السياسة السعودية.. شبح الحاضر وهاجس المستقبل

السياسة السعودية.. شبح الحاضر وهاجس المستقبل
الخميس ٢١ يناير ٢٠١٦ - ٠١:٣٥ بتوقيت غرينتش

على أية معطيات بنت الإدارة الأمريكية تصوراتها عن التطلعات السعودية، حين خرج وزير خارجيتها جون كيري محذرا السعودية من امتلاك السلاح النووي؟

خلال لقائه نظيره الأمريكي جون كيري في 16 يوليو/ تموز من العام الفائت، قال عادل الجبير: إنه يتعين على طهران استغلال الاتفاق النووي الذي أبرم مؤخرا مع دول (5+1) لتحسين وضعها الاقتصادي وليس للسعي وراء "مغامرات" في المنطقة.. وإنه "إذا حاولت إيران التسبب في أذى بالمنطقة، فنحن ملتزمون بالتصدي لها بكل حزم.. قال هذا ولم يكن واضحا بعد، إن كان الاتفاق سيفضي إلى رفع الحظر عن إيران أم لا؟ ولم يتوضح هذا الموقف هل هو خوف من الحاضر، أو ما سيترتب عليه في المستقبل.

ولم يمض على هذا التصريح سوى حوالى أسبوع، أي في 24 من يوليو/ تموز من نفس الشهر، حتى رُشحت من مصادر أمنية داخل الكيان الصهيوني، تحضيرات لهجوم عسكري صهيوني وبتنسيق مع السعودية في الاستفادة من أجوائها لضرب إيران.. فسارع جون كيري إلى تحذير الكيان من ارتكاب أي حماقات وضرب إيران، واصفا إياها بالخطأ الجسيم الذي ستكون له عواقب خطيرة على "إسرائيل" والمنطقة.

ولا ندري من أين ينبع هذا التناغم والتزامن في المواقف المشتركة ما بين السعودية والكيان الصهيوني.. فـ"إسرائيل" في معظم الأحوال، كلما أرادت أن تبتز الغرب وأمريكا، تحدثت عن أمرين ، خطر الإرهاب، وتقصد به المقاومة بشقيها اللبناني المتمثل بحزب الله، والفلسطيني المتمثل بحماس والجهاد الاسلامي. والتهديد الإيراني لوجود الكيان المحتل.. وبذلك تحصل على جائزة من أمريكا تتمثل بمنحة الإسلحة المتطورة أكثر من مثيلاتها التي دفعت لها الحكومات العربية وعلى رأسها السعودية مبالغ طائلة من أموال الشعوب..

فما الذي تريد أن تحصل عليه السعودية من أمريكا، حين تخرج لنا بين الحين والآخر وتتحدث كأنها قوة يحسب لها الإيرانيون حسابا؟ ولماذا هذا القلق الدائم إذا كانت للسعودية قدرة الفعل حقا؟ ... فلماذا لا تنفذ تهديداتها المستمرة ضد طهران؟.. وهي التي تتهم إيران بأنها تهدد "إسرائيل" دون فعل أي شئ على الأرض، رغم أن هنالك دول من ضمنها السعودية تمنع القوات والطيران الإيراني من اجتياز أراضيها نحو الكيان المحتل.. بينما السعودية لا يفصلها أي فاصل مع إيران، ونراها تهاجم الشعب اليمني الفقير بحجة التمدد الإيراني.. ولا تطلق رصاصة واحدة على إيران.. فهل ينطبق ذلك على المثل القائل (الكلب الذي ينبح أكثر لا يعض)؟!

في نفس السياق والتناغم، ظهر عادل الجبير يوم الثلاثاء الماضي 19 يناير/ كانون الثاني 2016، ليعيد في مقال نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" نفس الأسطوانة المشروخة، "أن إيران لجأت إلى تعتيم سياستها الطائفية والتوسعية الخطيرة"، على حد تعبيره، إضافة إلى دعم ما وصفهم بالجماعات المتطرفة والعنيفة، بما في ذلك حزب الله لبنان والحوثيون في اليمن، ومن سماهم بالميليشيات الطائفية في العراق.

