لمن سيصوت الايرانيون غداً؟!

لمن سيصوت الايرانيون غداً؟!
الخميس ٢٥ فبراير ٢٠١٦ - ٠٢:١١ بتوقيت غرينتش

لم يبق على بدء عملية التصويت في انتخابات الدورة العاشرة لمجلس الشورى الاسلامي (البرلمان) والدورة الخامسة لمجلس خبراء القيادة، سوى سويعات.. فايران الآن في حالة صمت انتخابي والذي مدته 24 ساعة قبل عملية الاقتراع.

لكن السؤال الطبيعي الذي يتبادر الى ذهن اي متابع للانتخابات والذي غالبا ما يسأل عنه المحللون والمراقبون.. لمن سيصوت الشارع الايراني وما هي أولوياته التي يختار على أساسها؟

وللاجابة على هذا السؤال.. ينطلق كثيرون من الاقتصاد والمعيشة كعامل اساس في قرار الشارع الايراني والذي واجه حصارا اقتصاديا بعيد انتصار ثورته في 11 فبراير 1979، فالحصار بدأ مع الثورة الثانية (بتعبير الامام الخميني "رض") عندما احتل الطلبة وكر التجسس السفارة الاميركية في طهران بتاريخ 4 نوفمبر 1979، واعلنوا المواجهة مع كل المؤامرات التي كانت اميركا تديرها ضد الثورة، لكنه أشتد مع العقوبات الذكية التي فرضها الغرب على وقع النووي الايراني.. 

نعم قد يكون الاقتصاد عاملا اساسيا في التصويت بالنسبة للكثيرين، لكنه ليس الوحيد بالتأكيد، بل قد تذهب شريحة كبيرة من الناس (من اليمين واليسار والمبدئيون والاصلاحيون) الى انه عرض على جوهر القضية السياسية والثقافية والسياسة الخارجية وطريقة ادارة البلد، خاصة وان الكثير من الايرانيين يعتقدون بامكانية ادارة مواردهم بشكل افضل دون الحاجة للخارج، هي فكرة قائمة حتى لو كانت يوتوبية احيانا..

وقبل ان نخوض في الهمّ الايراني والذي سيحسم الوصول الى قاعة "بهارستان" نسبة الى منطقة بهارستان (من الاحياء القديمة وسط طهران) التي يقع فيها مبنى البرلمان.. سوف أعدد القضايا التي يمكن رصدها في الشارع الايراني والتي تشكل همّاً بالنسبة للناخب (ملاحظة: التسلسل لا يعبر عن الاهمية):

1. الاقتصاد.
2. الثقافة والقيم الاسلامية والتقليدية والالتزام.
3. السياسة الخارجية.
4. الحريات السياسية.
5. الحريات الاجتماعية.
6. المرأة وحقوقها ودورها.
7. البيئة.
8. الاعتبارات المحلية والقومية والعشائرية.

وحسب اعتقادي فأن الاقتصاد ورغم جميع الحديث الذي يجري حوله وما يعانيه الناس بسببه والسخط الذي تسمعه في الشارع جرّاءه، ليس الهّم الايراني الأول، بل هو بالاساس هم النخب الحاكمة التي تفكر بثراء الدولة كمؤسسة اقتصادية بحدّ ذاتها والتي لاتزال تبحث عن صيغة للخروج من حالة الركود والتضخم التي لم تقض عليها لا الحكومات المبدئية ولا الاصلاحية ولا المعتدلة، والتي مع وجودها استطاع الايراني بقدرته التاريخية على "ادارة المعاش" ان يتأقلم معها ويبني نفسه ووطنه مع وجودها.. لذلك فالناخب يبحث عن أشياء أخرى.. لكن ما هي الامور التي يريدها:
اعتقد ان الحريات السياسية والسياسة الخارجية وسجال الثقافة مع القيم التقليدية هي اللاعب الاساس في الساحة الانتخابية اليوم.. وتأتي بعد ذلك القضايا الاخرى.. والقيادة اكدت على مجلس شورى مقاوم للمشروع الاميركي مع تزايد الحديث عن الارهاب التكفيري في المنطقة والحرب الناعمة في الداخل.

