البحرين الصّغيرة تسبب صداعا كبيرا للولايات المتحدة

البحرين الصّغيرة تسبب صداعا كبيرا للولايات المتحدة
الخميس ١٤ يوليو ٢٠١٦ - ٠٩:٤١ بتوقيت غرينتش

إلى أي شخص فهم بشكل خاطئ أنّ الولايات المتحدة، باعتبارها القوة العظمى الوحيدة في العالم، يجب أن تكون قادرة على ممارسة تأثير غير مُقَيّد على سلوك الأمم الأخرى -حتى أولئك الذين نعتبرهم أصدقاء- اسمحوا لي أن أُعَرّفكم على مملكة البحرين.

البحرين، التي يبلغ عدد سكانها حوالي 1.3 مليون نسمة، نصفهم تقريبا من الأجانب من شرق وجنوب آسيا، هي مملكة صغيرة جدا، تبعد رمية حجر عن إيران، عبر مياه الخليج الفارسي.

إنّها، منذ فترة طويلة، شريك مخلص للولايات المتحدة، وحليف أساسي خارج الناتو، ومنذ اندلاع الثورة البحرينية في العام 2011، التي أدت إلى حملة قمع علنية واسعة النطاق على الغالبية الشيعية، تُشكل البحرين تذكيرا دائما بقوة الولايات المتحدة في الإقناع.

ساءت الأمور جدا، بحيث علقت إدارة أوباما في العام 2011 مبيع عربات مسلحة وصواريخ تاو إلى البحرين، تجاوبا مع مخاوف من قبل الكونغرس والآخرين، بخصوص إمكانية استخدام عربات الهامفي على الأقل من قبل قوات الأمن الداخلي ضد المواطنين البحرينيين الذين يعبرون سلميا عن استيائهم من حكومتهم.

تم استئناف مبيعات الأسلحة التي بدت ضرورية للدفاع الخارجي في العام التالي. واستندت تلك الخطوة إلى التقدم الطفيف الذي حققته الحكومة البحرينية في معالجة أوجه الخلل التي كشف عنها تحقيق مستقل أُجري في أعقاب العنف في العام 2011 - وفي جهد لدعم جهود ولي العهد الإصلاحي في البحرين، من خلال إظهار أن اختيار مسار المصالحة سيُسفر عن  مكافآت.

على الرغم من ذلك، أعادت الحكومة البحرينية تنشيط جهودها لقمع المعارضة السّياسية. في يونيو/حزيران، تحركت لتعلق أكبر وأبرز جمعية شيعية سياسية معارضة (حيث إن الأحزاب السياسية من هذا النوع محظورة)، المعروفة باسم الوفاق.  وبحسب التقديرات التي تؤمنون بها، يشكل الشّيعة بين 56 و 70 بالمائة من الشعب البحريني؛ والأسرة الحاكمة سنية. وبناء على طلب الحكومة، قامت محكمة الاستئناف بزيادة الحكم الصادر بحق الأمين العام لجمعية الوفاق إلى أكثر من ضعفيه، على خلفية مزاعم بـ "الترويج لتغيير النظام السياسي بالقوة". والمدافع البارز عن حقوق الإنسان نبيل رجب اعتُقل لإدلائه بتصريحات زائفة عن الحكومة، وتم سحب جنسية الشيخ عيسى قاسم، المرجع الديني في البحرين.

قد تتصورون أن الولايات المتحدة -نظرا للرأي الراسخ لرئيسنا، كما عبر عنه في مقابلة مع الصحافي جيفري غولدبرغ، أن "دولة لا تستطيع العمل في العالم الحديث في حين تقمع نصف شعبها" -ستكون ذات أثر كبير على البحرين لتُغير مسارها. حسنا، نحن كذلك، نوعا ما، إن كنتم تعتقدون أنه للبيانات التي يلقيها المتحدث باسم الحكومة أي معنى خارج غرفة المؤتمرات. مؤخرا، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية إننا "قلقون" بشأن حملة القمع ضد الجهات الفاعلة في المجتمع المدني، "ونحن قلقون بشدة" جراء قرار سحب جنسية الشيخ عيسى قاسم، و"منزعجون بشكل بالغ" من توجه الحكومة لحل الوفاق، وهكذا دواليك.