ولم يمض يوم واحد حتى سارع ـ أمس الإربعاء ـ الكيان الصهيوني وعلى لسان وزير حربه موشيه يعلون ليصرح إلى صحيفة "يسرائيل هيوم" ويقول "لو قُدّر لي أن أختار بين خطر تنظيم الدولة (ويعني داعش) أو إيران، فإن الأخيرة أكثر خطورة، لأنها تمتلك بنية تحتية عسكرية في خمس قارات، فضلًا عن كون حزب الله هو إحدى أدواتها بالمنطقة.. مؤكدا على إيجاد تحالفات في المنطقة.

وربما كان اللواء أنور عشقي المستشار السعودي المقرب من مركز القرار والذي يترأس مركز الدراسات الاستراتيجية السعودي، اشجع واصدق من وزير خارجيته الجبير حين وصف بنيامين نتنياهو، باعتباره رجلاً "قوياً وعقلانياً"!!.. والتقى وبشكل علني المدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلي دوري غولد في واشنطن في الرابع من يونيو 2015، والذي دعا لتشكيل قوة عربية مسلحة تقف في مواجهة ما سماها بالمساعي الإيرانية في المناطق المختلفة.. بينما كان الطيران السعودي يقصف المدنيين في اليمن منذ 26 مارس/ آذار 2015.

فما الذي يؤرق الدبلوماسية السعودية المتحجرة، حماس أم الجهاد؟! اللتان تقاومان كيانا احتل القدس ومقدسات العرب والمسلمين إلى جانب مناطق أخرى ومنها جزيرتا صنافير وتيران السعوديتان المحتلتان منذ 1967 أي قبل اثني عشر عاما من انتصار الثورة الإسلامية في ايران..

ولماذا يخشون من حزب الله وهو إن لم يقاتل نيابة عن العالم الإسلامي، فهو يقاتل عدوا احتل أرضا عربية اسمها فلسطين ومزارع شبعا والجولان..

وهنا لربما يظهر منافق ما ويقول إن حزب الله تدخل في سوريا بإيعاز من إيران.. ولا سبيل لنا إلا أن نجيب هذا الشخص الذي هو ما بين اثنين لا ثالث لهما، إما غبي أحمق أو متآمر على الأمة العربية والإسلامية.. لأسباب بسيطة وهي: أن من يدعي دخول حزب الله إلى سوريا بهذا الشكل، فهو يهين سيادة الحكومة الشرعية السورية على أراضيها.. فكيف يمكن لقوات عسكرية أن تدخل بلدا آخر بإيعاز من الخارج، بينما السعودي نفسه لا يتمكن دخول الأردن أو أي بلد عربي آخر دون تأشيرة وإذن بالدخول من ذلك البلد.. حتى وإن جاء للسياحة فحسب.. ثم إذا كانت إيران بإرسالها مستشارين وبطلب سوري وعراقي إلى هذين البلدين.. تعتبرونه احتلال مدان وهو خطر على الامة العربية، حسب وصفكم.. فلماذا يصاب هؤلاء المدعون بالخرس من دخول تركيا إلى العراق وأحداث معسكر مدجج بالسلاح في بعشيقة وهي ناحية عربية سنية؟

والأهم من كل ذلك هل حزب الله والحوثيون من الشيشان أم هم عرب ان تمددوا فعلى أرض العروبة التي حولتها الوهابية مرتعا للكولمبي والاميركي والفرنسي والسنغالي والباكستاني وحتى الايغور وأهل تركستان؟!

إن هذا الهلع السعودي المأزوم إنما يؤكد أمرين: الأول أن الفكر الوهابي هو ركيك وضعيف وهو مبني على كذبة، ويخاف كل الخوف من الفكر الآخر، ولذلك نرى من يصرخ بأعلى صوته ها قد جاءكم الشيعة.

والثاني أن السعودية تخشى من عودة التكفيريين السعوديين من سوريا إليها، وينقلب السحر على الساحر.. إذن يجب عليها أن تختلق عدوا مفترضا يبرر لها جرائمها في سوريا والعراق واليمن على وجه التحديد.. وهذا هو جل التخبطات للسياسة السعودية خاصة وأن رفع الحظر على إيران غير موازين المنطقة لصالح المقاومة.

 بقلم: رائد دباب