فالاصلاحيون لايزال الكثير منهم يُعنوّنون مسألة التنافس والمقابلة بين اسلامية النظام وجمهوريته، بينما هناك بعض المبدئيين لا يؤمنون اساسا بمقولة الجمهورية ويعتبرونها لا تتفق مع اسلامية النظام.. والخلاف على السياسة الخارجية واتجاهاتها ايضا قائم بين التيارات المتنافسة، فبينما يدعو المبدئيون الى الاولوية في العلاقات مع العالم الاسلامي والاتجاه نحو الشرق (روسيا والصين)، يرى كثير من الاصلاحيين تجاوز العالم الاسلامي وبخاصة العربي ومشاكله والاتجاه نحو اوروبا والغرب بشكل عام..

وفيما يطرح المبدئيون شعار "الاسلام" والصراع مع التكفير والهيمنة الاميركية أولاً.. يرى الاصلاحيون من خلال شعار ومبدأ "ايران أولاً" تجاوز الخلافات مع قوى الهيمنة والتصالح معها حول صيغة معينة على مناطق الصراع بما يجنب المنطقة أهوال الحرب ويؤمن مصالح جميع القوى فيها..

ويطرح المبدئيون مسألة الالتزام بالقيم والاخلاق الاسلامية والاجتماعية فيما يتعلق بالاختلاط والثقافة والسينما والموسيقى، وقضية "الامن الاجتماعي"، في مقابل الاصلاحيين الذين يؤكدون على الانفتاح الاجتماعي والتساهل والتسامح القيمي والاخلاقي...

وبعيدا عن مراكز المدن الكبرى، تدخل اعتبارات محلية في عملية الانتخاب واختيار النواب، كالتحالفات العشائرية والمناطقية والانتماءات القومية.. طبعا الى جانب الانتماء السياسي والحزبي الذي له الصوت الأعلى في ايران.

ومع التداخل القائم بين التيارات السياسية والقوائم المشتركة التي جمعت المعتدلين والاصلاحيين مع بعض المبدئين التقليديين، اصبح المبدئيون الثوريون والاصلاحيون الليبراليون (المتشددون) في زاوية حرجة وظهر، كما ظهر عدم تماسك التيار المبدئي العام وذلك كله سيصب لصالح تيار الحكومة (الاعتدال والاصلاح)، رغم ان المبدئيين التقليديين يراهنون على قواعدهم التقليدية وعلى استراتيجية تقليل نسبة المشاركة الجماهيرية لقواعد منافسيهم!.. فيما الثوريون يراهنون على تيارهم الشبابي المتقدّ واجواء الشحن والتعبئة الدينية التي تتزامن مع ذكرى استشهاد سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) وما يمكن ان يلعبه المنبر ورجال الدين من دور في حشد القوى الموالية لهم..

اعتقد وكما قلت في مقال سابق ان النظام الاسلامي سيكون هو الفائز في كل الاحوال، لان جميع تلك التيارات تجتمع على العمل من اجل مصلحة بلدها وشعبها وهناك خطوط حمر لا يمكن لاي اتجاه تجاوزها، والدولة تقوم على المؤسسات لا السلوك الارتجالي.. وان التنافس يجري حول منطقة الفراغ وآليات تفعيل وتطبيق القانون..

يبقى ان اشير الى انتخابات مجلس خبراء القيادة، وهنا التنافس يجري سياسيا بالكامل، بل يمتد الى اكثر من ذلك ويطال كيفية قراءة الدستور وتفسير العديد من مواده واداء المؤسسات الدستورية المفصلية في النظام.. لذلك لا الهم الاقتصادي ولا الثقافي ولا البيئي مطروح في انتخابات الخبراء، بل هو تنافس بين قرائتين، مبدئية وأخرى اصلاحية، كما يرى الطرفان انفسهم...

بقلم: علاء الرضائي