الانتخابات النووية..المعتدلون يكتسحون والمبدئيون هُم الأغلبية!

الانتخابات النووية..المعتدلون يكتسحون والمبدئيون هُم الأغلبية!
الأحد ٢٨ فبراير ٢٠١٦ - ١١:٤٠ بتوقيت غرينتش

لن اكون مبالغا اذا قلت ان الانتخابات الايرانية، التشريعية والقيادية التي جرت أمس الاول، كانت نووية بكل المعايير ومن زوايا مختلفة.. زلزال هزّ المنطقة وستكون له تأثيرات كبيرة في داخل ايران وخارجها، برعت القيادة الايرانية في ادارته، وكانت هي والشعب الايراني الواعي أكبر المستفيدين منه.

وقبل ان أخوض في الحدث أبين "المفارقة" التي طرحتها في العنوان وهي ان فوز قائمة المعتدلين والاصلاحيين في طهران كان واضحا في انتخابات البرلمان ومجلس خبراء القيادة، لكن ايران لا تتلخص في طهران.. فهناك نحو 46 مليون ممن يحق له التصويت خارج حدود العاصمة، وهو ما جعل النسبة تميل لصالح المبدئيين في النهاية.

هذه الانتخابات نووية لاكثر من سبب.. فقد جاءت على وقع حلّ الملف النووي والغاء العقوبات الدولية على ايران ورفع الحظر عنها وعودة مياه العلاقات الايرانية ـ الغربية الى مجاريها (اقتصاديا على الاقل) وهي هدف الدبلوماسية الايرانية.. مما اعطى زخما كبيرا للتيار المعتدل والاصلاحي الذي يمثله رئيس مجمع تشخيص المصلحة الشيخ هاشمي رفسنجاني ورئيس الجمهورية حسن روحاني، في العودة بقوة الى مواقع السلطة بعد هزيمته النفسية والسياسية سنة 2009.. المعتدلون اليوم يعودون وان كانوا غير غائبين قبل ذلك من المشهد تماما.. علما ان الاغلبية لا تزال للمبدئيين سواء في مجلس الشورى الاسلامي (البرلمان) أو في مجلس خبراء القيادة...

هنا لابد من الوقوف على حقيقة قد يجهلها كثيرون عن ايران، وهي ان طبيعة وتركيبة الدين والسياسة والاقتصاد والثقافة في ايران تعددية لا تقبل الرأي والاتجاه الواحد.. وان حكمت تلك المجالات سلطة واحدة.
بعبارة اخرى في ايران لا تعمل السلطة (بشتى انواعها الدينية والسياسية والثقافية و...) على اجتثاث معارضتها وسحقها تماما، بل دائما تترك لها وجودا وتاثيرا فتمنعها من ساحة وتفتح يديها في أخرى... وهذه قضية تاريخية لا تتعلق بنظام الجمهورية الاسلامية، بل تنبع من طبيعة الشخصية الايرانية والمجتمع الايراني ونمط العلاقة بين مكوناته، وللاسف هذه لا يستطيع الكثيرون رؤيتها خاصة اولئك الذين ينظرون من منطلقاتهم ويسقطون واقعهم وقناعاتهم على الآخرين...

وهنا ترتبك الصورة لدى الاغبياء وتزداد الضبابية بفعل الانتشار والسحب النووية المتصاعدة من الانفجارات النووية الايرانية المتلاحقة.. تهتز المقاعد وترتجف الاقلام وينفر البعير بعيدا عن "رأس" الخيمة.. فالاعلام الخليجي المتخلف والذي يعتمد بالاساس على المرتزقة الفارين من شظف العيش والباحثين عن لقمة خبز في رمال الربع الخالي وعن جرعة نفط بدوية، يهدد بقطعها الاعرابي كل يوم.. كان يتحدث ليل نهار عن "ديكتاتورية" ولاية الفقيه واحادية الفكر والسياسة في ايران، متناسيا واقع أنظمته التي تعود الى حقبة ما قبل التاريخ والكتابة المسمارية.. مرتزقة هذا الاعلام كان يلزمهم نحو 34 مليون "خازوق نووي" بعدد المشاركين في التصويت يوم الجمعة، لكي يصحيّهم من غفلتهم وجهلهم ويعيد اليهم شيئا من الوعي الازلي المفقود لديهم.. 34 مليون، اي اكثر باضعاف المرات من مجموع سكان مدن الملح وممالك الرمال...

لقد اثبتت الانتخابات النووية قوة الديمقراطية وسيادة الشعب الدينية في الجمهورية الاسلامية وصلابة نظام ولاية الفقيه، نعم نظام ولاية الفقيه الذي يدير عملية تداول السلطة بهذه السلاسة والشفافية، في منطقة لايزال اغلب سكانها لا يعرفون معنى التصويت ولم يجربوا الوقوف الّا على صناديق المتاجر.. قوة النظام تجلت في دعوة قائد الثورة الجميع للمشاركة والتي اعلن فيها صراحة "حتى المعارضين"..

