التيارات السياسية المتنافسة في الانتخابات الايرانية.. من سيفوز؟!

التيارات السياسية المتنافسة في الانتخابات الايرانية.. من سيفوز؟!
الثلاثاء ٢٣ فبراير ٢٠١٦ - ٠٥:٥٠ بتوقيت غرينتش

بداية سأجيب بأختصار عن السؤال الذي طرحته حول من سيفوز في الانتخابات التشريعية العاشرة في ايران؟.. والجواب هو: ان الفائز في جميع الاحوال نظام الجمهورية الاسلامية، الذي استطاع ان يقدم نموذجا ديمقراطيا في الحكم وتداول السلطة.. بينما اسلام الاغلبية المسلمة (الرسمي السلطوي) ومنذ آخر انتخابات جماهيرية جرت سنة 36 هـ قاطع الديمقراطية وكفّرها.. لان الديمقراطية حينها جاءت بالامام علي (عليه السلام) الى سدّة الخلافة!.

أما التيارات والتنظيمات والاتجاهات السياسية المشاركة والتي تتنافس في هذه الانتخابات، وهي الانتخابات التشريعية العاشرة والخامسة لمجلس خبراء القيادة، فهي وحسب التقسيم العام والمتعارف للساحة السياسية الايرانية متوزع بين أكثر من قوة، رغم هيمنة المبدئيين (اليمين او المحافظين) والاصلاحيين (اليسار).. وما يجري الحديث عنه من خط ثالث وتيار يمكن ان يكتسح الشارع الايراني وهو "التيار" المعتدل، فاعتقد انه لا يرقى الى ان نسميه تيارا جماهيريا، كما هو الحال بالنسبة للمبدئيين والاصلاحيين، هو تيار نخبوي براغماتي يعبر عن نوع من التفاهم بين التيارين الاساسيين وعندما "يتعذر" عليهما الحكم.. وهذا ما تشير اليه تجربة صعود "المعتدلين" في فترتي (1989 ـ 1996) و(2014 ـ الى الآن)، ففي الأولى كان صعود الشيخ هاشمي رفسنجاني وفوزه في الانتخابات الرئاسية التي تلت نهاية الحرب المفروضة (1980 ـ 1988) ورحيل الامام الخميني (رض) وتعديل الدستور والتحول من نظام برلماني الى نظام رئاسي.. كان صعوده من عمق التيار المحافظ (اليمين) وعلى اكتافهم وتحت شعاراتهم المتمثلة بالليبرالية الاقتصادية والحريات السياسية والاجتماعية والانفتاح في السياسة الخارجية.. في مقابل التشدد الذي كان عليه اليسار آنذاك (الاصلاح فيما بعد)... وبعد حكومة الاعمار سرعان ما خبى صوت هذا الاتجاه رغم ان العديد من كوادرها تحولت الى حكومة الاصلاحيين مع كل العداء الذي كان قائما بين حكومة الشيخ رفسنجاني والاصلاحيين..
الاتجاه "المعتدل" او "الوسطي" كما يسمي نفسه، لا يمثل تيارا جماهيريا ولا هو يدعي ذلك، بل هو تعبير عن رؤية نخبوية، اليغاريشية وبتعبير ألطف "حكومة تكنوقراطية".. نفس الامر حدث مع الرئيس حسن روحاني، وهو قادم من اليمين أيضا، الذي لم يكن ليفوز في الرئاسة لولا تحالفه مع التيار الاصلاحي ولولا تشتت اليمين (المبدئيون) وطرحهم لستة مرشحين في مقابل روحاني وعارف (من الاصلاحيين والذي انسحب لصالح الرئيس روحاني)!
أعتقد ان الساحة السياسية في ايران تتقاسمها خمسة اتجاهات متباينة في قواعدها الاجتماعية ومناطق انتشارها ونفوذ خطابها.. وجميعها موجود في العملية الانتخابية الحالية بنسب متباينة.. لكنها جميعا موجودة من خلال التنظيمات والاشخاص والافكار احيانا.. وهذه الاتجاهات الخمسة، هي:
