كباش السعودية في لبنان ..... فعلُ استياء

كباش السعودية في لبنان ..... فعلُ استياء
الأربعاء ٢٤ فبراير ٢٠١٦ - ٠٧:٢٢ بتوقيت غرينتش

لا تبدو الساحة السياسية في لبنان في فوضى وكباش سياسي كما هي هذه الايام، فمنذ مدة غير قصيرة يعيش لبنان تحت وطأة أزمات داخلية شغلت اللبنانين حد أنوفهم التي عبقت بكل أنواع النفايات السياسية والطبيعية. الحراك بطبيعته الإقليمية، فرضه التهويل السعودي المتمثل بوقف الهبة المالية لتسليح الجيش والقوى الامنية، والتلويح بقرارات أخرى تصل حد مراجعة السعودية لأطر علاقتها مع لبنان.

ما أن خرجت سطور القرار السعودي من إطار المملكة، حتى تحول الداخل اللبناني الى خلية نحل تعبق بكل الجدل الذي عهده لبنان منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري في العام 2003 . فالفرز الذي فرضه الإغتيال على الساحة اللبنانية ومعه الحرب على سوريا حول قضايا  لبنان المختلفة، ادى  الى ما يسمى ب " قميص عثمان"، حيث تقسم الآراء بين فريقين لا ثالث لهما هما 8 و14 أذار.

حمل الإعلان السعودي الذي أتى على خلفية المواقف التي اتخذها لبنان عبر وزارة الخارجية في شأن الاعتداء على الممثليات السعودية في إيران والذي رأت الرياض أنها" لا تنسجم مع العلاقات الأخوية بين البلدين"، إستعادة لمبادئ الفوضى السياسية التي يرزح تحتها السياسيون في لبنان. فالانقسام حد العمق بانّ بشكل واضح بين من إعتبر الموقف أزمة خطيرة على الجميع مواجهتها بسياسة رد الجميل للمملكة، على إعتبار أنها براي هؤلاء وقفت الى جانب لبنان في ازمات كثيرة، وبين من رأى أن الامر ناتج عن سياسة الضغط التي تمارسها الرياض على لبنان المقاوم في ظل خيبات المعارك على الارض السورية، وهو يتلازم برأي هذا الفريق مع أزمة مالية تعانيها السعودية، حيث إرتات أن تتخلص بموقفها المعلن من التزام وضعته على نفسها منذ سنوات ولم تحققه للساعة.

  لم تتفق الأطراف السياسة وحال فرقتها هذه، على سياسة مواجهة واضحة. فمجلس الوزراء اللبناني الذي يجمع كل  الوان الطيف السياسي، إستطاع بشق الانفس أن يخرج بعد مداولات إستمرت ساعات ست ببيان " الممكن"، حيث حفظت سطوره " المصلحة الوطنية العليا "من جهة " والحساسيات العربية "من جهة أخرى.

لم يبدو ذلك كافياً لرأب صدع تباينات الخلاف الواقع، فالاطراف لم تكتف ببيان" وزاري" بدا بالنسبة لقوى 14 أذار أقل المطلوب، بما أنها لم تستطع تضمينه أكثر مما ورد فيه نتيجة اعتراض وزراء " حزب الله وحركة امل". لذلك استنفرت دفاعاتها إبتداء من رئيس حزب القوات اللبنانية " سمير جعجع" الذي وصف البيان " بالشعار" وبحجٍ الى السفارة السعودية في بيروت، قدمت خلاله اطراف هذا الفريق ما يشبه اوراق اعتمادها الى السعودية، مشفوعة بالتوقيع على ما سمي بوثيقة موجهة الى الملك السعودي تطالبه العودة عن قراره، على امل ان تلقى هذه الخطوات ترحيباً من المملكة. اما على الخط الآخر فقد بقي وزير الخارجية "جبران باسيل" ممسكاً بخيط الدفاع عن المواقف الصادرة عن الخارجية  واصفاً إياها بانها" لم تحد عن الخط البياني المرسوم في البيان الوزاري، لكن المشكلة أن هناك من يطالب لبنان بأكثر من ذلك"، معتبراً أن " الصرخة السياسية المفتعلة التي تلت الموقف السعودي بوقف الهبة للبنان، هدفها رخيص وداخلي".

على وقع التباين الحاد في الداخل، عادت الساحة اللبنانية إلى واجهة حلبة الصراع الاقليمي،  مع استمرار خطوات المملكة العقابية،  منها منع سفر السعوديين الى لبنان، وتخفيض التمثيل الدبلوماسي، واقفال أحد مصارفها الأساسية في بيروت. 

هزت هذه الاجراءات بلا شك عامل الاستقرار لكثير من اللبنانيين  القاطنين  في السعودية أو  غيرها من دول الخليج الفارسي، كما أثرت أو ستؤثر وإن بشكل محدود على الإقتصاد اللبناني الداخلي من باب سحب بعض الودائع الموجوده في المصارف اللبنانية، لكنها لن تفعل اكثر من ذلك في إستقرار لبنان الهش.

فالعارف بمفاتيح اللعبة السياسية الدولية، يدرك أن لبنان محكوم بخطوط حمراء، هي نفسها  من اطلق قبل عامين حكومة "تمام سلام"  بهدف ربط النزاع بين قوى 14 و8 اذار. صحيح أن المملكة العربية السعودية شعرت منذ مدة أن لبنان "السني" الذي يشكل حاضنة لها في بيروت قد ضعفت أوراقه، لدرجة أن الكتلة السنية الأكبر التي تمسك بكل الطيف المؤلف لقوى 14 آذار بغير قادرة على أن تحقق أي شي في المعادلة الداخلية بدون موافقة حزب الله، وقد برز ذلك جلياً في ملف الانتخابات الرئاسية. الامر الذي  شكل لها عامل استياء كبير. الا ان المشهد السياسي لا يمكن ان يتعدى الصورة الحالية الى اكثر من إجراءات عقابيةاكثر ما ستنال من المواطن اللبناني، وليس السياسي المدرك لإتجاهات الأمور على الارض. ولعل في كلام رئيس مجلس النواب " نبيه بري" أكبر دليل بقوله " إن الحكومة اللبنانية باقية".

فاطمة عواضة- بيروت

213