مرتزقة النفط الذين اصابهم زلزال الانتخابات الايرانية بالخرس والذين كانوا يدعون الشعب الايراني الى مقاطعة الانتخابات، من خلال بعض الارهابيين الدوليين والمرتزقة المتلونين مع لون العملة التي تدسّ في جيوبهم.. الذين تفوح من افواههم رائحة "جيف" الدولار الاميركي والريال السعودي والدرهم الاماراتي، وبعضهم ايضا يدفع لهم بالروبية الباكستانية!.. هؤلاء المساكين كانوا يدعون الايرانيين الى مقاطعة الانتخابات، "فاستجاب" لهم الشعب الايراني بـ"نحو 62% مشاركة"، اي اكثر من نسب اغلب الانتخابات التي تجري في اوروبا واميركا والعديد من البلدان التي تعرف الانتخابات الحقيقية...!!
وهنا يتبين حجم العملاء الذين يسمون انفسهم "معارضة" من المعتاشين على صدقات وفتات المال الغربي والخليجي مقابل مهاجمة مخفر حدودي على حدود باكستان أو تصريح معاد لايران او خبر كاذب انتهى مفعوله مع نهاية الملف النووي!

والانتخابات نووية في تاثيرها على صانع القرار الايراني، سواء فيما يتعلق بالاداء والبرامج التنموية والاقتصادية الداخلية او على صعيد السياسة الخارجية.. تمنحه القوة والدفع اللازم في المضي لتطبيق وتنفيذ برامجه ومشاريعه، فهناك 34 مليون صوت يقف خلفه.
وبالتاكيد تحدد النتائج الانتخابية بوصلة الاتجاهات التنموية والسياسات الداخلية، والرئيس او النائب يأخذ بنظر الاعتبار هذه القوة الجماهيرية التي يمكنها ان ترفض مشاريعه وبرامجه وتصوّت لغيره أذا ما لم يلبي تطلعاتها، كما صوتت له الان ولغيره من قبل.. وهذه لعبة الديمقراطية.

هنا لا استطيع القول ان الانتخابات حرّكت الشارع الايراني، لانه بصراحة لم يكن هذا الشارع يوما خاملا ابدا، لا للذين في مواقع السلطة ولا للذين هم في تصنيف المعارضة، بل كانت محطة استثنائية في حراكه وموجة كبيرة بين أمواجه.. فقبل سنتين كانت ملحمة الانتخابات الرئاسية الحادية عشرة، والشعب حاضر في جميع المواقع والمواقف على الصعيدين الداخلي والخارجي، لا تنسوا مسيرات يوم القدس و22 بهمن والاحتجاجات الاخيرة على اعدام الشيخ الشهيد نمر النمر، فكلها تبين طبيعة الحراك الشعبي الايراني...

والانتخابات النووية، أسقطت ما تبقى من مشروع "ايران فوبيا" التي أسقط الكثير من اجزائها الاتفاق النووي، ومزاعم "حقوق الانسان" التي تلوك بها أكبر القوى القمعية والشريرة في العالم واذنابها، والتي تقتل الانسان وتفتك به بدعوى نشر الديمقراطية ومحاربة الارهاب الذي تشكل هي والانظمة العميلة لها مصدره ومنطلقه.. هذا الارهاب الاميركي ـ الصهيوني ـ الوهابي الذي دمرّ فلسطين وافغانستان والعراق وسوريا وليبيا واليمن ويحاول تدمير ما تبقى من قوة للعرب والمسلمين.

وستترك الانتخابات تأثيرات كبيرة على الامن القومي الايراني، في منطقة تعاني من الارهاب التكفيري ومخططات الفوضى والتجزئة التي يسعى اليها الغرب واذنابه في المنطقة، ومن يرى حجم المشاركة لمختلف شرائح ومكونات الشعب الايراني، حتى ابناء الاقليات الدينية الثلاث (الزرادشتيون والمسيحيون بشقيهم الآشوريين والأرمن، والكليميون ـ اليهود ـ) سيدرك تأثير هذه الوحدة الوطنية والانسجام في اداء النظام السياسي...

ان نسبة المشاركة المرتفعة والتي قاربت 62% الى الان من نحو 55 مليون شخص يحق لهم التصويت في ايران، تعني ان الايراني مهتم لمصيره ضمن اطار هذا النظام وانه يشارك من خلال الذين صوت لصالحهم.. ويعني انه قَبِلَ بكلّية هذه المنظومة حتى لو كان على اختلاف مع بعض قراءاتها، والاكثر انها تهمّه ويشعر بالانتماء اليها..

صور يوم الجمعة كانت فريدة في أشكالها وألوانها ومضامينها.. ولو لم أشاهدها بنفسي لتحدثت بنحو آخر.. فمهما نقل الاعلام وعدسات المصورين من صور ومشاهد، تبقى عاجزة عن ايصال عشر الحقيقة..
صور السلفي وحدها التي أخذت في الانتخابات هي بحد ذاتها تحتاج الى تحليل ودراسة ستكشف الكثير من عظمة انتخابات 26 فبراير 2016، بغض النظر عن دراسة اشكال وشخصيات الذين التقطوها..
أحتار العالم مع هذا الشعب.. لم تنفع معه الدسائس والحروب والحصار الغبي والذكي، في 26 فبراير يفجر انتخاباته النووية وفي 1 مارس سيطلق "العنقاء" في الفضاء.. قمرا اصطناعيا جديدا.. ألف مبروك للايرانيين ولأذكي السياسيين في العالم ، حسب ما قاله بالامس نعوم تشومسكي.
 

*علاء الرضائي

2-205