواجد العسكري الأمیركي؟!
هل تشعر الحكومة بالاحراج علی مواقفها العاجزة امام الأمیركان.. وممن؟
هل الحكومة العراقیة مهتمة كثیرا بمسالة السیادة والتنسیق العسكري.. فلماذا   تحولت اجواء العراق الی ساحة استعراض لمقاتلات 60 دولة أو اكثر من قوی عظمی الی قطر والبحرین والامارات التي تستعین بمرتزقة من جنوب آسیا وأفریقیا وحتی أمیرکا اللاتینیة للحفاظ علی أمنها؟!

كما ان المناطق الكردیة وتخومها السنیة تعج بانواع المستشارین والمدربین والعسكریین من مختلف دول العالم.. واذا كان من یعتقد ان هؤلاء مجرد مدربیین ومستشاریین في مناطق لا تسیطر علیها الدولة المركزیة، فهو یعاني من مشكلة اكبر!

هنا.. قد تكون أمیركا كاذبة والحكومة العراقیة صادقة في دعواها.. لكن رغم انني اكره السیاسة الأمیركیة وأقسم علی ان الأمیركان لا یتحلون بایة مكرمة اخلاقیة في العمل السیاسي ببلداننا.. لكنني ایضا ـ وبصراحة تامة ـ أجد صعوبة في تقبل تصریحات الحكومة العراقیة، لأن تبادل الاتهام بالكذب لم یقتصر علی ارسال القوات الأمیركیة..

یوم أمس الاول وبعد الكشف عن الاجتیاح التركي للعراق والوصول حتی "بعشیقة" قرب الموصل، نددت السلطات العراقیة (رئیس جمهوریة ورئیس الوزراء ونواب برلمان واحزاب عربیة وكردیة وشیعیة وسنیة) بالاجتیاح التركي للاراضي العراقیة.. مطالبة القوات التركیة بالانسحاب فوراً.. حتی ان الخارجیة العراقیة استدعت السفیر التركي في بغداد وقدمت له مذكرة حتجاج.

الی هنا أیضاً، لا یوجد خلل في الموقف العراقي.. لكن ظهر فیما بعد "ابو رغال الموصل"، محافظها المقال بتهمة الخیانة اثیل النجیفي (شقیق رئیس البرلمان السابق ونائب رئیس الجمهوریة الحالي اسامة النجیفي) لیتحدث عن التنسیق بین السلطات العراقیة والحكومة التركیة وان القوات التركیة موجودة منذ زمن في المحافظة وتتولی تدریب قوات عراقیة (الحشد الوطني) لطالما زارها وزیر الدفاع خالد العبیدي!
ولا ندري ماذا یمثل أثیل النجیفي بعد اقالته (علی الاقل) من منصبه كمحافظ للموصل.. وما هو دور هذا الخائن الذي سلم الموصل وما حولها الی عصابات "داعش" والبعثیین بالتنسیق مع سلطة أربیل، ما هو دور هذا الخائن« حسب تقریر لجنة التحقیق البرلمانیة، في تحریر المحافظة.. وكیف انه یقود قوات عسكریة تحت مسمی "الحشد الوطني" والذین یشرف علی تدریبهم عسكریون اتراك.. ولربما سعودیون واردنیون وقطریون؟!

بعد تصریحات "أبو رغال الموصل"، تحدث المسؤولون الاتراك عن تنسیق اجتیاحهم مع السلطات العراقیة!!

فمن یكذب هذه المرة أیضاً.. السلطات العراقیة أم التركیة؟!

ثم لماذا لم یقم الطیران العراقي (الطائرات الروسیة علی الأقل لأننا نعلم ان الـ F-16  لا یمكنها التحلیق دون اذن الأمیركان) بقصف أرتال القوات التي قامت بالاجتیاح لو كانت السلطات العراقیة تحترم سیادة بلدها وشعبها ونفسها.. وهي تشهد ان الأتراك أسقطوا طائرة السوـ 24 روسیة لانها دخلت (حسب ادعائهم) الاراضي التركیة لفترة 17 ثانیة فقط.. في حین ان الدبابات و600 عنصر من الجیش التركي توغلوا في وضح النهار حتی وصلوا قرب الموصل!

الحقیقة ان العراق بهذه المواقف "المهلهلة" وبهذه الضبابیة في السیاسة الخارجیة وعدم وجود استراتیجیة ورؤیة أمنیة وعسکریة موحدة (والأهم من کل ذلك فقدانه اجماعاً وطنیاً) یواجه خطراً كبیراً قد یأتي علی وجوده كبلد موحد.. خاصة وان الذئب الأمیركي والضباع الأقلیمیة التي تسیر خلفه عقدوا العزم علی تجزئته بالحسنی أو بالحرب.. وأرجوا أن لا یصدق علی أهلنا فی العراق قول درید بن الصمة: "فلم یستبینوا النصح إلاَ ضحى الغد"!

بقلم: علاء الرضائي