1. اليمين التقليدي (المبدئيون التقليديون) والذين تقف رابطة علماء الدين المناضلين (روحانيت) وحزب المؤتلفة الاسلامي ورابطة الجامعيين المسلمين ورابطة المهندسين في مقدمة التنظيمات التي تمثل هذا الاتجاه.. والمدعومين من كبار التجار التقليديين ورابطة مدرسي واساتذة الحوزة العلمية في قم المقدسة..
2. اليمين الجديد (المبدئيون الثوريون) وهؤلاء يمثلون القوى الشابة في اليمين، رغم ان مرجعية الاتجاهين واحدة، الا انهم يميلون الى القراءة الثورية لليمين، حتى انهم يقتربون في بعض شعاراتهم وأهدافهم من اليسار التقليدي، خاصة فيما يتعلق بالاقتصاد والسياسة الخارجية والتي عنوانها التشدد.. ورغم تبنيهم لسياسة الخصخصة الاّ انهم يميلون الى الاقتصاد التعاوني شبه الحكومي ـ عمليا ـ وقد ظهر ذلك في حكومة الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد وفي المشاريع التي ميّزت سنوات ولايتيه الثماني.. تنظيميا تقف جبهة الثبات (بايداري) في مقدمة هذا الاتجاه، وايضا جمعية الاعماريين (آبادگران) والتعبئة الطلابية وجمعية المضحيين للثورة الاسلامية و...
واذا كان لليمين التقليدي حواضنه وقواعده التي لا تحيد عنه بسبب الارتباط العقائدي والتقليدي، فان اليمين الثوري له تيار جماهيري واسع خاصة من الشباب والشرائح المحدودة الدخل، ويشكل رقما في المعادلة السياسية الايرانية...
3. اليسار التقليدي أو الاصلاحيون التقليديون، وهؤلاء يمثلون خليطا من الافكار اليسارية على صعيد الاقتصاد، والليبرالية على صعيد السياسة والفكر، والثورية والتشدد فيما يتعلق بالسياسة الخارجية.. وحسب اعتقادي انه أقل انسجاماً من حيث الفكر مقارنة باليمين التقليدي..
وفي مقدمة التنظيمات الفاعلة في هذا الاتجاه: مجمع علماء الدين المناضلين (روحانيون) الذي انشق في ثمانينيات القرن الماضي عن رابطة علماء الدين المناضلين (روحانيت)، ومنظمة مجاهدو الثورة الاسلامية (المحظورة حاليا) وهي منشقة بالاساس عن منظمة مجاهدي خلق (جماعة رجوي) في مطلع سبعينيات القرن العشرين وعندما بدأت جماعة رجوي بتبني الفكر الماركسي كأساس في التثقيف التنظيمي، وبدأوا يتحدثون عن الاسلام الاشتراكي الذي يعد الدكتور علي شريعتي أحد ابرز منظريه.. وايضا من تنظيماتهم حزب العمل وحزب التضامن...
واعتقد ان هذا التيار فقد الكثير من قاعدته لصالح التيار الرابع، اي الاصلاحيون الليبراليون...
تبقى مسألة في غاية الأهمية، وهي ان اغلب اسرة الامام الخميني (رض) تؤيد اليسار التقليدي وهو ما يمنحه قوة عاطفية كبيرة في الشارع الايراني تتجاوز الرؤية الحزبية والتصنيف السياسي..
4. اليسار الجديد او الاصلاح الليبرالي.. وهذا الاتجاه اشتدّ خلال حكومة الرئيس الاسبق محمد خاتمي ودخلت اليه افكار لا تنتمي الى مدرسة اليسار الديني التي عرفها الايرانيون بعد انتصار الثورة الاسلامية..
اشتدّت عملية التغريب في هذا التيار تحت شعارات مثل "جمهورية النظام" و"التعددية الفكرية والسياسية" و"ايران أولاً"... وفي مقدمة التنظيمات التي تمثل هذا الاتجاه: حزب جبهة المشاركة ومكتب تحكيم الوحدة (المحظورين)...