مع ذلك، بعيدا عن التعبير عن الاستياء، ما الذي يمكننا القيام به فعلا؟ أن نعلق مرة أخرى مبيعات الأسلحة للتعبير عن عمق قلقنا؟ على الأرجح لا، حيث إنه لا يوجد قوات أمن  حشود المتظاهرين في الشوارع. نقل الأسطول الأمريكي الخامس إلى مكان جديد؟ لا تعتمدوا على ذلك. سيكون الأمر مكلفا جدا، ونظرا للتضامن المرجح للدول الخليجية العربية مع البحرين، فليس هناك ضمانة بأن يرحب اي شخص بـ 7000 عنصر أمريكي وأسرهم والبنية التحتية الهائلة، اللازمة لدعمهم.

إنّه مصدر إحباط بالنسبة لكثير من الأشخاص، سواء داخل الحكومة أو خارجها: كيف يمكن أن تقوم هذه الجزيرة الصغيرة بتعجرف بتجاهل كل مناشداتنا لإعادة النظر في سياسات نجدها تقسيمية ومزعزِعة، وفي الوقت ذاته، تتوقع أن نهرع لحمايتها في حال واجهت أي تهديد خارجي من إيران؟ أحد أسباب ذلك هو السعودية، المحسنة العربية السنية للبحرين وجارتها، التي تدعمها بحماس -وتشجعها على الأرجح- على مواقفها المتشددة. 

في العام 2012، قال توم مالينوسكي، قبل أن يصبح مساعد وزير الخارجية لشؤون الدّيمقراطية وحقوق الإنسان والعمل، إنه على الولايات المتحدة حظر تأشيرات الدخول والوصول إلى النظام المصرفي الأمريكي على كل المسؤولين البحرينيين ذوي العلاقة الفعلية بانتهاكات جدية لحقوق الإنسان، مثل تعذيب نشطاء المعارضة. بالطّبع، لم يكن هناك تقارير عن التعذيب في تلك الفترة، وفي الواقع، غلفت الحكومة البحرينية بعض أفعالها القاسية بغلاف من الشرعية من خلال الإشارة إلى إجراء أقره البرلمان ذو الغالبية السنية، مصمم لمحو كل آثار الدين من العمليات السياسية للدولة، وهي خطوة تضرب بشكل مباشر جمعية الوفاق.

مع ذلك، عليكم أن تتساءلوا ما إذا لم يكن الوقت لإعادة إحياء النقاش بشأن تعديل ما لهذه الفكرة، إن ذكرنا فقط القيادة الرفيعة المستوى في البحرين بأن صبرنا على أفعالها ليس من دون حدود. على الرغم من ذلك، اتخاذ إجراء مماثل فعليا سيستوجب تراجعا عن المعارضة من قبل الجيش الأمريكي، الذي سيكون ذا قلق مبرر بخصوص ما إذا كان ذلك سيغرز إسفينا بيننا وبين حليف نعتمد عليه في جزء عديم الاستقرار للغاية من العالم، ولا يمكن التنبؤ به.

وهذه هي المشكلة، بالطبع. وكما هو الحال في كثير من الدول، للولايات المتحدة مصالح متعددة في البحرين، بحيث تتنافس مع بعضها البعض في الحصول على الأولوية. في هذه الحالة، يجب موازنة اعتقادنا بأن المشاركة السياسية واحترام الحقوق الرئيسية أساسيان من أجل الاستقرار، مع دور البحرين كشريك أمني مكافح للإرهاب وموثوق به. كيفية تحقيقنا للتّوازن المناسب بين قيمنا ومصالحنا -في البحرين وأماكن أخرى من العالم- هي مسألة معقدة، كما أنّها غير مرحب بها، لهذا الرئيس، وأي شخص سيخلفه.

*أمضى ستيفن سيتشي 35 عاما كمسؤول في السياسة الخارجية. هو نائب سابق لوزير الخارجية لشؤون شبه الجزيرة العربية، كما كان سفيرا للولايات المتحدة في اليمن من العام 2007 حتى العام 2010.

المصدر: مرآة البحرين

103-2