الانتخابات الايرانية.. وأهمية البديل الديمقراطي للاستبداد والارهاب

الانتخابات الايرانية.. وأهمية البديل الديمقراطي للاستبداد والارهاب
الإثنين ٢٢ فبراير ٢٠١٦ - ٠٥:١٤ بتوقيت غرينتش

تختلف أهمية الانتخابات في ايران عن غيرها من بلدان العالم، هنا المسألة تتجاوز الاعداد والنسب.. تتعلق بنموذج جديد في الحكم، لابد ان يرسخ بمفاهيم التنافس الحرّ والتداول السلمي للسلطة ومسؤولية المعارضة والمصالح العامة وحدود الاختلاف، وبمظاهر الجمهورية.

وتختلف الانتخابات الايرانية لاختلاف جوهر ومضمون النظام عن النماذج الاخرى، حتى تلك التي تنسب نفسها للاسلام.. فهو التجربة الدينية الوحيدة غير التابعة فكريا لمقولتي التحجر الوهابي والتحرر او الانفلات الليبرالي.. بالعكس انتاج اسلامي خالص من عمق الحاضرة الدينية المتصلة بأهل البيت (عليهم السلام).. والّا هناك ديمقراطيات علمانية في جوارنا ترفع شعار الاسلام، مثل باكستان وتركيا (العرب لا يزالون خارج منظومة الديمقراطية والمشاركة السياسية)...

وأهمية هذه الدورة الانتخابية بالتحديد (العاشرة بالنسبة لمجلس الشورى الاسلامي ـ البرلمان ـ والخامسة بالنسبة لمجلس خبراء القيادة) تنبع من الأسباب التالية:

أولاً: الجمهورية الاسلامية الايرانية دخلت مرحلة جديدة من تاريخها يمكن ان نسميها مرحلة ما بعد الاتفاق النووي، والذي يحتم عليها مراجعة سريعة وعميقة للاستراتيجيات والمبادئ (دكترين) التي لا بُدّ من اتخاذها في هذه المرحلة التي تتميزّ بأنها ترفع غصن الزيتون بيد في مواجهة القوى التي تسعى للتواصل والتعامل، والبندقية باليد الاخرى في مواجهة القوى الارهابية ومن يدعمها.. خاصة وان العدو (الشيطان الاكبر وحلفائه) لن يتركوا الجمهورية الاسلامية على حالها، بل سيعمدون الى إيذائها بالسبل الناعمة الأكثر تعقيدا وخبثاً، بعد ان فشلوا في النيل منها بالطرق الصلدة وفي المواجهة المباشرة...
واعتقد ان هذه المراجعة، لا بُدّ ان تتم على صعيديّ السياسة الداخلية والخارجية للترابط العضوي بينهما.. لذلك ورغم ان الجمهورية الاسلامية دولة مؤسسات وقراراتها ليست مرتجلة وعلى غرار "الحزم السلماني" كما يصور الاعلام السعودي، والمكرمات الملكية والاميرية المفاجئة، فأن هذه المراجعة والتي اعتقد ان الايرانيين قد بدأوا بها وهم يتفاوضون على النووي مع اميركا ومن ثم 5+1، ووضعوا وفق مخرجاتها سيناريوهات متعددة، تحتاج الى قوى وشخصيات أمينة وكفوءة، أو بتعبير القرآن الكريم (القوي الأمين) حتى لو كان الجميع تحت مظلة النظام وقد صادق مجلس صيانة الدستور المعروف بشدة بأسه، على أهليتهم!

وتظهر أهمية هذه الانتخابات أكثر، لان قرارات من سيأتون خلالها تؤسس لمرحلة وانعطافة على صعيد الاقتصاد والتنمية والسياسات التي يمكن ان تجعل من ايران قوة اقتصادية وعلمية على مستوى أبعد من الاقليم والمنطقة.. قوة يمكن ان تشارك العالم في قراراته، من خلال ربط المصالح مع بعضها وجلب الاستثمارات والقفزة التكنولوجية والمشاركة في الاسواق وفتح الجديد منها.. وسياسيا بطرح "عالم خال من التطرف والارهاب" واعتماد الدبلوماسية والسلمية حلاّ لمشاكل المنطقة والعالم والسعي لتصفير الأزمات..