ومما ساعد هذا الاتجاه بخلق تیار جماهیري، هو حالة الانفتاح القائمة في المجتمع الایراني والازدهار والاعمار الذي شهدته ایران بعد نهایة الحرب مع العراق.. وایضا التشدد والانغلاق والاخطاء التي سجلت بحق التقلیدیین، رغم ان جلّ من قام بها هم من اليسار التقلیدي لا الیمیین!
لقد استطاع الیسار الجدید او الاصلاحیون اللیبرالیون مواكبة الثورة العالمیة في مجال التكنولوجیا والاتصال والمعلوماتیة، ودرسوا التغييرات الاجتماعية التي حدثت في ايران خلال حكومة الاعمار، فحولوها الی تیار سیاسي داخل ایران.. بینما وظفها المبدأیون الجدد لتقویة النظام وطرحه عالمیا ولم یحسنوا استغلالها لاغراض حزبیة واتجاهات فكریة.. وبهذا تقدم الاصلاحیون علی المبدأیین في البروباغندا الداخلية...
القضیة الاخری التي احب اثارتها فیما یتعلق بالاصلاحیین اللیبرالیین، هي ان الافكار القومیة والوطنیة تشكل مساحة واسعة من اتجاهاتهم الفكریة والسیاسیة وهذا ما یجعلهم قریبین من القوی المعروفة بالوطنیة الدینیة وفي مقدمتها نهضة الحریة وبقایاها.. ویجب ان نعرف ان الافكار القومیة وحبّ الوطن والافتخار بالتراث والحضارة یشكل جزءا اساسیا من الشخصیة الایرانیة...
الاتجاه البراغماتي او من یسمون انفسهم بتیار "الاعتدال" او "الوسطية".. وهؤلاء برأیي مجرد تیار نخبويّ لم یكن يوما تیارا جماهیریا، لانه یفتقد لاحزاب دائمة وقاعدة اجتماعیة.. هو تیار حكومي نخبويّ بالدرجة الأولی، موسمي لا یطفوا علی السطح الاّ في مواقع معینة، لكنه في الوقت ذاته یمتلك قاعدة نخبویة كبیرة، من مدراء واكادمیین وسیاسیین مخضرمین وجدد.. ورغم ان حزب كوادر البناء (كارگزاران سازندگي) وحزب الاعتدال والتنمیة وبنحو ما جبهة الصمود (ایستادكي) وغیرها من التنظیمات التي تعتبر نفسها وسطیة سواء كانت جذورها في الیمین او الیسار تمثل الاطار الحزبي لهذا التيار.. الاّ ان الاتجاه الحكومي الیوم والذي یمثله الرئیس حسن روحاني والمدعوم من رئیس مجمع تشخیص المصلحة الشیخ رفسنجاني هو من یمثل ویقود هذا الاتجاه علی ارض الواقع...
اغلب التقاریر تشیر الی ان هذا التیار المتحالف مع اجزاء منتقدة في الیمین التقلیدي وأبرزها رئیس مجلس شوری الحالي السید علي لاریجاني والدكتور كاظم جلالي ومحمد رضا باهنر وعلاء الدین بروجردي وعلي مطهري ومع الاصلاح التقلیدي، هو من سیكتسح الساحة.. علی حساب الیمین الثوري والاصلاح اللیبرالي، الذي قام مجلس صیانة الدستور بتقلیم اظافره من خلال عدم مصادقته علی اهلیة الكثیر من مرشحیه...
وفي النهایة، لا بدّ ان نأخذ هذه الحقیقة بنظر الاعتبار، وهي ان التحالفات التي تسبق الانتخابات شئ والتي تقوم عملیا بعدها شئ آخر.. وان قرارات البرلمان الاساسیة في ایران لا تخضع لرؤیة الكتلة التي ینتمي الیها النائب.. فهذا برنامج العمل الوطني الخاص بمتابعة الملف النووي حاز علی موافقة البرلمان الذي یسیطر علیه المبدئیون بالمطلق.. وقانون المیزانیة یدرس دون ایة ملاحظات حزبیة وهكذا السیاسة الخارجیة والأمنیة...

بقلم: علاء الرضائي

112-4