أنقرة تخطب ود دمشق.. الهدف كردي والثمن حلبي!

أنقرة تخطب ود دمشق.. الهدف كردي والثمن حلبي!
الأربعاء ١٣ يوليو ٢٠١٦ - ٠٥:٤٩ بتوقيت غرينتش

بات واضحاً أن الهدف الملحَّ للانعطافة الأخيرة في السياسة التركية هو تقليل التكاليف الناجمة عن الصراع في سوريا.

يأتي ذلك بعد استهانة تركيا منذ البداية بحجم الأزمة السورية، ومحاولتها القيام بدور يفوق طاقتها.

"أنا واثق من أننا سنعود إلى العلاقات الطبيعية مع سوريا. نحن في حاجة إلى ذلك، ولا بد من إرساء الاستقرار في سوريا والعراق من أجل النجاح في مكافحة الإرهاب"

قالها رئيس الوزراء التركي بن علي يلديريم بالفم الملآن ومن دون مراوغة، في ثاني تصريح له خلال يومين، وبتواتر يعكس جدية أنقرة في العودة إلى سياسة "صفر مشكلات"، التي عصف بها "الربيع العربي"، فحولها إلى كتلة من المشكلات في وجه تركيا.

وإذا كانت "ثقة" يلديريم في محلها لجهة قبول دمشق لها "بوساطة جزائرية ودعم روسي"، فإن الاستدارة التركية تكون قد اكتملت، وخاصةً مع استمرار الحكومة التركية بإعادة وصل العلاقات المقطوعة مع العراق ومصر، وربما مع غيرهما.

ومن اللافت أن يلديريم، الذي أكد أن هدف بناء علاقات جديدة مع سوريا والعراق "ملحٌّ وضروري"، لم يذكر هو أو أي من المسؤولين الأتراك ما درجوا على ترديده طيلة خمس سنوات عن "جرائم النظام السوري"، ولم يكرروا إصرار أنقرة السابق على "ضرورة رحيل الرئيس بشار الأسد" قبل استعادة العلاقات الطبيعية مع دمشق.

التهديد الكردي أولاً

من الواضح أن عودة تركيا لتقييم سياساتها تجاه سوريا يرجع في المقام الأول إلى التهديدات الكردية، بالإضافة إلى تضرر مصالح تركيا خلال السنوات الخمس الماضية بسبب التشدد في التعامل مع قضية بقاء الرئيس الأسد.

فتركيا التي لم تخفِ انزعاجها من "استمرار الدعم الأمیركي والروسي لـ"حزب الاتحاد الديمقراطي" الكردي السوري وذراعه العسكرية "وحدات حماية الشعب" الكردية، باتت كما يبدو ترى في الأسد ضماناً لعدم تهديد الدولة التركية بقيام دولة كردية على حدودها مع سوريا تمتد إلى داخل تركيا، وتتمثل بمنظمة "حزب العمال الكردستاني"، التي تسعى للانفصال بجنوب شرق تركيا، في إطار السعي لإقامة دولة كردستان الكبرى.

ومن يتابع الصحافة ومراكز الدراسات التركية، وخاصةً تلك المحسوبة على "حزب العدالة والتنمية" والمقربة من أردوغان شخصياً، سيجد الكثير من المؤشرات على التغيرات المتسارعة في مواقف تركيا. لا، بل سيجد تمهيداً مكثفاً لها، ربما بغية تحضير الرأي العام في الداخل التركي، كما في الخارج للخطوات التركية المتسارعة نحو تحقيق المصالحات مع الجيران وعلى رأسهم سوريا.

ذلك أن تداعيات مصالحة محتملة بين الجارتين اللدودتين، سيكون لها وقع الصاعقة على كثيرين ممن أصيبوا بمرض "تضخم الرهانات التركية"، وهم الذين لم يستفيقوا بعد، من صدمة المصالحة التركية مع "إسرائيل" والاعتذار التركي لروسيا.

فهؤلاء الذين راهنوا على أردوغان منقذا أو حليفا عليهم أن يستعدوا للمشهد الجديد. ذلك أن الرجل عُرف عنه مراوغته وسرعة انقلابه حتى على أقرب حلفائه الداخليين - وأحمد داود أوغلو ما زال في الذاكرة القريبة - ورغم تصدُّره وقتا طويلا لائحة أشد منتقدي الرئيس الأسد، فإن تغير الظروف على الأرض يمكن أن يضطره إلى التخفيف من تصريحاته، أو التواري وترك التصريحات لرئيس وزرائه ومسؤولين آخرين في الدولة، وهو ما نشهده اليوم بالفعل إذ يتسلم يلدرم زمام المبادرة في قيادة التحول الجديد.

وساطة جزائرية سرية

مع تواتر الإشارات والتصريحات القادمة من تركيا، بات أقرب إلى الحقيقة وجود وساطة  جزائرية بين البلدين، رغم عدم وجود أي تأكيد أو نفي لها من قبل البلدين.

لكن الأنباء، وجميعها من مصادر تركية، تقول إن حكومة العدالة والتنمية طلبت إلى القيادة الجزائرية، بذل مساعيها الحميدة لرأب الصدع الذي باعد ما بين دمشق وأنقرة، وإن الجزائر، التي اشتهرت دبلوماسيتها بدورها الريادي التاريخي في الوساطة وحل النزاعات، استجابت للطلب التركي، وبدأت عملية "جس نبض"، لرسم خريطة طرق معقدة وشائكة، لاستعادة العلاقات بين الجانبين وتطبيعها. 

فتركيا تعرف أن دائرة المصالحات الإقليمية والدولية التي تجهد في إتمامها، لن تكتمل من دون استحداث استدارة في الموقف من الأزمة السورية.. وسبب رئيس من أسباب التوتر في علاقات تركيا الإقليمية والدولية هو موقفها من هذه الأزمة، وفي مقدمة هؤلاء موسكو التي لا تزال تنتظر حتى بعد عودة العلاقات مع أنقرة، أن تغيِّر الأخيرة من موقفها فيما يخص الأزمة السورية، وتغلق حدودها أمام تدفق الإرهابيين والأسلحة قبل أي حديث عن عودة ناجزة ومكتملة لعلاقات البلدين. 

والأهم من ذلك أن تركيا باتت تدرك، أن ثمة "مصالح مشتركة" تجمعها مع دمشق، مبنية على درء المخاوف والتهديدات الداهمة، سواء من مشروع قيام كيان كردي، يتجه إلى إعادة إنتاج تجربة كردستان العراق أو تحول "داعش" من "مشروع حليف" إلى "تهديد حقيقي"، بعد أن غادر التنظيم مربع "الغموض" في علاقته مع أنقرة، وقرر فتح النار عليها، وعلى أوسع نطاق، وتفجيرات مطار "أتاتورك" كانت إشهاراً للتوجه "الداعشي" الجديد.

إذاً، ثمة تسارع كبير في وتيرة التحولات والاستدارات في السياسة الخارجية التركية، والأبرز فيه اليوم السعي للمصالحة مع دمشق، التي لم تبدِ حتى الآن أي رد فعل على الفعل التركي المستجد. وقد يكون من الصعب عليها قبوله بسرعة، وخاصةً من دون أثمان على الأرض، وتحديداً في حلب المحطة الأبرز في الاشتباك السوري – التركي.

وإن تحقق ذلك، فإن دمشق كما أنقرة تؤمن أنه في السياسة "ليس هناك أعداء دائمون وإنما هناك مصالح دائمة".

علي حسون/ روسیا الیوم

كلمات دليلية :