ثاثياً: ان اقامة انتخابات متوازنة ودون اختراقات امنية ومشاكل سياسية، يعدّ بحدّ ذاته انجازاً ومكسباً للجمهورية الاسلامية، في ظل محيط وبيئة اقليمية ينعدم فيها الأمن وتغيب عنها الديمقراطية.. وهذه أغلب البلدان المحيطة بايران تعاني من الدكتاتورية والاستبداد المتخلف، كما هو على أشده في السعودية الوهابية والبحرين او الارهاب وتحدياته الامنية والسياسية، مثل افغانستان وباكستان والعراق وتركيا...

لذلك فان استمرارية الحياة الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة الذي تعبر عنه الانتخابات والمشاركة الجماهيرية، يبعث برسالة بليغة الى المنطقة والعالم عن أهمية ايران وصوابية سياساتها وما يمكن ان يقدمه الاسلام الاصيل للمنطقة والعالم، من سلم واستقرار وحوار وتعايش، على خلاف القوى الاستعمارية الغربية ومحمياتها المتخلفة في المنطقة، التي نشرت الفوضى والارهاب ودمرت بلدانا بكاملها ومجتمعات بأسرها..

ثالثاً: ربما كل ما تحدثنا به أو معظمه يطال الانتخابات التشريعية ومجلس الشورى الاسلامي (البرلمان) في ايران والذي يعبرّ عنه ويوصف بـ "بيت الشعب"، وهو في الحقيقة الموقع الدستوري الثالث من حيث الأهمية في النظام بعد القائد ورئيس الجمهورية.. بل ان مبدأ فصل السلطات جعل له ولاية حتى على الرئيس من خلال ادوات دستورية واضحة في صرامتها.. لكن هناك انتخابات الدورة الخامسة لمجلس خبراء القيادة الذي يتولي مهمتين اساسيتين:
1. اختيار قائد الجمهورية الاسلامية او مجلس (شورى) القيادة.
2. مراقبة اداء القائد وقدرته على ادارة النظام والقيام بمهامه الدستورية.

ومن هنا اعتقد ان هذه الدورة من مجلس خبراء القيادة (وكل دورة لمجلس خبراء القيادة تمتد لـ 8 سنوات) او هكذا يتصور المتنافسون عليها، مهمة للغاية، مع وجود بعض القوى التي تحاول إضعاف القرار القيادي بذرائع وحجج دستورية!
ومثل هذه الرؤي والافكار لابد من مواجهتها بالطرق الدستورية وبما يقطع الطريق على المتربصين بالنظام والقيادة على وجه التحديد..

وفي هذا الصدد، من المؤسف ان تمر هذه التجربة الديمقراطية الاسلامية من امام الشعوب الاسلامية مرور الكرام، فيما تطبل بعض الانظمة وتقيم الدنيا ولا تقعدها، لمجرد انتخابات بلدية – لا يقدم فيها المنتخبون خيرا ولا شرا، لان كل وجودهم وحياتهم هو من "المكرمات" الملكية والأميرية، بل ان مجالسهم اما نصفها معين او كلها ومع ذلك لا يحق لها التشريع، وان مهمتها استشارية فقط، بمعني التصفيق لقرارات الحاكم المستبد.. ان سمح المطاوعة الوهابيون لهم ان يصفقوا..!!

وهذا التعتيم الاعلامي سببه الخوف من النموذج الاسلامي الذي قدمته الثورة الاسلامية، والذي يعتبره "المُخَلَفون من الاعراب" عملية تصدير للثورة، وتهديدا وتدخلا في شؤونهم الداخلية.. جاهلين ان الفراغ الذي اوجدته أنظمتهم المستبدة والدكتاتورية والورقية التي أوجدها الاستعمار البريطاني لتفتيت المنطقة وتقسيمها، لابد ان تملأ.. إما بالارهاب الوهابي الداعشي ونموذج خلافته المزيفة او بالنموذج الديمقراطي المتحضر والاسلامي الاصيل... والقرار للشعوب المسلمة!

بقلم: علاء الرضائي

114-1